نشر في أصوات

كرة القدم: وسيلة فعالة لتعزيز الاحترام والمساواة والاحتواء!

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English

قبل أقل من عام على انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الصيفية ريو 2016 وبعد أكثر من شهر على المباراة النهائية في بطولة كأس العالم للسيدات فيفا 2015 التي أُقيمت في فانكوفر بمقاطعة كولومبيا البريطانية، أود مشاركة انطباعاتي عن بطولة كأس العالم للسيدات والتركيز عليها، مشدداً في الغالب على جوانب علم النفس الاجتماعي والوسط الاجتماعي في تناولي لهذه المباراة التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة.

صورة فوتوغرافية لاحتفال المنتخب الوطني الأمريكي للسيدات عبر Getty Images"كم هو مهم بالنسبة لنا أن نكرِّم الأبطال والبطلات ونحتفل بهم!"― مايا أنجيلو (e)

في الماضي، حظيت بشرف حضور العديد من الأحداث الرياضية الدولية حول العالم بصفاتٍ كثيرة، لكن لم يسبق لي أن حضرت حدثا رياضيا كمشاهد إلا في المباراة النهائية بين الولايات المتحدة واليابان التي أُقيمت على ملعب بي سي بليس يوم الأحد الموافق 5 يوليو/تموز. وتُعتبر الرياضة النسائية محببة كثيراً لي، حيث شرفت بإدارة مسيرة ابنتي في لعب التنس من الصغر حتى المرحلة الجامعية لما يقرب من عشر سنوات. ورغم ذلك، كنت متشوقا لأن أجد لنفسي دورا جديدا بالتواجد ضمن حشود الجماهير الذين بلغ عددهم 53341 مشجعا غالبتهم من الأمريكيين. وفي ذلك اليوم، غطى ضباب ذهبي اللون سماء مقاطعة كولومبيا البريطانية ومدينة فانكوفر ربما لأن هذا الفوز جاء بعد 16 عاما من آخر مرة أحرزت فيها الولايات المتحدة كأس العالم للسيدات. لكن خلال المباراة التي استمرت 90 دقيقة وبعدانتهائها بنتيجة قوية بإحراز خمسة أهداف مقابل هدفين، تمكن الفريق الأمريكي من إطفاء النيران المتأججة داخل الملعب، واستبدل الضباب ذهبي اللون بقصاصات ذهبية براقة وكأس ذهبية وميداليات ذهبية وُضعت حول أعناق اللاعبات في حفل تسليم الجوائز.

وفي هذا الصيف، شهدت أمريكا الشمالية إقامة العديد من الأحداث الرياضية العالمية الممتعة. فأولاً، أُقيمت بطولة كأس العالم لكرة القدم للسيدات في كندا، تلتها دورة ألعاب البلدان الأمريكية ودورة ألعاب Parapan الأمريكية في تورونتو. وفي هذه الأثناء، تم إطلاق دورة الألعاب العالمية الصيفية للأولمبياد الخاص في لوس أنجلوس، كما ستقوم مدينة ريتشموند في أواخر شهر سبتمبر/أيلول باستضافة بطولة سباق الدراجات على الطرق التي ينظمها الاتحاد الدولي لسباق الدراجات. وقد يتساءل المرء ما هو القاسم المشترك بين هذه الأحداث الرياضية. والإجابة على ذلك بسيطة نسبياً. ففي جميع هذه الأحداث، تلعب اللاعبات الدور الرئيسي أو دورا مشتركا كمنافسات. وإني أتحفظ كثيراً على استخدام مصطلح "المشاركة المتكافئة" كما نسمع مع بعض النقاد عند التعبير عن آرائهم. فخلال بطولة كأس العالم للسيدات وبعدها، أُثيرت بعض الشكاوى بشأن النجيل الصناعي. فيما اشتكى آخرون من أن الفرق المنافسة كانت تقيم في نفس الفندق، كما تم إبداء تعليقات مسيئة بشأن مظهر اللاعبات. وكانت هناك أيضا تعليقات بشأن المكافآت المالية الزهيدة للاعبات مقارنةً بالمكافآت في بطولة كأس العالم للرجال. لكن في يوم إقامة المباراة النهائية على ملعب بي سي بليس الذي امتلأ عن آخره بالمشجعين، لم يكن أحد يفكر في هذه الأشياء.

وأحد كبار المناصرين للمسابقات الرياضية للفتيات هو توماس باخ الرئيس الحالي للجنة الأولمبية الدولية. وقد عارض مؤسس الحركة الأولمبية الحديثة، البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان، في البداية المنافسات الرياضية للفتيات، حيث قال في عام 1896: "بغض النظر عن مدى قوة وصلابة اللاعبة الرياضية، فإن تكوينها العضوي ليس مؤهلا لتحمل بعض الصدمات"، لكنه غيّر رأيه بعد ذلك. ومنذ ذلك الحين، تحقق تقدُّم كبير على صعيد المساواة بين الجنسين في الرياضة، ومن ذلك اعتراف منظمة اليونسكو بالنشاط الرياضي والبدني كأحد حقوق الإنسان في عام 1978. وتعطي الفيفا دفعة هائلة لجهود الترويج لهذه الرياضة بين الإناث قبل انطلاق بطولة كأس العالم للسيدات فيفا 2019 في فرنسا، وذلك من خلال برنامجها "عيشي أهدافك" (e) باستهداف زيادة عدد الفتيات والنساء اللاتي يمارسن لعبة كرة القدم على مستوى العالم من 30 إلى 45 مليونا. وفي الأحداث التي ينظمها الاتحاد الدولي لسباق الدراجات (بطولات العالم/كأس العالم)، تكون الجوائز المالية الفردية في مسابقاته متساوية بين الرجال والسيدات. ويجرِّب الاتحاد تنظيم مسابقات مختلطة لسباق الدراجات، فيما ينفق أيضا أموالا كثيرة لبث سباقات الدراجات النسائية تلفزيونياً بهدف الترويج لها عالميا. وتندرج منظمة نيويورك رود رانرز، التي تنظِّم ماراثون مدينة نيويورك، ضمن هذه الحزمة من الجهات التي تقدّم جوائز متساوية للجنسين، كما يتم دعمها بشكل غير مشروط من جانب جميع المشاركين البالغ عددهم خمسين ألفا. ومن الواضح أن رياضة التنس، مع تقديم بطولة الولايات المتحدة المفتوحة جوائز مالية متساوية للرجال والسيدات، قد برزت ضمن الرياضات الرائدة في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر.

وفي صباح يوم الأحد الموافق 5 يوليو/تموز، وجدت نفسي في واحدة من أجمل مدن العالم، وهي مدينة فانكوفر بمقاطعة كولومبيا البريطانية التي لا تزال تتمتع بما خلفته استضافتها لدورة الألعاب الأولمبية في كل جانب ممكن. واكتظت المدينة بأكملها بحشود من عشاق كرة القدم، معظمهم من الإناث برفقة أصدقائهن وعائلاتهن. وأثناء تناولي للإفطار في الفندق، لاحظت وجود اختلاف جوهري بين المشجعين. فالمجموعة الأولى منهم جاءت إلى فانكوفر للاستمتاع في الفنادق الفاخرة مع تناول وجبة إفطار رائعة والقيام بالدردشة عبر أجهزتهم الإلكترونية. واتضح من لغتهم الجسدية أنهم لا يهتمون بالتكلفة. وقامت المجموعة الثانية بالجري قبل تناول الإفطار إما مع الوالدين (الآباء غالبا) أو الشركاء أو بمفردهم. فربما لم يريدوا أن يضيعوا يوما بدون ممارسة الجري أو كانت هذه طريقتهم في الاحتفال بهذا اليوم المميز. وأما المجموعة الثالثة التي كانت تشكّل للأسف عددا كبيرا من المشجعين، فكانت من اللاعبين الحاليين الذين تعرضوا للإصابة ويتحركون على عكازين مع وضع دعامة أو جبيرة على الركبة أو الكاحل. وضمت المجموعة الأخيرة أفرادا وعائلات ومجموعات من لاعبين سابقين لكرة القدم الذين جاءوا لتجديد عشقهم لهذه الرياضة. وفي معظم الحالات، كانوا جميعا يرتدون قمصانا أو فانلات حمراء وبيضاء وزرقاء اللون. لقد كان مشهدا رائعا وبديعا للغاية في الشوارع والملعب.

صورة فوتوغرافية للمهرجان الدولي لكرة القدم بواسطة المؤلفدعوت لمرافقتي رجلين من عشاق كرة القدم والرياضة كانا متحمسين للغاية لأن يكونا جزءا من هذا الحدث. وفي طريقنا من مركز التجارة العالمي في فانكوفر إلى مكان إقامة المباراة، كنا نحاول التركيز وتهيئة أنفسنا قدر المستطاع لمشاهدة المباراة. وعلى بُعد شارعين من ملعب بي سي بليس، لاحظنا حدثا مثيرا للاهتمام في منتزه أندي ليفينجستون المتخم بالعديد من ملاعب كرة القدم الصغيرة. وكما علمنا بعد ذلك من المنظمين، كانت هذه هي الجولة الأخيرة من مهرجان فانكوفر الدولي لكرة القدم (e) حيث كانت تتنافس فرق مختلطة من الرجال والسيدات. وقضينا ساعتين في مشاهدة هذه المباريات والتحدث مع اللاعبين والمنظمين الذين كانوا فخورين وسعداء للغاية بالتحدث معنا عما قاموا به. ويجب الاعتراف بأن رؤية سيدات ورجال يلعبون في فريق واحد لكرة القدم كان مشهدا مؤثرا ومبهجا للغاية. وبعد انتهاء المباريات، قضى اللاعبون وقتا ممتعا معاً وتحدثوا في انسجام عن المباريات المقبلة في المسابقة. ومع مشاركة 11 لاعبا، تمتلك رياضة كرة القدم بلا شك إمكانات هائلة لتنظيم مسابقات تشمل الجنسين بشكل تام.

وبعد مغادرة هذه المسابقة المختلطة وقبل شارعين من ملعب بي سي بليس، لاحظت أن الملعب قريب من ساحة روجرز أرينا، موطن فريق فانكوفر كانوكس في دوري الهوكي الوطني، وهو ما يفسَّر النتيجة النهائية بخمسة أهداف مقابل هدفين: فكلا الفريقين شرعا في إحراز الأهداف كما يحدث في لعبة الهوكي. ولابد وأن الموقع قد حفز اللاعبات وفتح شهيتهن على تسجيل الأهداف!

وقبل نحو ساعة من الركلة الأولى، أدركت إلى حد ما أن خسارة هذه المباراة لم تكن خيارا واردا للفريق الأمريكي. ومع وجود عدد هائل من المشجعين مرتدين قمصانا حمراء وبيضاء وزرقاء اللون، معظمهم من الشابات وآبائهن، فإن النتيجة المتوقعة كانت واضحة للغاية. وكان بمقدورك رؤية أعلام اليابان في أماكن متفرقة، لكنها كانت تشبه الجزر الصغيرة وسط المحيط الهادئ. وفاق ضجيج دقات الطبول والهتافات ما يمكن تخيله. ولأن هذه تجربتي الأولى وسط المشجعين، فقد تعلمت منها دروسا صعبة كذلك. فبعد الاحتفالات الصاخبة بكل هدف أحرزه الفريق الأمريكي، فقدت صوتي لبضعة أيام حيث نسيت أنه عندما تهتف لفريقك مع أكثر من خمسين ألف مشجع آخرين، فإنه سيكون من الصعب جداً تقييم مستوى هتافك!

كما ذكرت سابقاً، كان برفقتي رجلان، وقد جلسنا في قسم مع بعض المسؤولين اليابانيين والرعاة، وكذلك رجال بهم شبه كبير من "مستر تي". وقبل المباراة، طلبت من المسؤولين اليابانيين التقاط صورة معي، ثم تبادلنا الأمنيات بالتوفيق وبدأنا نشاهد المباراة. ويجب عليَّ الاعتراف بأن اليابانيين الذي جلسوا بجواري أثناء مشاهدة المباراة تفاعلوا مع كل هدف ضائع بنبل تام وتصرفوا بسلاسة دون انفعال ظاهر. وكان جميلا أن أشاركهم هذه التجربة، كما كانت لفتة طيبة قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية لعام 2020 في طوكيو. واندمجنا جميعاً في متابعة هذا الحدث المذهل الحافل بالإثارة والحماس. وخلال الاستراحة التي استمرت 15 دقيقة، تمكنا من التعرُّف على جولة الكأس لبطولة كأس العالم من أحد الرعاة الذين لم نكن نعرفهم من قبل.

لماذا كانت لهذا الحدث مكانة خاصة لي؟ كانت بطولة كأس العالم للسيدات هذه مرحلة رائعة تميزت بخلوها من المخالفات الوحشية وبكرة القدم المليئة بالتشويق والإثارة: أفضل ما يمكن أن تتمناه من هذه اللعبة الجميلة كمشجع متحمس. وكانت هذه البطولة أيضا فرصة لي لرصد ما وصلنا إليه على صعيد تطوير الرياضة عالمياً فيما يتعلق بتكافؤ الفرص والسياسات الدولية للمساواة بين الجنسين. وأثناء إعادة التفكير بعد المباراة مساء ذلك اليوم، أدركت أني لم أكن أشاهد 22 من الإناث يركلن كرة قدم، بل كنت أشاهد 22 لاعبة رياضية أردن الفوز بالمباراة والكأس الذي حلمن به من أجل فريقيهن وبلديهن. كما لم أفكر ولو للحظة واحدة في مسألة المساواة بين الجنسين. فقد اندمجت بشدة في مشاهدة المباراة. يا له من حدث رياضي رائع! ربما لأن هؤلاء الرياضيات أشرن بشكل غير ملموس إلى اتجاه تطوير الأحداث الرياضية العالمية مستقبلا.

في عام 2004 خلال دورة الألعاب الأولمبية للمعاقين في أثينا، أتيحت لي الفرصة لمقابلة رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية للمعاقين، السير فيليب كرافن، الذي قال لي بعد ذلك إن الألعاب الأولمبية للمعاقين هي فرصة عظيمة لإظهار الطابع الفردي للرياضيين ذوي الإعاقة. ومنذ ذلك الحين، شاهدنا ارتدادا مطردا عن تحقيق احتواء كامل للحركات الأولمبية والأولمبية للمعاقين. فالرياضيات من مختلف بلدان العالم أحرزن عن جدارة واستحقاق مراكز مرموقة في الرياضات العالمية من خلال حماستهن وتفانيهن، لكن هذه اللعبة الجميلة قد تكون وسيلة لنوع مختلف وجديد من الاحتواء الاجتماعي، إن لم يكن عالميا، والمساواة للبطلات الرياضيات. وقد يكون الرقم 11 رقما جديدا جالبا معه الحظ لكلا الجنسين ليقوما بإسعاد وإبهار العالم بدرجة تفوق بكثير ما تم تقديمه بالفعل في كندا!

تابعوا PublicSphereWB على تويتر!


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000