التكنولوجيات المستجدة تغير مشهد اللوجستيات العالمية. والأدلة تتجلى في كل مكان: شركات اللوجستيات تستكشف أساطيل مستقلة وتوقف عمليات التخزين، وتبحث عن البيانات الكبيرة من أجل إدارة النقل والتحليلات التنبؤية. فشركات التعهيد الناشئة تستخدم نموذج أعمال عالي التكنولوجيا قليل الأصول. وتقدم منصات الوساطة الإلكترونية معلومات آنية من لحظة التسلّم إلى التسليم.
فكيف ستتعدل هذه التكنولوجيات الناشئة ونماذج الأعمال المتطورة وتُستخدم في البلدان النامية؟
تفكّر في الاتجاهات الثلاثة التي تتطور سريعا سواء في مجال اللوجستيات أو غيرها من المجالات، نهج القنوات الشاملة (الموحدّة)، واقتصاد المشاركة (الاقتصاد التشاركي)، والبيانات الكبيرة. وهذه الاتجاهات تتيح الفرصة لاقتصاد الأسواق الناشئة للقفز إلى الأمام سريعا على مسار التنمية. ومن المفيد تحليل سبب أهمية هذه الاتجاهات للبلدان النامية وكيف يجري تعديلها.
إن فرقنا في مركز مجموعة البنك الدولي للبنية التحتية والتنمية الحضرية بسنغافورة، والذي يعمل عبر كافة قطاعات الممارسات العالمية بالمجموعة، تجري هذه التحليلات، لمساعدتنا في تحديد كيفية تأثير اتجاهات التنمية على المنطقة. وفي هذه الحالة، بحث ’مختبر التعلّم’ في كيفية إحداث التكنولوجيات الناشئة ونماذج الأعمال المتطورة أثرا تحوّليا في النظم اللوجستية، لا في اقتصاد البلدان المتقدمة مثل سنغافورة فحسب، بل أيضا في البلدان النامية في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ وغيرها من المناطق.
نهج القنوات الشاملة (الموحدّة)
مع تنامي استخدام الإنترنت والهواتف الذكية، بدأ المتسوقون في البلدان المتقدمة يستخدمون على نحوٍ متزايد القنوات المادية وقنوات الإنترنت في استعراض السلع المختلفة، وطلب شرائها، واستلامها، وإعادتها.
ويتيح نهج القنوات الشاملة للمتسوق الحديث رحلة تسوق سلسة: في أي وقت، وفي أي مكان، بالتحويل من جهاز لآخر بسلاسة. ويساعد هذا النهج على تحريك المخزون بوتيرة أسرع، وينقذ المبيعات، ويتيح إظهار المخزون عبر مختلف القنوات، ويشجع المستهلك على زيادة إنفاقه بما يتراوح بين 15% و30% مقارنة بالمتسوق التقليدي. ومع تنامي المبررات التجارية لتجار التجزئة للتحوّل إلى نهج القنوات الشاملة، تسعى شركات اللوجستيات جاهدة إلى تقديم الخدمات في أي مكان وأي وقت.
ولكن لوجستيات القنوات الشاملة ستحتاج إدارة فعالة لتجنب زيادة الازدحام المروري في العديد من مدن البلدان النامية. وفي حين أن القنوات الشاملة قد تعني السماح باستخدام الواقع الافتراضي داخل المتجر أو الانتقال السلس من مركز التسوق إلى المطار، فقد تعني أيضا (في بعض البلدان النامية) خدمات الخزانة كالتي تقدمها شركتا بوب بوكس وبوس في إندونيسيا.
فتلك الخزانات التي تبدو كآلات البيع، تعمل بمثابة موقع ذاتي الخدمة لتسلّم الشحنات وإعادتها. وتتيح هذه الخدمة مرونة أكبر للتسليم عما تقدمه شركات الخدمات اللوجستية التقليدية. كما تحد من الاكتظاظ بخفض عدد عمليات التسليم وتحديد أوقات التسليم خلال فترات خارج ساعات الذروة.
إن خدمات الخزانة يمكن أن تكون ذات أثر تحوّلي، لا سيما في البلدان التي تكون فيها المرحلة الأخيرة - وهي التسليم عند الباب - هي الأكثر صعوبة. وتقدم إندونيسيا مثالا جيدا لهذا النمط.
الاقتصاد التشاركي
يحدث اقتصاد المشاركة أثرا تحوّليا بالفعل في عديد من القطاعات، بما في ذلك اللوجستيات. ففي السنوات الأخيرة، شهدنا إزالة الأصول بشركات اللوجستيات وظهور المنصات اللوجستية التي تتيح تقاسم الخدمات وتوحيدها.
واليوم، قد تعمل شركة لوجستيات دون امتلاك شاحنة واحدة أو مخزن واحد. فعلى سبيل المثال، تربط شركات مثل فليكس بين مؤسسات تجارية تحتاج إلى قدرات تخزينية مرنة وبين مالكي المخازن ممن تتوفر لديهم تلك المساحات. فشركة فليكسبورت هي شركة شحن تجمع عديدا من الناقلين عبر منصة واحدة تتيح للشاحنين إجراء تعديلات على المتغيرات ذات الصلة حتى يصلوا إلى التكييف الملائم لعملية الشحن. وتقدم شركة شيبواير سوقا لوجستية لخدمات القيمة المضافة تتيح للشركات إرسال المخزون إلى أي مستودع وتخزينه لحين طلبه، وذلك بتوفير نظم متكاملة لإدخال الطلبيات تنظم استلام البضائع وتسليمها.
وعن طريق استخدام منصات مشتركة، يمكن للاقتصاد التشاركي أن يصل إلى التوافق بين العرض والطلب بجزء طفيف من التكلفة التي يواجهها الوسطاء التقليديون. ويزيد هذا من كفاءة عمليات الشحن ويخفض من تكاليفها. وهناك زيادة حادة في الطلب على الخدمات والمنصات اللوجستية التي تربط بين الموردين والمستهلكين، مستفيدة من زيادة القدرة على خفض التكاليف.
وهذا المفهوم يمكن أن يكون مفيدا بشكل خاص في البلدان ذات النظم اللوجستية المجزأة، مثل فييتنام، حيث تهدف الأطراف الفاعلة المحلية كشركة أهاموف إلى معالجة التجزؤ الشديد وعدم كفاءة النظم اللوجستية في ذلك البلد.
ويمكن أن تحدث منابر اللوجستيات المشتركة أيضا أثرا تحوّليا، حيث حققت وفورات الحجم والكفاءة في بلدان مثل إندونيسيا والفلبين التي لديها مناطق ريفية شاسعة والعديد من المجتمعات المحلية النائية.
البيانات الكبيرة
تستفيد الشركات في كل قطاع بالبيانات الكبيرة للتوصل إلى رؤى تستند إلى بيانات دقيقة في عملية صنع القرار. وتتيح البيانات الكبيرة تحديد الاختناقات والفرص للإجراءات التدخلية. وفي عالم اللوجستيات، تقدم البيانات الكبيرة حلولا لمشاكل واسعة التنوع كتعظيم المسار القصير الأجل والآني إلى التخطيط الشبكي الاستراتيجي، والذي هو التنبؤ بالطلب طويل الأجل على النقل.
وفي الوقت الراهن، تُستخدم البيانات التي تتيحها أجهزة التتبع لتحديد المواقع لفهم الاختناقات. فالحاويات الذكية تتيح للشركات تقديم خدمات القيمة المضافة مثل التأمين على البضائع؛ ورصد وضع البضائع العابرة (استخدام القدرات الخاصة بتحديد المسار وتعقب البضائع)؛ واستخدام التحليلات التنبؤية للاستجابة على نحوٍ أكثر ذكاء وسرعة من أجل الوفاء بتوقيت التسليم القصير للغاية.
ففي جنوب شرق آسيا، تتيح بيانات شركة جراب تاكسي لسيارات الأجرة الاطلاع على خرائط الحرارة لمساعدة صانعي السياسات على إيجاد حلول لمسائل الازدحام. وفي كمبوديا وميانمار، تستخدم شركةDrvr ومقرها تايلند البيانات الكبيرة لحل مسألة سرقة الوقود. فسائقو الشاحنات في هذين البلدين غالبا ما يتوقفوا في منتصف الرحلة لنزح الوقود من مركباتهم للاستعمال الشخصي، مما دفع شركات اللوجستيات إلى خفض رواتب سائقيها. وتستخدم شركة Drvr البيانات الكبيرة لتتبع تلك الشاحنات وكشف هذه الفروق، مما يساعد على منع عمليات السرقة ومكافأة السائقين الذين يتسمون بالنزاهة.
ومن شأن زيادة استخدام الهواتف المحمولة – خاصة في أسواق مثل ميانمار التي تشهد قفزة في سبل الاتصال بالإنترنت – تحفيز المزيد من هذه الشركات على الاستفادة من البيانات اللوجستية.
واستشرافا للمستقبل، يحيط قدر كبير من الغموض بسيناريوهات تحقيق أثر أكبر من خلال استخدام التكنولوجيات اللوجستية. إن كثيرا من الاتجاهات لم ينضج بعد، لكن هذه الاتجاهات قد تحدث أثرا تحوّليا في البلدان النامية. ويمكن أن يساعد تعديلها الأسواق الناشئة على تحقيق تقدم سريع نحو تعزيز اقتصادها والمضي نحو مستوى من التنمية الاقتصادية أعلى كثيرا.
انضم إلى النقاش