في يوم الأحد هذا الموافق 11 أكتوبر/تشرين الأول، يحتفل العالم باليوم الدولي للطفلة. وعلى الرغم من أن هذا اليوم يعد فرصة لمناصرة حقوق الفتيات في العديد من القطاعات، ثمة قضية ملحة ومميتة تسترعي منا الاهتمام مجددًا: إنها تفشي ظاهرة زواج الأطفال.
فكل سنة تتزوج 15 مليون فتاة دون سن الثامنة عشر. ويرتبط زواج الأطفال بارتفاع معدلات المخاطر الصحية التي تتعرض لها هذه الفتيات وأطفالهن. ويساهم زواج الأطفال في زيادة النمو السكاني، ومن ثم يهدد سبل وصول الأسر المعيشية إلى الموارد التي غالبًا ما تكون نادرة والتي تحتاج إليها هذه الأسر كي تشعر بالرفاهية، كما إنه يضع ضغوطًا على الموازنات العامة للدولة ويغل يدها عن تقديم خدمات ذات جودة.
ويأتي التخلص من زواج الأطفال القسري وفي سن مبكرة ضمن أهداف التنمية المستدامة تحت مظلة الهدف 5 ــ تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات من أسباب القوة. وهذه أخبار طيبة. لكن حتى يتسنى للحكومات والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية المواجهة الجادة للتحدي المتمثل في التخلص من زواج الأطفال، ثمة حاجة إلى أدلة وشواهد على الآثار السلبية لزواج الأطفال، وكذلك ما الإجراءات الناجعة للتخلص من هذه الممارسات.
وفي هذا الصدد يتعاون المركز الدولي لبحوث المرأة والبنك الدولي في مشروع بحثي مبتكر مدته 3 سنوات للقيام بذلك على الوجه الصحيح. ويتضمن هذا البرنامج تحليلًا مكثفًا للبيانات ــ وبالنسبة لثلاثة بلدان، تم جمع بيانات جديدة لتحسين فهم التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال وقياسها. وتقوم بتمويل هذا المشروع مؤسسة بيل وميليندا غيتس و مؤسسة الاستثمار في الأطفال.
وقد تم تعميم تقرير موجز حول نتائج أولية مختارة من التحليل الذي تم إجراؤه على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الماضي. ويشير هذا التقرير إلى أن زواج الأطفال له آثار سلبية واسعة النطاق على السكان والصحة والتغذية.
الخصوبة والنمو السكاني
لعدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة على مدى عمرها آثار جوهرية على صحتها، وقدرتها على المشاركة في أنشطة خارج الأسرة، ومعدلات فقر أسرتها. ويشير تحليل لمسوحات ديموغرافية وصحية لستة بلدان إلى وجود آثار كبيرة لزواج الأطفال على عدد المواليد الأحياء للمرأة على مدى عمرها. ففي نيجيريا، على سبيل المثال، نجد أن الفتيات اللاتي يتزوجن عند سن 12 سنة ينجبن عددًا من المواليد بنسبة 30 في المائة في المتوسط أكثر من النساء اللاتي يتزوجن بعد سن 18 سنة. وحتى الزواج عند سن 17 سنة وليس 18 سنة يزيد عدد المواليد بنسبة 18 في المائة.
وفي المتوسط، فإن النساء اللاتي يتزوجن في سن الطفولة ينجبن أطفالًا بنسبة تصل إلى 1.4 مرة على مدى عمرهن مقارنة بمن يتزوجن بعد سن 18 سنة. وفي بعض البلدان مثل مصر، يكون هذا الأثر أقل، لكن في بلدان أخرى مثل إثيوبيا، يكون الأثر أكبر.
ونظرًا لأن الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة يكون لديهن عدد أكبر من المواليد على مدى أعمارهن، فإن زواج الأطفال يسهم في زيادة النمو السكاني. وتشير التقديرات إلى أنه من الممكن أن تتراجع معدلات النمو السكاني سنويًا في البلدان التي تتفشى فيها ظاهرة زواج الأطفال مثل النيجر، إذا تم التخلص من زواج الأطفال، مع عدم وجود زيادة في المواليد خارج مظلة الزواج من جانب الفتيات البالغات. ومن المتوقع أن تكون آثار هذه التغيرات على المستوى الإجمالي بالنسبة للنفقات الحكومية والخاصة كبيرة، مما يعني الحد من الطلب على الخدمات والبنية التحتية التي تعاني في أغلب الأوقات من الإجهاد بسبب شدة الطلب عليها، وكذلك على الموازنات الحكومية والخاصة، مع تحقيق منافع ديموغرافية محتملة كبرى.
معدلات الوفيات وسوء التغذية دون سن الخامسة
يؤدي زواج الأطفال إلى زيادة مخاطر وقوع حالات وفيات وتفشي الأمراض بين الأمهات والأطفال دون الخامسة، وهو ما يفضي إلى آثار اجتماعية واقتصادية هائلة على مستوى الفرد والدولة بأسرها. ويشير تحليل المسوحات الديموغرافية والصحية إلى أن مخاطر وقوع حالات الوفاة بين الأطفال دون الخامسة تزيد زيادة كبيرة عندما يولد الطفل لأم دون الثامنة عشر مقارنة بالطفل الذي يحمل نفس الصفات ويولد لأم أكبر سنًا. وبالتالي، فإن تأخير سن الزواج يساعد على الحد من معدلات الوفيات بين الرضع والأطفال.
والطفل الذي يولد من رحم طفلة يعاني من معدلات مخاطر أعلى فيما يتعلق بسوء التغذية مقارنة بالطفل الذي يولد لأم أكبر سنًا ــ ويعتبر ذلك عائقًا كبيرًا أمام تحسين صحة الطفل، وتعليمه، وعلى المدى الأطول مساهمته في تحسين الوضع الاقتصادي لأسرته وبلده من خلال العمل. وتشير التحليلات بناءً على المسوحات الديموغرافية والصحية إلى أن الطفل الذي يولد من رحم طفلة يعاني من معدلات مخاطر أكبر فيما يتعلق بالتقزم مقارنة بالطفل الذي يولد لأم أكبر من 18 سنة، مع وجود مخاطر أخرى تنجم عن زيادة احتمال انخفاض الوزن عند الميلاد. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن ذلك الأثر يبلغ 7 نقاط مئوية. وعلى المستوى الإجمالي، من الممكن أن يكون لذلك آثار كبرى على بلدان تسعى إلى تعزيز القدرات البشرية وصحة سكانها.
الآثار المتعددة
غالبًا ما يقال أن عملية التنمية متعددة الأبعاد حيث تؤثر مواطن الضعف والقابلية للتأثر بالمخاطر في بعض النواحي والمجالات على نواح ومجالات أخرى. ويأتي زواج الأطفال كخير مثال على ذلك، نظرًا لأنه يؤثر على العديد من الجوانب والمجالات في حياة الفتاة التي تتزوج مبكرًا، وعلى أطفالها، وعلى مجتمعها. ولا ينطبق ذلك على الصحة والتغذية والسكان فحسب، ولكن أيضًا على التعليم ومشاركة قوة العمل وتحقيق الدخل، والقدرة على صنع القرار داخل الأسرة، والعنف الموجه ضد المرأة. ونتيجة لذلك، تعتبر الآثار الاقتصادية لزواج الأطفال وما يصاحبه من تكاليف كبيرة وواسعة النطاق.
وسيتم نشر النتائج المستخلصة من البحث المشترك بين البنك الدولي والمركز الدولي لبحوث المرأة على موقع المشروع على شبكة الإنترنت بمجرد أن تكون متاحة. ومن المخطط إقامة فعاليات لإطلاق وتعميم النتائج المستخلصة من المرحلة الأولى من البحث في النصف الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2015 لدى البنك الدولي.
انضم إلى النقاش