تخيل إحصاء كل سيارة وشاحنة وحافلة في شوارع مدينتك الكبرى لأيام عديدة وعلى مدى ثماني سنوات. هذا بالضبط ما فعلناه في القاهرة، بقليل من العون من أحد الأقمار الصناعية. وقمنا بتغذية هذه البيانات شديدة التواتر في خوارزميات التعلم الالي لفهم الأنماط المرورية في المدينة. وتم ربط بيانات المركبات ببيانات تلوث الهواء الواردة من محطات الرصد الأرضي لفهم مدى تأثير تغير أوضاع المرور على تلوث الهواء، وكيف يمكن تغيير حالة المرور لتحسين جودة الهواء. ووجدنا أن تخفيض عدد المركبات بنسبة 1% يؤدي بالتبعية إلى انخفاض الجسيمات الدقيقة العالقة (PM10) بنسبة 0.27%. وطبقنا أساليب تقييم الأثر لتقدير الأثر المترتب على العديد من السياسات، وأبرزها تشغيل خط جديد للمترو، وإلغاء الدعم على الوقود. فوجدنا أن تشغيل الخط الثالث للمترو أدى إلى انخفاض الجسيمات الدقيقة العالقة بنسبة 3%، وانخفاضها بنسبة 4% تقريبا بعد الموجتين الأولى والثانية من إلغاء الدعم على الوقود. هذه النتائج المختصرة التي وردت في تقرير صدر حديثا تمهد الطريق لتحويل رؤية مصر بشأن توفير هواء نقي إلى واقع ملموس.
وفي إطار استراتيجية التنمية المستدامة: مصر 2030، تعهدت الحكومة بتخفيض تلوث الهواء الناجم عن الجسيمات الدقيقة العالقة بمقدار النصف بحلول عام 2030. وثمة تحسينات كبيرة تمت على الطريق لتحقيق هذا الهدف. وفي واقع الأمر، انخفضت درجة تركز الجسيمات الدقيقة العالقة الملوثة للهواء في القاهرة بنحو 25% على مدى العقد الماضي. ورغم هذه التحسينات، مازالت مستويات التلوث في المدينة أعلى بمرات عديدة عن تركيزات الانبعاثات للقيم المستهدفة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، وأعلى من الإرشادات الوطنية، ومن ثم فمن الأهمية بمكان ألا تفقد الزخم وأن تستمر في البناء على ماتحقق حتى الآن.
يمثل تلوث الهواء مشكلة ملحة بسبب آثاره الخطيرة على صحة الإنسان. وقد وجد في جميع أنحاء العالم أن ارتفاع معدلات تلوث الهواء يفضي إلى آثار صحية سلبية فورية، مما يؤدي إلى تدفق المرضى على المستشفيات. ومصر لا تختلف كثيرا عن باقي أنحاء العالم من حيث هذا الارتباط الوثيق بين التلوث والصحة، حسبما يتجلى في دراسة وبائية نعكف على إجرائها حاليا مع الحكومة المصرية. وترصد الدراسة إلى أي مدى يزداد عدد المرضى الذين يترددون على مستشفيات أمراض الصدر بسبب التلوث. كما أن لتلوث الهواء تأثيرا اقتصاديا سلبيا، فضلا عن تأثيره على الإنتاجية وعلى جاذبية المدينة. ولتقييم الآثار السلبية لتلوث الهواء على رفاه المواطن، أجرينا دراسة عن تكلفة التدهور البيئي قدرت أن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى حاليا يكبد الاقتصاد المصري ما يعادل 1.35% من إجمالي الناتج المحلي سنويا (هذا باحتساب الخسائر على الصحة في القاهرة الكبرى فقط).
وتمثل معرفة نصيب كل مصدر في التلوث بالتفصيل خطوة أولى مهمة. وفي حالة مصر، يأتي ما يقرب من ثلث المكونات الوائية للجسيمات الدقيقة (PM10)العالقة الملوثة من وسائل النقل، ويأتي ثلث آخر من حرق النفايات (المخلفات الزراعية والبلدية)، فيما يأتي الباقي من مصادر مختلفة في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة. راجع ما كتبه (لوينثال وغيرتلر ولبيب 2014). وقد حققت مصر تقدما على صعيد التصدي لحرق المخلفات الزراعية، على سبيل المثال، بالإيعاز للمزارعين بتغيير سلوكهم من خلال شراء قش الأرز الذي كانوا يحرقونه في السابق.
واتخذت مصر خطوات نحو الحد من الانبعاثات المرورية، وسنت مؤخرا تشريعا لإرغام السيارات القديمة على الخروج من الخدمة. كما افتتحت خطا ثالثا للمترو وقلصت دعمها لأسعار الوقود. ومن شأن فهم أي السياسات نجحت في الحد من تلوث الهواء أن يساعد بدرجة هائلة في تصميم السياسات في المستقبل. وقد ساعدتنا خوارزميات التعلم الالي في تقييم أهم إجرائين قامت بهما الحكومة- افتتاح الخط الثالث للمترو، وإلغاء دعم للوقود. وبمجرد أن تبين لنا تأثير انخفاض عدد السيارات على الجسيمات العالقة (PM10)باستخدام العلاقة بين التركيز والاستجابة من دراسة الأمراض الوبائية، قدرنا أن هاتين السياستين اللتين تم تطبيقهما قد أسهمتا في تجنب المئات من حالات الوفاة المبكرة سنويا. اقرأ البحث للاطلاع على المزيد من التفاصيل عن كيفية توصلنا إلى تقدير هذه الأرواح التي تم إنقاذها تقريبا بفضل هذه السياسات.
وبمواصلة تنفيذ كل هذه الأنواع من السياسات، ستتمكن مصر أيضا من تحسين مستوى الأحوال المعيشية والصحية للمواطن.
*وفر برنامج إدارة التلوث والصحة البيئية (الدقيقة) وصندوق الاستئمان الكوري للنمو الأخضر التمويل اللازم لإعداد التقارير المذكورة.
انضم إلى النقاش