إن اليوم العالمي للهوية في 16 سبتمبر/أيلول كان لهذا العام لحظة فارقة بالنسبة لبعضنا. فقد أمضيته أنا، دانيال، في مقديشو لمتابعة العمل المتميز الذي تقوم به الهيئة الوطنية لتحديد الهوية والتسجيل (NIRA) في جمهورية الصومال الفيدرالية. وكانت الهيئة تحتفل بإنجاز بالغ الأهمية يتمثل بإطلاق حملة التسجيل الجماعي للهوية الرقمية الأساسية التي طال انتظارها. وخلال زيارتي، استمعت إلى سكان في الصومال يروون بنفسهم كيف أن الحصول على بطاقة هوية يغيّر حياتهم، مما يؤكد أهمية دعم البنك الدولي لهذه المبادرة.
لنأخذ مثال قصة الآنسة جيجو، وهي عاملة منزلية في أوائل العشرينات من عمرها. فهي تعمل في مقديشو لدعم أسرتها في باكول منذ سن المراهقة. لم تكن تمتلك أي وثيقة من وثائق الهوية الشخصية حتى الآن. وعندما سُئلت عن سبب تسجيلها للحصول على الهوية الأساسية، قالت:
"لم أمتلك يوماً أي نوع من الهوية. فلفترة طويلة، لم أكن بحاجة إليها فعليًا، ومعظم الوثائق كجوازات السفر أو شهادات الميلاد كانت تُكلّف مبالغ لا أستطيع تحملها. كنت أرسل كل ما أحصل عليه من دخل إلى أسرتي، لكنني حصلت مؤخراً على زيادة في راتبي وقررت أن أبدأ بادخار القليل لنفسي. ولأنني احتجت إلى بطاقة هوية لفتح حساب مصرفي، كانت بطاقة الهوية الصومالية أول خيار متاح أمامي — فهي مجانية وتمنحني وسيلة لبناء بعض الأمان لمستقبلي".
إطلاق حملة التسجيل الجماعي في الصومال
في 18 أغسطس/آب 2025، دشنت الهيئة الوطنية لتحديد الهوية والتسجيل المرحلة التجريبية لحملة التسجيل الجماعي للهوية الأساسية في منطقتي شنغاني وبونطيري. وتستعد هذه الحملة للتوسع بهدف طموح يتمثل بتسجيل 3.5 ملايين من سكان مقديشو، وتوسيع التغطية لتشمل منطقة بنادر بالكامل، والوصول إلى 15 مليونًا على مستوى البلاد بحلول نهاية عام 2029.
يتضمن هذا المسعى الطموح تدريب ممثلي الحكومة الفيدرالية وتوزيعهم في جميع المناطق، وجمع البيانات البيومترية والذاتية للأفراد لإثبات هوية كل فرد على نحو فريد، مع ضمان الالتزام بمعايير حماية البيانات وخصوصيتها. وبمجرد تسجيلهم، سيحصل المواطنون على بطاقاتهم الأساسية في صور مادية أو رقمية و/أو شهادات مطبوعة، مما يؤمّن إثبات آمن للهوية وقابل للتحقق منها، ويضمن لهم الوصول إلى العديد من الخدمات العامة والخاصة.
هوية واحدة بثلاثة أشكال لتعزيز الشمول
تُقدَّم هوية الرقم القومي الأساسية بصورة بطاقة مادية، أو محفظة هوية رقمية (eAqoonsi)، أو بيانات يمكن التحقق من صحتها وقابلة للتنزيل والطباعة (شهادة ورقية مزودة برمز الاستجابة السريعة).
تحديد الهوية - حق إنساني وعامل أساسي لدعم تقديم الخدمات
تعمل الحكومة الفيدرالية، بدعم متواصل من البنك الدولي، عبر مشروع تطوير القدرات وسبل كسب العيش وريادة الأعمال من خلال الارتقاء الرقمي في الصومال(SCALED-UP) ومشروع النمو المنتج والقادر على الصمود والشامل للجميع في الصومال، على الاستثمار في نظام الهوية الأساسي في الصومال لأسباب جوهرية وأخرى عملية.
· الهوية القانونية في أساسها حق أساسي من حقوق الإنسان: تنص المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل فرد الحق في الاعتراف به كشخص أمام القانون.
· من منظور عملي، تمثل الهوية القانونية المفتاح الأساسي للحصول على الخدمات، كما أنها تسهم في تمكين الحكومات ومؤسسات الأعمال والشركات من تقديم هذه الخدمات بأقصى قدر من الكفاءة والفاعلية.
إنّ إنشاء نظام أساسي فريد لتحديد الهوية والتحقق منها يساعد مقدمي الخدمات على:
- تحديد المستفيدين المحتملين، مما يتيح تقديم الخدمات بدقة وفاعلية؛
- الحد من تكرار الإجراءات وتوفير العمالة، وتيسير الإجراءات عبر مختلف القطاعات والبرامج (ممّا يؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيف التعقيدات الإدارية والبيروقراطية أمام المستفيدين)؛
- التحقق من هوية المستفيدين عند نقطة تقديم الخدمة كوسيلة وبالتالي الحد من الهدر والاحتيال؛
- تقديم خدمات استباقية وشخصية للسكان؛
- والسماح بإجراء تصحيحات دقيقة لمسار العمل تستند إلى البيانات، وتطبيق إدارة فعّالة مبنية على النتائج.
سلطت مشاريع البنك الدولي الضوء، على وجه التحديد، على الاستخدامات الأولى للهوية الأساسية كبوابة للوصول إلى الخدمات الحيوية، مع التركيز على تحسين الوصول إلى الخدمات المالية وتعزيز نطاق الوصول إلى البرامج الحكومية المحورية، ولاسيما في مجال الحماية الاجتماعية.
يمثل إطلاق نظام الهوية الرقمية ومنصة هوبي (Hubiye)، وهي منصة للتحقق من الهوية تابعة للهيئة الوطنية لتحديد الهوية والتسجيل، خطوة بارزة على طريق الحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز الشمول المالي في الصومال.
رؤى حول الهوية الأساسية في الصومال
على الرغم من أهمية الهوية القانونية، فإن أقل من 16% من السكان الصوماليين يمتلكون حالياً أي شكل من أشكال الهوية الصادرة عن الحكومة (وفقاً لمسح ميزانية الأسر الصومالية لعام 2022). ومع ذلك، يشهد طلب التسجيل للحصول على هذه الهوية ارتفاعاً كبيراً، إذ كشفت دراسة استقصائية وحوارات جماعية أجراها البنك الدولي مطلع هذا العام أن الصوماليين يدركون أهمية حيازة بطاقة هوية:
يعتبر العديد من الصوماليين أن بطاقة الهوية ليست مجرد وثيقة بل أداة حيوية للتمكين من أسباب القوة، إذ تفتح آفاقاً أوسع نحو فرص أكبر، تشمل الوصول إلى الخدمات العامة والخاصة وحتى الحصول على فرص عمل رسمية. وبالنسبة للنساء بشكل خاص، فإن بطاقة الهوية الأساسية يمكن أن تكون مفتاحاً محتملاً للاستقلال المالي. تقول امرأة غير مسجلة من منطقة بيدوا:
"ستتيح لي بطاقة الهوية الصومالية فتح حساب مصرفي خاص بي. في الوقت الحالي، أضطر لاستخدام حساب أحد أفراد الأسرة لإجراء معاملاتي المالية، وهو وضع غير مثالي. لكن بمجرد حصولي على بطاقة الهوية الخاصة بي، سأتمكن من إدارة مواردي المالية على نحو مستقل."
علّقت إحدى المشاركات من مدينة طوس مريب قائلة:
"بصفتي صاحبة عمل، تتيح لي بطاقة الهوية الصومالية فتح حساب مصرفي، مما يسهل عملية توسيع نشاط أعمالي. كما أنها تساعدني في الحصول على منح أو قروض لتطوير هذا النشاط وتنميته."
بطاقة الهوية ليست أساسية فحسب بل رقمية أيضًا
الحكومة الفيدرالية لا تتوقف عند إصدار بطاقات هوية أساسية فقط، بل تقدم أيضاً بطاقات هوية رقمية، ما يفتح الباب أمام مزايا إضافية:
- تحديد الهوية عبر الإنترنت - تمثل الهوية الرقمية في الصومال أداة موثوقة وآمنة وبسيطة تتيح للصوماليين إثبات هوياتهم عبر الإنترنت، مع تقليل الحاجة لتعدد عمليات تسجيل الدخول وكلمات المرور.
- خدمات المصادقة عبر الإنترنت - تشكل الهوية الرقمية في الصومال نقلة نوعية تفتح آفاقاً جديدة لتقديم المزيد من الخدمات العامة والخاصة عبر الإنترنت، من خلال أسلوب آمن وفعال للتحقق من هوية المستخدم، مما يسهم في تبسيط الإجراءات مثل عملية "اعرف عميلك" التي تعتمدها جهات تقديم الخدمات المصرفية والاتصالات.
- زيادة الشمول – تُحدث الهوية الرقمية في الصومال تحولاً كبيراً في سهولة الوصول إلى الخدمات، سواء عبر الإنترنت أو بشكل شخصي ومادي، حيث تقلّل من الحاجة إلى استخدام كلمات مرور متعددة وعمليات تسجيل دخول معقدة، فضلاً عن تخفيف الأعباء غير المباشرة مثل تكاليف الانتقالات المتكررة للحصول على الخدمات.
- تمكين الابتكار – تتيح الهوية الرقمية في الصومال تحسين الكفاءة وتعزيز التشغيل البيني، مما يمكّن الحكومة والشركات من تقديم الخدمات بوتيرة أسرع وبطريقة أكثر فاعلية من حيث التكلفة عبر مختلف القطاعات.
- تعزيز الثقة – الهوية الرقمية في الصومال تسهم في بناء الثقة من خلال تضمين عناصر الخصوصية في تصميمها، وتمكين المستخدمين من التحكم في بياناتهم، وضمان مصادقة آمنة، فضلًا عن تعزيز قواعد الحوكمة عند تبادل البيانات.
بهذا، تتفتح الآفاق أمام نمو الاقتصاد الصومالي، من خلال الاستفادة من التكنولوجيات الرقمية، وتسهيل تطوير وتنمية الصناعات من خلال التكنولوجيا الرقمية المبتكرة، والتحفيز على خلق وظائف أكثر وأفضل.
انضم إلى النقاش