لقد هز الانفجار الذي عصف ببيروت في الرابع من أغسطس/آب العالم، وتسبَّب في مئات الوفيات وآلاف الجرحى، وسوَّى بالأرض بعض أجزاء وسط العاصمة اللبنانية، وخلًّف أضرارا واسعة في أنحاء المدينة. وكانت الخسائر البشرية والمادية هائلة، وبالنظر إلى موقعه أصاب الانفجار بالشلل مرفأ المدينة وكثيرا من منشآت الأعمال فيها. وأدَّى إلى توقف معظم مناحي الحياة الاقتصادية —لا في بيروت وحدها، وإنما في البلاد بأسرها.
تستلزم المأساة التي فُجِع بها لبنان استجابة عالمية عاجلة، ولاحت بالفعل بارقة أمل تبعث على التفاؤل. ولتوجيه هذه الجهود، أجرت مجموعة البنك الدولي تقييما سريعا للأضرار والاحتياجات بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وفي شراكة وثيقة مع الوزارات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في لبنان.
وخلص تقييمنا إلى أن الأضرار الناجمة عن الانفجار تتراوح بين 3.8 مليارات دولار و4.6 مليارات، وأن خسائر التدفقات المالية تتراوح بين 2.9 مليار دولار و 3.5 مليارات. وتعد تأثيرات الانفجار وتداعياته بالغة الشدة في قطاعات رئيسية ذات أهمية حيوية للنمو، منها التمويل، والإسكان، والسياحة، والتجارة. وحتى نهاية عام 2021، من المتوقع أن تتراوح تكاليف التعافي وإعادة الإعمار إجمالا من 1.8 مليار دولار إلى 2.2 مليار. وفضلا عن خسائر النشاط الاقتصادي، يتوقع لبنان تراجع إيرادات ماليته العامة وارتفاع معدلات التضخم وزيادة أخرى لمعدلات الفقر. ومن المحتمل أيضا حدوث اضطرابات لحركة التجارة من شأنها زيادة تكاليف المعاملات وخلق مزيد من العقبات في طريق النمو.
ولكن التقييم الذي وضعنا بعنوان "التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت" يعرض من خلال نهجه الشامل سبيلا ملموسا للمضي قدما لدعم تعاف سريع وفعَّال. ونحن ملتزمون بالعمل من أجل الجمع بين شعب لبنان والبلدان المانحة وشركائنا الدوليين لضمان أن تكون جهود إعادة الإعمار شفافة ومستدامة وشاملة ولا تقصي أحدا.
وسيكون بمقدور البنك الدولي، الذي أشرف بالعمل به والذي تمثلت أولى مهامه في إعادة الإعمار أثناء تعافي أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، الاستفادة من خبراتنا العالمية في مساعدة البلدان بعد الكوارث. ولا يعني ذلك مجرد الاستفادة من طائفة واسعة من الخبرات التحليلية والعملية، وإنما أيضا تأسيس عملية تضع احتياجات الشعب اللبناني في المقام الأول.
"تقف مجموعة البنك الدولي على أهبة الاستعداد لمساعدة لبنان في الإصلاحات التي تُشجِّع على تعاف اقتصادي واجتماعي مستدام، لاسيما من أجل توسيع نطاق الشمول وتغيير مسار معدل الفقر المرتفع في البلاد."
إن هذه الكارثة، في الواقع، ليست سوى الحلقة الأبرز والأشد في سلسلة من المَصَائِب التي ابتلي بها لبنان على مدار العقد المنصرم وتسارعت خطاها في الأشهر الأخيرة. ويشمل ذلك التأثيرات غير المباشرة للصراع في سوريا، حيث يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين في العالم قياسا إلى عدد سكانه. وقد تفاقمت بشدة أزمة مالية واقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد حاليا: فقبيل الانفجار كان متوقعا أن يُسجِّل الاقتصاد انكماشا نسبته أكثر من 18% في عام 2020، لكن معدلات التضخم قفزت بالفعل فوق نسبة 100% بحلول منتصف العام. وفيما يتعلق بشعب لبنان، كانت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وما صاحبها من إغلاقات قد أسهمت في زيادات حادة لمعدلات الفقر والبطالة وغياب الأمن.
ولم يفعل الانفجار سوى أنه زاد الطين بلة وفاقم الأوضاع المتردية بالفعل في البلاد. بيد أن التحديات التي يواجهها لبنان ليست مسألة اقتصادية فحسب: فمؤسساته الحكومية تداعت من حيث مستويات الشفافية والخضوع للمساءلة، الأمر الذي يفضي إلى تعثُّر جهود الإغاثة الدولية في خضم التدهور السريع للاقتصاد في الأشهر الأخيرة. ولا تحتاج البلاد في المرحلة المقبلة إلى إعادة البناء فحسب، وإنما أيضا إلى البناء على أسس أفضل. ويجب أن يرتكز التغيير على ثلاثة مبادئ تنظيمية، وهي الشفافية والشمول والإدارة الرشيدة. ومن الضروري أن يبدأ لبنان العمل على نحو أفضل من ذي قبل وعلى نحو يعود بالنفع على جميع مواطنيه.
ومن ثمَّ، فإن لحظة الأزمة هذه بمثابة صيحة تنبيه تدعو إلى تغييرات عميقة في السياسات المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية على أساس أولويات الشعب اللبناني. ويشتمل التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت على وجهات نظر مختلف الأفرقاء وأصحاب المصلحة من كل فئات المجتمع اللبناني، وقد ساعدت هذه المساهمات في صياغة النتائج والتحليلات والتوصيات التي تضمَّنها التقرير.
لقد أثبت الشعب اللبناني مرارا على مدار العقود الماضية أن باستطاعته التعافي من آثار الصراع والدمار. وبمقدوره أيضا الاستفادة من تحويلات أبنائه في المهجر في أنحاء العالم. ولذلك، فإنني على يقين بأنه بوسعنا مرة أخرى التعويل على حيويتهم وبراعتهم، ولكن هذه المرة ليست المسألة مجرد البقاء على قيد الحياة والتعافي. وإنما هي أيضا مسألة هل ستغتنم البلاد هذه اللحظة، وتتخذ تدابير حاسمة من أجل التغيير ورسم مسار جديد للمستقبل.
إن مجموعة البنك الدولي تقف على أهبة الاستعداد لمساعدة لبنان في الإصلاحات التي تُشجِّع على تعاف اقتصادي واجتماعي مستدام ، لاسيما من أجل توسيع نطاق الشمول وتغيير مسار معدل الفقر المرتفع في البلاد. وإننا نتطلع إلى الدخول في شراكة على المستوى القُطْري وفي أوساط المجتمع الدولي في هذا الجهد الضروري. ومعَا يمكننا تغيير مسار مستقبل لبنان.
روابط ذات صلة
انضم إلى النقاش