قال المواطن عبد المنعم، الذي يبلغ من العمر 30 عاما ويعيش في صنعاء، وهو يشعر بسعادة، "لن تتصور كيف كان شعوري وأنا أرى الشوارع تضاء؛ لقد ذكرني هذا بالأيام الخوالي. فقد منحني ذلك أملا في أن الحرب ستضع أوزارها يوما ما، وستعود إلينا الكهرباء مرة أخرى."
لم يكن عبد الرحمن هو وحده الذي شعر بهذه الفرحة الغامرة. فبمجرد إضاءة أحد شوارع صنعاء التجارية بالطاقة الشمسية، انتشرت الاحتفالات بين سكانها.
حتى قبل أن يبدأ الصراع الحالي في اليمن، كان العديد من سكان البلاد التي مزقتها الحرب محرومين بالفعل من خدمات الكهرباء الأساسية. وتردى الوضع أكثر عندما تفاقم الصراع في بداية عام 2015. وانخفضت نسبة سكان اليمن الذين كانوا يحصلون على الكهرباء من 66% عام 2014 إلى أقل من 10% بنهاية عام 2017. ومضات الأضواء الليلية التي كانت ترصدها صور الأقمار الصناعية تعكس تراجعا في استهلاك الكهرباء بنسبة 75% تقريبا.
التقييم الذي أجراه البنك الدولي بالاشتراك مع حكومة اليمن يظهر أن مايقرب من 55% من أصول البنية الأساسية في قطاع الكهرباء في 16 مدينة شملها التقييم تم تدميرها، وأن 12% فقط هي التي مازالت تعمل بكامل طاقتها. وكان لنقص مرافق الشبكات العامة العاملة تأثير سلبي كبير على توفير الخدمات الأخرى المهمة، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، وما جلبه ذلك من عواقب على التنمية والفقر. على سبيل المثال، أدى نقص الكهرباء إلى تعطيل عمل محطات معالجة المياه المستعملة التي ساهمت- من بين أسباب أخرى - في تفشي وباء الكوليرا إلى حد كبير.
في سيناريوهات مابعد الصراع، عادة ماتستخدم مؤسسات إنمائية دولية، مثل البنك الدولي، مواردها المالية وخبراتها الفنية لإعادة تأهيل البنية الأساسية العامة من خلال مشاريع استثمارية واسعة النطاق. ولكن في حالة اليمن، الذي مازال في خضم الصراع ويحتاج إلى التعجيل باستعادة الخدمات، ركز البنك الدولي على مصادر الطاقة الأصغر الموزعة خارج نطاق الشبكة العامة، كالطاقة الشمسية الأسهل والأسرع في التوصيل، والأكثر مرونة، والتي تقل كلفتها باضطراد بالمقارنة بحلول الطاقة التقليدية المرتبطة بالشبكة أو المعتمدة على الوقود الأحفوري.
في عام 2017، بدأت المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي في المساعدة على إعادة الإحساس بعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد من خلال إعادة الخدمات الأساسية بالمناطق الحضرية عبر المشروع الطارئ للخدمات الحضرية المتكاملة في اليمن. وبالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، يمول البنك حلول الطاقة الكهروضوئية المولدة خارج الشبكة الرئيسية من الطاقة الشمسية لتشغيل المدارس والمستشفيات وأعمدة الإنارة في الشوارع ومرافق المياه والصرف الصحي.
المشروع يساعد على توفير أكثر من ثلاثة آلاف نظام متكامل للإضاءة بالطاقة الشمسية بمصابيح ليد لإنارة شوارع صنعاء وعدن ليغطي طرق المدينة لمسافة تمتد إلى 50 كيلومترا. يتألف كل نظام منها من 130 لوحا شمسيا ومصابيح ليد الموفرة للطاقة بقوة 80 واط توضع جميعا في وحدة واحدة سهلة التركيب، إلى جانب بطاريات تخزين متكاملة تسمح لمصابيح الشوارع بالعمل لثلاثة أيام حتى في الأجواء الغائمة. وبفضل امتداد فترة صلاحيتها إلى 25 ألف ساعة، تساعد مصابيح الليد بدرجة كبيرة على تقليص كلفة الصيانة وزيادة الاستدامة لأنها تساعد على تجنب تكرار الاستبدال، وذلك على النقيض من المصابيح التقليدية.
هذا المزج المبتكر بين الطاقة الشمسية والإضاءة الموفرة للطاقة في الشوارع هو الأول من نوعه في أي عملية من عمليات البنك. ومع انخفاض أسعار كل من ألواح الخلايا الكهروضوئية ومصابيح الليد وزيادة كفاءتها، فإن هذا النوع من الحلول يمكن أن يكون مرشحا للمحاكاة في بلدان أخرى ابتليت بالهشاشة والصراع والعنف.
وقد جلبت الطاقة الشمسية، ومصابيح الليد لإضاءة الشوارع منافع أخرى عديدة تتجاوز مجرد توفير الطاقة والحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. فهذه الأضواء المحدودة الصيانة والضئيلة في كلفة تشغيلها زادت من السلامة المرورية ومن أمن المشاة والمجتمعات المحلية، خاصة المرأة، وخلقت مناخا مواتيا لزيادة النشاط الاقتصادي الذي يفضي إلى فتح العديد من المحلات والأكشاك على امتداد الشوارع المضاءة حديثا.
والأهم، أنها تساعد في اعادة الإحساس بعودة الأمور إلى طبيعتها لدى المواطن الذي أبدى قدرة هائلة على الصمود رغم الصراع الجاري. وهذا من أسباب احتفال أناس من أمثال عبد المنعم.
انضم إلى النقاش