شهد شهر أبريل/نيسان الإطلاق الرسمي للمشاورات العالمية من أجل إثراء صياغة أول إستراتيجية على الإطلاق لمجموعة البنك الدولي للتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. وعلى مدار الشهرين القادمين، ستتشاور فرق عمل مجموعة البنك الدولي مع ممثلين عن المجتمع المدني والحكومات، وأيضا مع المنظمات الشريكة والقطاع الخاص لمناقشة الأولويات والتحديات في أوضاع الهشاشة والصراع والعنف، والبناء على الميزة النسبية التي تتمتع بها مجموعة البنك الدولي في البيئات الهشة. ومع شروعنا في هذه العملية، فإن أهم سؤال نواجهه هو كيفية البناء على ما تحقَّق من تقدم، وتحسين تدخلاتنا لتكون أكثر فاعلية على أرض الواقع، مع التركيز على تحقيق أثر دائم لما فيه مصلحة فئات السكان الأولى بالرعاية. علاوةً على ذلك، في بيئات الهشاشة والصراع والعنف، نعلم أنه لا يمكن لمنظمة واحدة أن تتصرف بمفردها - وبالنسبة لمجموعة البنك الدولي فإن هذه الإستراتيجية تتعلق باستخدام قدراتنا التحليلية والتشغيلية وفي جمع الأطراف للمساهمة في الجهود الدولية الأوسع نطاقا من أجل مساندة تحقيق السلام والرخاء.
لقد أصبحت أوضاع الهشاشة والصراع والعنف الجبهة الجديدة لجهود التنمية، ولها أهمية بالغة لأداء رسالة مجموعة البنك الدولي. وبحلول عام 2030، سيعيش نصف فقراء العالم على الأقل في بيئات هشة ومتأثرة بالصراعات. لقد تدهورت أوضاع الهشاشة في العالم تدهورا كبيرا، حيث نشبت صراعات عنيفة أكثر من أي وقت مضى في الثلاثين عاما الماضية؛ ووقعت أكبر أزمة نزوح قسري منذ الحرب العالمية الثانية؛ وارتفعت مستويات أعمال العنف فيما بين الأفراد وتلك التي ترتكبها العصابات؛ وأصبحت الصراعات هي سبب 80% من كل الاحتياجات الإنسانية، وأصبح غياب الأمن هو الوضع السائد في الكثير من المناطق. واليوم، ازدادت أعداد المدنيين المتأثرين بالصراع والعنف أكثر من أي وقت مضى خلال العشرين عاما الماضية. ولأوضاع الهشاشة والصراع والعنف تأثير واضح على الفقر، ومما يثير الدهشة أن معدل الفقر المدقع يزداد غالبا في البيئات الهشة. ولذلك فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة وهدفي مجموعة البنك الدولي لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك سيتطلب بذْل جهود مُنسَّقة للتصدي لتحديات الهشاشة والصراع والعنف. ومن خلال إستراتيجية التعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف، سنواصل تركيزنا على معالجة بعض العوامل المُحرِّكة الأساسية للهشاشة والصراع والعنف في البلدان المتأثِّرة بها وتأثيرها على فئات السكان الأولى بالرعاية، ولاسيما الشباب والنساء، على أن يكون الهدف النهائي هو الإسهام في إحلال السلام وتحقيق الرخاء.
وستبني إستراتيجية مجموعة البنك الدولي للتعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف على ما تحقق من تقدم في السنوات القليلة الماضية، وتوسع نطاق هذا التقدم، لاسيما بالاستعانة بالدعم المقدم في إطار عمليتي التجديد السابعة عشرة والثامنة عشرة لموارد المؤسسة الدولية للتنمية - صندوقنا لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، وبدعم من الزيادة العامة لرأس المال (2018) التي ساعدت على زيادة التركيز على أوضاع الهشاشة والصراع والعنف في البلدان متوسطة الدخل. ونحن نعلم أن العمل في بيئات الهشاشة والصراع والعنف يختلف اختلافا جوهريا عن العمل في بيئات لا تعاني منها، وأن طبيعة الدعم المقدم للبلدان المتأثرة بهذه الأوضاع يجب تصميمه وفق احتياجات كل بلد، وأن يتركز على أسباب الهشاشة وعوامل المرونة والقدرة على الصمود. ومن الضروري الآن تنظيم وتقوية الدعم الجماعي المقدم من مجموعة البنك الدولي -بما في ذلك من مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار والبنك الدولي- حيثما تشتد الحاجة إليه. وإدراكا لمعاناة المتأثرين بهذه الأوضاع، وللفرص الضائعة التي تمتد آثارها في كثير من الأحيان عبر الأجيال، ستُقيِّم الإستراتيجية ما تحقق من تقدم، وتُحدِّد ما الذي يجب عمله وكيف يمكن للمؤسسة التكيُّف لتعزيز تأثيرها في بيئات كهذه.
وللتغلُّب على هذه التحديات – في البلدان الفقيرة وعلى نحو متزايد في البلدان متوسطة الدخل المتضررة - يعكف العاملون مِنَّا في مجالات التنمية، والحلول الإنسانية والأمنية للهشاشة، والصراع والعنف على وضْع نُهُج جديدة من بينها التركيز على الوقاية، أو مواصلة العمل في أوضاع الصراع أو الأزمات؛ واستخدام أدوات جديدة، بطرق تشمل التمويل الميسر والتمويل المختلط، أو من خلال نظام تخفيف المخاطر الذي يُقدِّم مليار دولار تمويلا من المؤسسة الدولية للتنمية للبرامج التي تستهدف على وجه التحديد عوامل الخطر التي تُنذِر بإذكاء الصراع؛ وتفعيل شراكات جديدة عن طريق إقامة تحالفات مع مجموعة متنوعة من الشركاء، منهم الذين هم أقرب على أرض الواقع، وشركائنا في الأمم المتحدة، وكذلك مع البرامج والمنتديات الدولية لتحقيق ما نصبو إليه من نتائج على نحو أكثر فاعلية في بيئات تعاني غياب الأمن ومتأثرة بالصراع.
وخلاصة القول إن الانتقال من الهشاشة إلى الرخاء يتطلب إجراءات أُحسِن تحديد تسلسلها وأولوياتها. إنها عملية تتطلَّب نهجا متدرجا، وأسلوب التجربة والخطأ، والاستعداد للمخاطرة في الوقت المناسب، والالتزام من جانب العديد من أصحاب المصلحة والأطراف المعنية. إنها تدحض الاعتقاد بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحدها ستكبح الهشاشة، لكنها تظهر أيضا مبلغ أهمية الدور الذي تلعبه التنمية في مواصلة الجهود للوصول إلى السلام والرخاء. ومع أننا ندرك أن كل وضع من أوضاع الهشاشة والصراع والعنف يجب معالجته بنهج فريد يناسب خصوصيته، فإن إستراتيجية التعامل مع أوضاع الهشاشة والصراع والعنف ستتيح فرصة لتعظيم الدعم الإنمائي من أجل التغلب على نحو أفضل على هذه التحديات على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية والمحلية. وما من شكٍ في أن الإستراتيجية ستشدد على أهمية تخفيف مخاطر الأزمات، وبناء مؤسسات وأنظمة شرعية خاضعة للمساءلة، وتعزيز الحلول المستدامة بقيادة القطاع الخاص، ومساندة بلدان ومجتمعات محلية تتمتع بالمرونة وقادرة على مجابهة الصدمات، وجعْل البشر هم محور وصميم عملنا.
والآن نريد الاستماع إلى رأيك لأنه بالجهد الجماعي وحده سينجح مسعانا. ونأمل في الأشهر القادمة إجراء اختبارات تحمُّل للمجالات ومبادئ العمل الرئيسية. ومن خلال هذه المشاورات العالمية نعلم أنه سيمكننا إيجاد إجابات جديدة وأيضا توجيه أسئلة جديدة. ومن ثمَّ أيا كان الأمر يتعلق بكيفية الاستثمار على خير وجه في الوقاية، أو كيفية تعزيز عملنا في أشد البيئات افتقارا إلى الأمن، أو كيفية تعظيم فاعلية عملياتنا على أرض الواقع، فإن صوتك سيكون بالغ الأهمية في وضع إستراتيجية بمقدورها تقوية مساعداتنا لمن هم في أشد الحاجة إلى دعمنا الجماعي.
فرانك بوسكيه هو المدير الأول، قطاع الممارسات العالمية للهشاشة والصراع والعنف في البنك الدولي.
انضم إلى النقاش