نشر في أصوات

دفاعا عن النمو الشامل المراعي للبيئة

الصفحة متوفرة باللغة:
دفاعا عن النمو الشامل المراعي للبيئة (Andrea Borgarello/World Bank - TerrAfrica)


خلال السنوات العشرين الماضية، ساعد النمو الاقتصادي على انتشال نحو مليار شخص من براثن الفقر المدقع. إلا أن هناك ما يقرب من مليار شخص مازالوا يعيشون في فقر مدقع. و 1.1 مليار يعيشون بدون كهرباء، و2.5 مليار محرومون من الصرف الصحي. بالنسبة لهؤلاء، لم يكن النمو شاملا بالشكل الكافي.

علاوة على ذلك، أتى النمو على حساب البيئة. ففي الوقت الذي يؤثر فيه التدهور البيئي على الجميع، يبقى الفقراء هم الأكثر ضعفا أمام الأحداث الجوية العنيفة والفيضانات وتغير المناخ.

وقد تعلم خبراء التنمية وصناع السياسات ومؤسسات كالبنك الدولي درسا كبيرا ألا وهو: إذا كنا نود أن ننجح في إنهاء الفقر، فلابد أن يكون النمو شاملا ومستداما. هناك ثلاثة جوانب مهمة لتحقيق ذلك: الحصول على الطاقة، الإدارة المسؤولة للموارد، والإدارة العامة الرشيدة. أولا، يحتاج الناس إلى الحصول على الطاقة لكي يطرحوا الفقر وراء ظهورهم. بيد أن قطاع الطاقة يمتلك إمكانيات كبيرة للحد من الفقر في الوقت الذي يحقق فيه مكاسب "بيئية".

ومع هذا، يظل التحدي الذي تشكله الكهرباء مضنيا. في إثيوبيا التي يعيش بها 91 مليون نسمة، يعيش 68 مليون منهم في ظلام. بدون كهرباء، لا يستطيع الأطفال أن ينجزوا واجباتهم ليلا، ولا يستطيع الناس أن يديروا أنشطة تنافسية، ولا تستطيع البلاد أن تزود اقتصادها بالطاقة.

هذا هو السبب في أن الحصول على الطاقة المستدامة هو غاية إنمائية في حد ذاته. فوفقا لأحدث البيانات، يزداد عدد من يحصلون على الكهرباء بوتيرة أسرع من ذي قبل. إلا أن المكاسب على صعيد الأشكال المتجددة من الطاقة والتقدم في كفاءة الطاقة بطيء للغاية. فما زال ثلاثة مليارات شخص تقريبا يطهون الطعام باستخدام أنواع ملوثة من الوقود، مثل الكيروسين والفحم، وروث الحيوان.

المجال الثاني المهم للتحول إلى التنمية المستدامة والشاملة هو الإدارة المسئولة للموارد.

فقطاع المصايد، على سبيل المثال، يتضمن العديد من الفرص للإدارة الذكية والمستدامة للموارد.

فالإدارة الجيدة للاقتصاد "المائي" يمكن أن تضمن الأمن الغذائي، وتشجع السياحة المستدامة، وتبني المرونة. وتؤدي الإدارة غير الفعالة لمخزونات الأسماك والصيد غير المشروع إلى تكبيد الإنتاج العالمي خسائر تتراوح بين 75 مليار و 125 مليار دولار سنويا، وإلى تقويض الأمن الغذائي والإيرادات الآجلة.

لدى إندونيسيا أكثر من 2.6 مليون صياد. وهي ثاني أكبر منتج للأسماك التي تعيش في بيئات طبيعية حول العالم.

فإذا تمكنت من تحسين إدارة قطاع المصايد واستثمرت في النقل البحري العملاق والبنية الأساسية للتجارة، سيمكنها مضاعفة إنتاج الأسماك بحلول عام 2019.

والإدارة العامة هي ثالث مجال يحتاج إلى الانتباه العاجل. بالنسبة للعديد من البلدان، يشكل هذا أكبر تحد.

وتشير التقديرات (e) إلى أن الإزالة غير المشروعة للأشجار تجلب ما بين 10 و 15 مليار دولار سنويا على مستوى العالم.

هذه مشكلة في تطبيق اللوائح القائمة أو في وضع قوانين أفضل. وهي قضية عالمية تتفشى في العديد من البلدان الغنية بالموارد.

ويشكل تحسين الشفافية والرقابة عنصرا أساسيا. وفي كثير من الأحيان، تجهل الهيئات الحكومية مدى استمرارية القطاعات وأي الموارد الطبيعية تتعرض للاستنزاف.

فقطاع الطاقة، على سبيل المثال، يحتاج إلى بيانات أكثر وأفضل عن الاستخدام البسيط للطاقة والانبعاثات. هذه "المحاسبة الشاملة المراعية للبيئة" مفقودة حاليا.

لكنها أيضا مسألة قيادة، وبناء للتوافق، وتحقيق للمصالح المكتسبة، والمفاضلة بين البدائل للانتقال من النمو "القذر" والمحتكر إلى النمو المستدام الشامل.

إذن، كيف يمكننا التغلب على العقبات لجعل النمو مستداما وشاملا؟

هناك كثيرون يخشون من أن يكون النمو المراعي للبيئة باهظ التكلفة، ويمكن أن يتسبب في هبوط الإنتاج وأن تقتصر ثماره فقط على البلدان مرتفعة الدخل. هذا الخوف قصير النظر. فليس النمو المستدام بعيد المنال ولا مستحيل فنيا.

لكنه يأتي مصحوبا بتحديات، تشمل تكاليف مسبقة وتمويلا طويل الأجل لفترات تتراوح بين 15 و 25 عاما. والقليل من البلدان النامية هي التي تمتلك أسواق رأس مال مناسبة أو قطاعات بنكية.

إن تحسين مزيج الطاقة سيحد من المخاطر على البيئة والمالية العامة. وقد خفضت تركيا بشدة من نصيبها من النفط لصالح الغاز. وقلصت تايلاند اعتمادها على منتجات البترول من ثلثين إلى ثلث واحد.

وثمة تحد آخر يتمثل في استرداد التكاليف وبيئة السياسات المواتية التي لا تضمن فقط قدرتنا على بناء المدارس، بل وعلى تحسين التعليم. فمحطات الطاقة لن تكون مفيدة إذا كانت شركة المرافق تعمل بخسائر كبيرة. والقليل من مشاريع البنية الأساسية هي التي يمكنها أن تبيع إنتاجها بكامل التكلفة. ولذا ينبغي أن نجد السبل الكفيلة لتيسير استرداد التكاليف، في الوقت الذي يتم فيه الحفاظ على إتاحة الخدمات بأسعار مواتية للأسر والمجتمعات منخفضة الدخل.

نحتاج إلى اقتناص هذه الفرص بحكمة. وقد زادت الاستثمارات في التكنولوجيا النظيفة في الفترة من 2011 إلى 2012 في البلدان النامية بنسبة 19 في المائة. وزادت عائدات 90 في المائة من أنشطة التكنولوجيا الجديدة حتى أثناء الهبوط الاقتصادي العالمي.

ونما الاقتصاد الصيني أكثر من 10 في المائة على مدى عقود، إلا أنه فقد 9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي المتوقع لصالح "النمو البني." وردا على ذلك، تتحول الصين بأنشطتها الاقتصادية إلى اقتصاد الابتكار والقيمة المضافة المرتفعة.

وبوسع شرق آسيا أن تمضي في صدارة التنمية المراعية للبيئة. ودمجت كمبوديا وفيتنام خطط النمو المراعي للبيئة ضمن سياساتهما الاقتصادية. فأحدث خطة إنمائية تنفذ على سنوات عديدة في تايلاند تتضمن هدفا يتمثل في تخفيف كثافة الطاقة بنسبة 25 في المائة بحلول عام 2030.

آخرون يمكنهم أن يتعلموا من هذه التجارب. ومن الأنباء السارة أن أعدادا متزايدة من البلدان، المتقدمة والنامية، باتت تفهم الآن أن نجاحها سيتوقف على كيفية نموها، وليس فقط على نسبة هذا النمو.

هذه المدونة مقتبسة من كلمة تم إلقاؤها في يونيو/حزيران 2015. للاطلاع على النص الكامل يرجى النقر على هذا الرابط. (e)


بقلم

سري مولياني إندراواتي

رئيس خبراء العمليات والمدير المنتدب، البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000