في منتصف 2014، قام فريق عمل البنك الدولي المعني ببرنامج المدن ذات القدرة التنافسية بزيارة كيغالي في رواندا، وهي العاصمة الوطنية الوحيدة بين 6 دراسات حالة لدينا عن مدن ناجحة اقتصاديًا حول العالم، وتمثل هذه المدينة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وقد شهدت كيغالي ورواندا بأسرها معدلات نمو هي الأسرع على مستوى القارة فيما يتعلق بإيجاد فرص عمل وزيادة الدخل ، وذلك على الرغم من أن نقطة البداية كانت متدنية نسبيًا. ونحن نهدف في هذا الصدد إلى فهم العوامل والإجراءات التدخلية المحددة التي عززت هذا النجاح، والوقوف على بعض الدروس كي تستفيد منها مدن أخرى.
حقق المجتمع الرواندي معدلات انتعاش ملحوظة منذ حرب الإبادة والاضطرابات الاقتصادية التي شهدتها فترة التسعينيات عندما فقدت البلاد نسبة كبيرة من سكانها وقدراتها وإمكاناتها الإنتاجية. وتطلبت عملية إعادة بناء البنية التحتية للبلاد ومؤسساتها وتهيئة بيئة داعمة لنمو القطاع الخاص جهودًا مضنية.
وعلى خلاف بعض البلدان الأخرى في المنطقة، تعتبر رواندًا سوقًا صغيرًا نسبيًا، وليس لها سواحل، كما إنها تفتقر إلى بنية تحتية متطورة في مجال النقل والمواصلات كما تفتقر إلى الموارد الطبيعية الهائلة. ولهذا، تضمنت نقاط الترويج الرئيسية لجذب المستثمرين الدوليين الاستقرار الذي شهدته البلاد مؤخرًا، وجودة الحياة هناك، وتحسين رأس المال البشري، والجمال الطبيعي الذي تتمتع به البلاد. وقد كانت مناظر الجبال الاستوائية الخلابة، والبحيرات والبراكين، والتنوع البيولوجي الذي تتمتع به رواندا، ووجود الغوريلا في الحياة البرية من عوامل الجذب الرئيسية للزائرين والسائحين، كما عمل تحسين مراكز ومنشآت المؤتمرات والاجتماعات على تحويل كيغالي إلى ملتقى إقليمي لرجال الأعمال المسافرين.
وتضمنت الخطط الوطنية لرواندا استراتيجيات لتطوير القطاعات المستهدفة (مثل السياحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخدمات المالية والمهنية، والتعدين والزراعة). وفي منتصف العقد الأول من القرن الحالي، عمل تنفيذ البرنامج الوطني لتنظيم حيازة الأراضي على تحسين إجراءات تسجيل الأراضي في رواندا بصورة هائلة، وأدى ذلك إلى إنعاش سوق الأراضي وتشجيع الملكية الخاصة، وتبعًا لذلك شهد قطاع العقارات والإنشاءات طفرة كبيرة أدت إلى تعزيز نمو إجمالي الناتج المحلي وإيجاد المزيد من فرص العمل.
وباعتبار كيغالي عاصمة البلاد وأكبر مدينة فيها، فقد كانت المستفيد الأكبر من العديد من الإجراءات والتدابير وجهود التنمية الاقتصادية الاستباقية. وواقع الحال أن معدلات زيادة فرص العمل ونمو الدخل في كيغالي فاقت بوجه عام ما تحقق في بقية أنحاء البلاد. فالعاصمة كانت جاذبة للعمالة الماهرة من جميع أنحاء البلاد، بينما استهدفت الحملات الخارجية لجذب المواهب المغتربين الروانديين، وقدمت لهم الحوافز للعودة إلى وطنهم الأم الذي أضحى ينعم بالسلام والاستقرار.
وتم استكمال السياسات الوطنية بمبادرات فعالة للغاية على مستوى هذه المدينة. وبعد سنوات من الصراع، تضمنت بعض المتطلبات الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي تحسين السلامة العامة، وهياكل حوكمة أكثر قوة، وتحسين مناخ ممارسة أنشطة الأعمال، وخدمات عامة أكثر فاعلية، وتحسين إمكانية التأقلم والعيش في البلاد بوجه عام من خلال مثل هذه التدابير والإجراءات باعتبارها عوامل محركة لتنظيف وتجميل هذه المدينة. وتحسنت الشفافية والمساءلة العامة من خلال إسناد عقود تنافسية تقوم على أساس الأداء، ومن خلال اعتماد سياسة عدم التهاون المطلق في التعامل مع الفساد. وتم تعزيز القدرات المؤسسية لدى الهيئات الحكومية في المدينة من خلال النجاح في جذب موظفين مهنيين ذوي كفاءة عالية، وشراكات فعالة مع مؤسسات أجنبية، مما ساعد على اعتماد العديد من أفضل الممارسات على مستوى العالم. وتحسنت معدلات تحصيل الضرائب، وصاحب ذلك تحسين الخدمات البلدية المقدمة. وتم التخلص من أحد المعوقات الرئيسية لنمو الشركات وأنشطة الأعمال في هذه المدينة من خلال إنشاء خدمة "الشباك الواحد" التي ضمت جميع الهيئات والمؤسسات العامة المعنية بتقديم واعتماد تراخيص البناء تحت سقف واحد، ومن ثم ضمان إصدار جميع الموافقات الضرورية واستلام التراخيص في غضون 30 يوم عمل من تاريخ التقدم بالطلب.
وتعتبر كيغالي مثالًا جيدًا لمدينة نجحت في تعزيز سياسات التنمية المحلية واستكمالها بإجراءات تدخلية على مستوى المدينة استهدفت التخلص من المعوقات التي كانت تحول دون نمو أنشطة الأعمال والشركات ــ وكان من بين هذه السياسات والإجراءات الحوكمة والشفافية والموضوعات والمسائل التنظيمية وتلك التي تخص مناخ أنشطة الأعمال، والعوامل التي تساعد في تحسين جودة الحياة. وتعتبر الإنجازات التي حققتها كيغالي مذهلة إذا أخذنا في الاعتبار الإرث الصعب من الماضي القريب الذي شهدته البلاد، ووجود قطاع خاص لم يتطور بعد نسبيًا إلى المستوى المطلوب.
ودراسة الحالة الخاصة بكيغالي هي الثالثة في سلسلة تضم 6 تقارير عن مدن ناجحة اقتصاديًا ــ واحدة من كل منطقة على مستوى العالم ــ تم نشرها في 2015 من قبل فريق عمل البنك الدولي المعني ببرنامج المدن ذات القدرة التنافسية بتمويل من برنامج الصناعات التنافسية والابتكار.[1] تقدم هذه التقارير دراسة أكثر تفصيلًا حول ما قامت به كل مدينة على وجه الدقة لتحقيق هذا النجاح في الآونة الأخيرة، وكيف شرعت في ذلك.
ومن خلال مساهمة برنامج الصناعات التنافسية والابتكار، أضحى من الممكن وجود "مدن قادرة على المنافسة لتوفير فرص العمل وتحقيق النمو". وتم إطلاق التقرير الشامل وأوراق العمل المرافقة له في واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2015، وسيكون هناك عدد من الفعاليات الإقليمية في هذه السنة. وفي 10 مارس/آذار، سيتم إطلاق تقرير "مدن قادرة على المنافسة لتوفير فرص العمل وتحقيق النمو" في آسيا في فعالية ستقام في سنغافورة احتفالًا بالأسبوع الحضري للبنك الدولي في 2016. للحصول على الجدول الزمني كاملًا، يُرجى زيارة صفحة الفعاليات.
[1] Kulenovic, Z. Joe, and Cech, Alexandra (2015) ــ دراسات حالة عن 6 مدن ناجحة اقتصادية: ماذا تعلمنا؟، ورقة عمل للبنك الدولي، 2015.
انضم إلى النقاش