تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعضا من أفضل المتعلمين العاطلين عن العمل في العالم. ويشكل خريجو الجامعات من أصحاب المهارات العالية حاليا نحو 30% من مجموع العمالة العاطلة عن العمل في المنطقة، والكثير منهم من النساء. في تونس أكثر قليلا من نصف السكان في سن العمل بلا وظيفة، وغالبيتهم العظمى من النساء. ويكمن جانب من المشكلة في أنه على الرغم من تحقيق بعض النمو الاقتصادي فإنه لا يتم خلق وظائف جديدة كافية.
ويقدم الاقتصاد الرقمي، لا سيما من خلال شركات المنصات، فرصة لخلق الوظائف الجديدة المطلوبة. وكما جاء في تقرير عن التنمية في العالم 2019: الطبيعة المتغيرة للعمل، تمكن المنصات الأفراد والشركات من الاستفادة من القدرات المادية والبشرية غير المستغلة، وتحويل رأس المال المعطل إلى رأس مال نشط. على سبيل المثال، يوفر تطبيق كريم وهو التطبيق رقم 1 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لخدمات نقل الركاب، وسيلة للأفراد للإعلان عن وقت فراغهم ومتى يمكنهم تأجير سياراتهم سواء كانت سيارة فاخرة أو دراجة نارية أو توك توك لتحقيق دخل. وتمكن مواقع العمل الحر مثل آب وورك مبرمجي الكمبيوتر العاطلين عن العمل وغيرهم من أصحاب المهارات العالية من العثور على العمل عبر الإنترنت مع الشركات في الخارج. ويحدد العاملون الساعات التي يمكنهم العمل فيها مما يساعد المزيد من النساء على العمل.
تنمو شركات المنصات بسرعة في كثير من المناطق حول العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن بين الأمثلة على ذلك جملون وهو موقع لبيع الكتب على الإنترنت بالأردن، وتاتوراما بمصر. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لضمان تحقيق الاقتصاد الرقمي كامل إمكاناته.
وتركز معظم المناقشات الدائرة حول كيفية إعداد البلدان للنجاح في الاقتصاد الرقمي على الاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وهو أمر ضروري. ومن يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين الأكثر حرمانا من هذه الخدمات. وتحتاج الحكومات أيضا إلى تشجيع الأعمال الرقمية على النمو والازدهار عن طريق خلق بيئة أعمال مواتية. وأدت اللوائح التنظيمية المرهقة في المنطقة إلى وجود شركات أصغر وأقل إنتاجية وغير رسمية على الأرجح. ويجب أن يكون تحقيق تكافؤ الفرص بين الشركات أولوية قصوى.
وهناك عنصران إضافيان ضروريان إذا أريد لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تحقق النجاح.
أولا، يتعين على واضعي السياسات أن يفكروا أبعد من إصلاح السياسات التقليدي الذي يركز على الشركات. ولتعزيز الاقتصاد الرقمي المزدهر، تحتاج السياسات إلى دعم الأفراد أيضا. ويمكن لبرامج الحماية الاجتماعية القوية أن تساعد الناس على التكيف مع أسواق العمل الأكثر مرونة الناتجة عن التكنولوجيا الرقمية. وعلاوة على ذلك، فإن ما بين 40 و70% من العاملين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يحصلون على أي حماية اجتماعية أو قانونية فيما يسمى بالقطاع غير الرسمي. وبالمثل، لا تندرج العمالة بلا أجر أو العمل لحساب الذات، وهي سمة الاقتصاد الذي لا يقوم على التوظيف، ضمن برامج التأمينات الاجتماعية التقليدية السائدة في المنطقة. تثير المرونة المخاوف بشأن عدم استقرار الدخل وبرامج الحماية المرتبطة بالعلاقات المعيارية بين صاحب العمل والموظف، مثل برامج التقاعد والتأمين الصحي والإجازة مدفوعة الأجر. ولم يتم تطوير شبكات الأمان الاجتماعي بشكل كاف، ولا تزال المؤسسات ضعيفة، على الرغم من التقدم المهم الذي حققته بعض البلدان مثل مصر والأردن والمغرب وفلسطين.
ويناقش تقرير عن التنمية في العالم 2019 حزمة شاملة من البرامج التي تتضمن برامج موسعة غير قائمة على الاشتراكات، تكملها برامج مرنة لمدخرات التقاعد تغطي جميع الناس بغض النظر عن شكل عملهم. توفر هذه الحزمة الحماية الأساسية للجميع عندما يواجهون المصاعب وتناسب أسواق العمل المتغيرة.
إن تحديث الحماية الاجتماعية له ثمنه، لكنه ثمن سيكون الناس مستعدين لدفعه على الأرجح إذا كان لديهم ثقة في المؤسسات والأنظمة التي يتم تمويلها.
ويقودنا هذا إلى المكون الثاني: ينبغي للحكومات تحسين التنسيق بين استراتيجيات تعبئة الإيرادات المحلية (تحقيق الوفورات العامة والخاصة من الموارد المحلية من أجل الاستثمار المنتج) وميزان المخاطر في الاقتصاد الرقمي.
ويمكن تحديث أنظمة الضرائب على الشركات لضمان حصول الحكومات على جزء من الأرباح الرقمية. ولم يعد الوجود المادي شرطا لممارسة الأعمال التجارية في الاقتصاد الرقمي. وغالبا ما تدر المنصات الرقمية دخلا من رأسمال الآخرين. إن تحديد أين تنشأ القيمة ليس أمرا واضحا في كل الأحوال، خاصة عندما يتعلق الأمر بجمع بيانات المستخدم وتحويلها إلى أموال. ويمكن للشركات الرقمية أن تضع الأصول (والأرباح في وقت لاحق) في بلد واحد فقط، على الرغم من أنها تقدم السلع والخدمات عبر الإنترنت على مستوى العالم. ونتيجة لذلك، فإن القليل من الضرائب المفروضة على الدخل المتحقق تذهب إلى البلد الذي يعيش فيه المستهلكون. ومع ذلك، ولأن المستهلكين هم من يجعلون هذه التعاملات ممكنة في الغالب، فإن المنطق الاقتصادي يشير إلى أن جزءا من الضريبة يجب أن يدفع في بلدهم.
قد ترغب الحكومات أيضا في إعادة التفكير في إنفاقها على دعم الطاقة. يزيد متوسط الإنفاق على دعم الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثلاث مرات عن المساعدات الاجتماعية (الشكل 1). ويجب أن تخضع أي جهود لإلغاء دعم الطاقة لتحليل تأثير ذلك على الرفاهة الاجتماعية. ومع ذلك، فإن استبدالها بحماية اجتماعية أكثر قوة وشمولا يمكن أن يعوض ذلك.
ويشكل الاقتصاد السياسي للإصلاح الضريبي تحديًا لجميع الحكومات. ولكن كجزء من حزمة سياسة أوسع نطاقا تعزز الأعمال الرقمية، وتمد مظلة الحماية الاجتماعية للجميع في المجتمع، وتوفر الحماية من المخاطر، فإن هذه الإصلاحات قد تمثل فرصة.
انضم إلى النقاش