نشر في أصوات

إنهاء الفقر المدقع في جيلنا

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English
Image

  كيرت كارنمارك/البنك الدولي

عالمٌ خالٍ من الفقر المدقع. إنه أمرٌ يبدو مستحيلا، ولا مجال للتفكير فيه. عالمٌ لا يولد فيه طفلٌ ليموت، لا يذهبُ فيه طفلٌ إلى مضجعه خاويا جائعا. عالمٌ يعيش فيه كل طفلٍ حياة ًخالية من العنف وسوء المعاملة والامتهان، ويتمتع فيه برعايةٍ صحية جيدة وتغذيةٍ كافية، ويتلقى العلم في المدرسة. كانت هذه منذ وقت طويل رؤية منظمة إنقاذ الطفولة، ولكنها الآن يمكن أن تصبح رؤية عالمية مشتركة، وربما تصير واقعا ملموسا بحلول عام 2030.

وفي 30 مايو/آيار 2013، قدَّمت لجنة خاصة من قادة العالم توصياتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن مستقبل التنمية المستدامة في العالم، ويرى هؤلاء القادة أيضا أن ذلك يمكن أن يصبح حقيقةً لا خيالا.
 

ومن الواضح أن هذا الفريق رفيع المستوى للأمم المتحدة (e) بقيادة رئيسي إندونيسيا وليبيريا ورئيس وزراء بريطانيا عقد العزم على اتخاذ مسار مشوب بالحيطة والحذر. سمعنا من الفريق من يقول أن العالم يختلف الآن اختلافا شديدا عما كان عليه في عام 2000 حينما اتفقت الحكومات على خفض أعداد الفقراء إلى النصف وتمكين كل طفل من الذهاب إلى المدرسة. وقال البعضُ إنّ معالجة عدم المساواة مسألة سياسية بحتة. وعبَّر الكثير عن خوفهم قائلين إنه ليس من الواقعي تصور أننا نستطيع منع وفيات الأطفال والأمّهات التي يمكن الوقاية منها.

وفي وقتٍ يتسم بضعف التعاون المتعدد الأطراف، تدفعُ هذه العبارات الكثيرَ منّا في المجتمع المدني إلى الشعور بالقلق خشية أن يتهاون هذا الفريق فيصدرُ تقريرا مداهنا غير طموح يعجز عن تحفيز الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص – وكلنا جميعا – على اتخاذ الخطوات اللازمة للقضاء على الفقر المدقع.

لكنهم حققوا المراد، إذ حقق التقرير (e) توازنا دقيقا بين الطموح والواقعية، ليعرض موقفا وجيها مؤداه أننا قد نكون الجيل الذي يقضي على الفقر المدقع والجوع ووفيات الأطفال التي يمكن الوقاية منها ويضع العالم على الطريق إلى تنمية أكثر استدامة وإنصافا.

يرجع الفضل في هذا النجاح إلى حد كبير إلى تشكيلة الفريق رفيع المستوى نفسه وإخلاصه. ومُستلهمين الدروس من خبراتهم التنموية والأزمة الاقتصادية الأوروبية، جاهد ممثلو البلدان الأفريقية والآسيوية جهادا حثيثا بحق لتأكيد أهمية تقاسم منافع النمو، والحد من مظاهر عدم المساواة، وإحداث تحولات جوهرية في اقتصادات البلدان للمساعدة على انتشال الناس من براثن الفقر. وأكد قادة أمريكا اللاتينية في الفريق رفيع المستوى، الذين يمثلون اقتصادات رئيسية صاعدة، على أهمية إطارٍ حقيقي شامل تتحمل فيه جميع البلدان مسؤولية خلق مستقبل أكثر استدامة ونظافةً من ذي قبل لنا جميعا.

وانصبّ تركيز الجميع بصورة جوهرية على التنمية البشرية - الرعاية الصحية والتعليم والتغذية والمياه، بوصفها أساس رفاهية الفرد والمجتمعات والاقتصادات كلها.

وتشعر منظمة إنقاذ الطفولة بسعادة غامرة لأن الفريق اقترح أهدافا عالمية محددة لإنهاء الفقر المدقع، ومنْع الوفيات التي يمكن الوقاية منها للأطفال والأمهات، والقضاء على العنف ضد النساء والأطفال، وضمان انتفاع الناس جميعا من حوكمة رشيدة تتسم بقدر أكبر من الانفتاح والشفافية والمساءلة.

وأوضح تقرير الفريق أيضا وجوب تتبع ما يتحقق من التقدم القائم على الإنصاف والمساواة بين مختلف فئات الدخل والشرائح الاجتماعية، حيثُ لا يمكن بلوغ هدف من الأهداف المرجوة قبل أن تشعر كل هذه الشرائح المختلفة بمنافع هذا التقدم.

وينبغي عدم التهوين من الآثار المنطوية على تحوُّلات جوهرية لمجرد تتبع التقدم الذي يحققه أشد الناس فقرا وتهميشا. فمظاهر عدم المساواة بسبب جنس المرء أو عمره أو إعاقته أو موقعه أو دخله هي أكبر تحدٍ يعترض طريق التنمية، ويزيد احتمال إصابة الأطفال في الأسر الفقيرة بسوء التغذية بواقع ثلاث مرات تقريبا عن أقرانهم في الأسر الغنية. وفي بعض الحالات، يكون عدم المساواة مسألة حياة أو موت. ففي نيجيريا، يزيد احتمال وفاة أطفال الأسر الفقيرة من أمراض يمكن الوقاية منها بواقع ضعفين عن أقرانهم في الأسر الغنية.

وهذا وضعٌ غير مقبول، ونُشيدُ بالفريق لمعالجته المباشرة لمظاهر التفاوت وعدم المساواة.

ليس التقرير على درجة القوة التي كنا نتمناها في بعض المجالات. فقد كنَّا نريد تأكيدا أوضح على شمولية تقديم الخدمات، ولاسيما التغطية الشاملة والميسورة التكلفة للرعاية الصحية، بما يضمن حصول كل الأطفال على خدمات أنظمة شاملة للحماية الاجتماعية، وهو هدف لإجراء الخفض الواضح للتفاوت في الدخل، وزيادة التأكيد على الحد من التعرض لمخاطر الكوارث والتأهب لمواجهتها كأمرٍ حيوي للتصدي للكوارث المتصلة بتغير المناخ التي تؤثربدرجات غير متناسبة على الفقراء.

ومهما يكن من أمر، فإننا نحث الحكومات على مراعاة هذه المقترحات الطموحة عند دراسة الأهداف الإنمائية العالمية في المستقبل، بدءا بالفعالية الخاصة في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول القادم.

وهناك الكثير الذي يمكن مناقشته بالتفصيل، ولكن الأمر المهم هو أن الفريق الرفيع المستوى قدَّم رؤية تتحدث عن نفسها أمام الحكومات في شتَّى أرجاء العالم. وقد حان الوقت لأن تُصغي الحكومات. فمع بقاء أقل من 1000 يوم على انقضاء الموعد المنتظر لتحقيق المجموعة التالية من الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2015، يجب على الحكومات تحديد الأهداف التي سنسترشد بها جميعا حتى عام 2030. فلديها تقرير هذا الفريق الرفيع المستوى، ولديها توصيات من المجتمع المدني، والأهم من ذلك كله أن لديها أصواتَ مواطنيها التي ترشديها إلى سواء السبيل.


بقلم

Kate Dooley

Senior Advocacy Adviser – Post-2015 & Multilateral Institutions, Save the Children

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000