برنامج ستين دقيقة، وصحيفة نيويورك تايمز، وقنوات إم إس إن بي سي، وبي بي سي، وسي إن إن ليست سوى بعض وسائل الإعلام التي غطت قصة مدرسة أبارصو للعلوم والتكنولوجيا (Abaarso) في أرض الصومال (صوماليلاند). وهي أيضا موضوع كتاب صدر مؤخرا بعنوان "مدرسة تصنع التاريخ -It Takes A School" وفيلم وثائقي قيد الإعداد بعنوان "أرض الصومال، قصة مدرسة أبارصو". وهذا الاهتمام كله راجع إلى قصة النجاح الاستثنائية لهذه المدرسة بالرغم من اعتقاد الكثيرين باستحالة تحقيق مثل هذه النتائج في أماكن أخرى، ناهيك عن أنها تحققت في إقليم صوماليلاند الانفصالي غير المعترف به. وفي ضوء المنجزات التي حققتها المدرسة والتكلفة المتواضعة لذلك، فإن هذا النهج يستحق التعمق فيه لاستخلاص دروس يمكن تطبيقها في أماكن أخرى.
تأسست مدرسة أبارصو في عام 2009 بوصفها مدرسة خاصة غير ربحية على الطراز الأمريكي في إقليم أرض الصومال. وفي عام 2013، عندما تخرجت الدفعة الأولى من طلابها، حصلوا على أول منح دراسية تشهدها أرض الصومال أو دولة الصومال في عقود للالتحاق بجامعات أمريكية.
واليوم، يواصل أكثر من 80 طالبا من خريجيها تعليمهم في الخارج، غالبيتهم في الولايات الأمريكية، بما في ذلك في جامعات مرموقة مثل هارفارد وييل وبراون ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وقد حصل طلاب أبارصو على ما مجموعه 17 مليون دولار في شكل منح دراسية ومساعدات مالية مقابل مبلغ لا يتجاوز 3 ملايين دولار من التبرعات التي استخدمت في بناء المدرسة وإدارتها لثمانية أعوام؛ وهو خير برهان على أن نجاح أي مشروع ليس بكثرة المال.
كان شعب إقليم أرض الصومال متشككا في بداية الأمر من وجود مدرسة أمريكية على أراضيه، لكن تغير ذلك كله مع النجاح الذي حققته مدرسة أبارصو وتحول إلى دعم قوي. فعدد المتقدمين للالتحاق بالمدرسة يزيد حاليا ثلاثين مرة على قدرتها الاستيعابية على الرغم من أنها تتقاضى رسوما دراسية أساسية تكفي لتغطية تكلفة الدراسة؛ ويمثل ذلك دليلا واضحا على التقدير الذي يوليه شعب أرض الصومال للتعليم الذي تقدمه، ويرغب في التوسع في هذه التجربة لتشمل قطاعا أعرض بكثير من السكان. وهذا النجاح لا يتيح فرصة للتوسع داخل السوق الصومالية فحسب، لكنه أيضا يحقق للمدرسة الاستدامة المالية بحيث يمكنها دوما أن تختار تمويل نفسها ذاتيا من خلال الرسوم الدراسية.
والآن، تخرجت أول مجموعة من طلابها من جامعات أجنبية، ويسعون جميعا إلى العودة إلى ديارهم للمشاركة في تنميتها. وسيقوم العديد منهم بالتدريس في المدرسة في العام المقبل، ويمثل ذلك بداية عملية ستشهد في نهاية المطاف تولي خريجي المدرسة السابقين إدارتها. وتدحض عودة هؤلاء الخريجين إلى ديارهم المعتقدات المعتادة السائدة حول "استنزاف العقول"، لكنه ليس مستغربا لمن قضوا سنوات في العمل في المدرسة؛ فتطوير أرض الصومال مكون أساسي في شخصية طلاب أبارصو، وتعززت هذه الروح كثيرا خلال الوقت الذي قضوه في المدرسة وبعد تخرجهم منها.
عند تحليل أسباب نجاح أبارصو، من المهم إدراك أن المدرسة تحطم تقريبا كل التصورات المسبقة عن التحصيل التعليمي، حيث يأتي الطلاب من طبقات فقيرة وأسر كبيرة وغير متعلمة في الغالب، كما أن هيئة التدريس تضم عددا قليلا من المعلمين ويرتفع بينهم معدل الدوران، أضف إلى كل ما سبق أن مؤسس المدرسة ومديرها أجنبي ولا يتمتع بمؤهلات تربوية. لقد عبر أندرسون كوبر، مقدم حلقة برنامج 60 دقيقة عن أرض الصومال، بقوله: "يبدو أن هذه العوامل وصفة لفشل محتم". لكن كيف نجحت هذه التجربة رغم هذه الظروف؟
إن الإجابة على هذا السؤال في واقع الأمر بسيطة للغاية وقابلة للتكرار: لقد أقنعت مدرسة أبارصو طلابها بأنه من المهم أن يواصلوا عملهم الدؤوب يوميا لتطوير أنفسهم والارتقاء بمستواهم. وساعدتهم المدرسة على إيجاد غاية في حياتهم - بالعمل لقيادة بلدهم ودفعها إلى الأمام في نهاية المطاف، وبدورهم بذل الطلاب قصارى جهدهم ليصبحوا من بين الأفضل.
إن "السر" في هذا النجاح بالفعل بسيط جدا، لكن التنفيذ يشكل تحديا دائما في حد ذاته. في أبراصو، تعاملنا مع ظروف الطلاب المعيشية باعتبارها ميزة وليست عبئا، وأوضحنا لهم أن أمامهم طريقين متناقضين بشدة. فمن ناحية، يمكنهم مواصلة حياتهم السابقة كما كانوا قبل الالتحاق بالمدرسة، وسينتهي بهم المطاف في صفوف غير المتعلمين والعاطلين عن العمل، وربما يلجأون إلى بعض الحلول الخطرة كالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
أو أن يبذلوا قصارى جهدهم للنجاح في دراستهم وحياتهم، وأقنعناهم أنهم إذا قاموا بما يتوجب عليهم، فإننا سنفعل الشيء نفسه، وسنوفر لهم تعليما جيدا، ونهيئ لهم الفرص لمواصلة تعليمهم، وسنحبهم كما لو كانوا من أفراد عائلتنا وسندعمهم في سعيهم كي يصبحوا أبطالا يقودون شعبهم إلى الأمام. ولم نفتأ نذكّرهم بذلك يوميا وكانت هناك علامات واضحة على نجاحنا، إلى أن باتت هذه الفكرة راسخة في أذهانهم في النهاية. ولم يكن هناك تلاعب أو تحايل على تلك الثقافة المدرسية.
من الطبيعي أن يبحث الخبراء الاقتصاديون المعنيون بالتنمية عن حلول واقعية ملموسة يسهل تنفيذها. ويرى الناس نجاح مدرسة أبراصو وتستولي عليهم الرغبة في أن تتوافر أسباب هذا النجاح في منشآتهم ومناهجهم التعليمية وتقنياتهم وما إلى ذلك. إنهم يريدون حلا يمكن شراؤه، مثل أجهزة الآي باد iPad أو نص محدد. وبطبيعة الحال إذا كان هناك حل سحري في مجال التعليم، لما أخفق الكثير من أنظمة التعليم، حتى في البلدان المتقدمة.
إن البعض قد يستنسخ الجوانب المادية لتجربة أبراصو بحذافيرها، لكنه يظل ينتهي إلى نتائج مختلفة تماما وأقل مرتبة. فبدون توفر القيادة والثقافة المدرسية المناسبتين، ينتهي المطاف على الأرجح بالآلاف من أجهزة الكمبيوتر المحمول التي تم التبرع بها إلى السوق السوداء، بدلا من استخدامها لمساعدة الطلاب في مسيرتهم التعليمية. وبدون القيادة والثقافة المدرسية المناسبتين، فإن هذه الموارد لا تمثل حقا أصولا.
إن مدرسة أبارصو مثال بارز لمؤسسة يمكنها تحويل مواردها المحدودة إلى أصول أكبر كثيرا لمجتمعها.
انضم إلى النقاش