نشر في أصوات

آفاق المستقبل تنبئ بنمو أقل تقلبا لكن أبطأ وتيرة

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English

Imageصدرت الآن الطبعة الصيفية من تقرير البنك الدولي "الآفاق الاقتصادية العالمية". وفي هذه المُدوَّنة، أحاول إلقاء الضوء على بعض الأرقام المتوقعة التي تشكل خط الأساس والمثيرة للاهتمام وكذلك بعض المخاطر الجديدة.

فالاقتصاد العالمي يتجه فيما يبدو نحو مرحلة أكثر سلاسة وأقل تقلُّبا. غير أن التعافي ما زال مذبذبا ومتفاوتا. ومع أن الظروف المالية في البلدان المرتفعة الدخل تحسَّنت والمخاطر انحسرت، فإن النمو ما زال ضعيفا لاسيما في أوروبا، وستظل هذه البلدان تشهد نموا هزيلا هنا العام من جراء تدابير ضبط أوضاع المالية العامة، وارتفاع معدلات البطالة، واستمرار ضعف معنويات المستهلكين ومؤسسات الأعمال.

أمَّا النمو في البلدان النامية فسوف يكون متينا لكنه أضعف مما كان عليه خلال فترة الرواج التي سبقت الأزمة. وقد تعافت معظم البلدان النامية من الأزمة، مع احتمال ضئيل أن تشهد مزيدا من الانتعاش. وهناك احتمال لمزيد من التحسُّن في البلدان النامية في أوروبا التي ما زال
النشاط الاقتصادي فيها هزيلا بسبب استمرار عمليات إعادة الهيكلة، وكذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث كان النمو ضعيفا فيما يرجع أساسا إلى الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
 

وتحسَّنت الظروف المالية في البلدان المرتفعة الدخل وانحسرت المخاطر، لكن النمو ما زال ضعيفا ولاسيما في أوروبا.

فمؤشرات مخاطر الأسواق المالية مثل أسعار مبادلات مخاطر العجز عن السداد، وعوائد الديون السيادية، ومؤشرات تقلب أسواق الأسهم تحسنت كلها تحسنا كبيرا منذ يونيو/حزيران 2012. ومع أن التحديات التي تواجهها البلدان المرتفعة الدخل لاستعادة صحة القطاع المالي وإصلاح المؤسسات وإعادة السياسة المالية إلى مسار يتسم بالاستدامة ما زالت قائمة، فإن احتمالات أن تفجر هذه التحديات أزمة كبيرة انحسرت بشكل ملحوظ.

غير أنه على الرغم من هذا التقدم في الجانب المالي، فإن التعافي على صعيد الاقتصاد الحقيقي كان بطيئا والنشاط ما زال راكدا، ولاسيما في أوروبا حيث يعوقه ضعف الثقة واستمرار عمليات إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالية العامة. ويستند التعافي إلى أرض أكثر صلابة في الولايات المتحدة، حيث يواجه انتعاش نشط إلى حد ما للقطاع الخاص معوقات، لكنه لا يتداعي بسبب إجراءات تقييد إنفاق المالية العامة. وفي الوقت نفسه، في اليابان يبدو أن تخفيفا شديدا للسياسات على صعيد الاقتصاد الكلي فجر انتعاشا للنشاط على الأقل على المدى القصير. وبوجه عام، فإن النمو في البلدان المرتفعة الدخل من المتوقع أن ينتعش ببطء من نسبة ضعيفة 1.2 في المائة هذا العام إلى 2.0 في المائة و2.3 في المائة في عامي 2014 و2015 على التوالي (الجدول 1).


Image
 

النمو يقوى في البلدان النامية لكن الظروف تختلف اختلافا كبيرا من بلد لآخر

و يبعث الوضع في البلدان النامية على قدر أكبر من التفاؤل في معظم جوانبه، فالبلدان النامية تعافت تماما بدرجة أو بأخرى من أزمة عام 2008 ومن المتوقع أن تساعد ظروف خارجية أقل تقلبا على تسارع تدريجي للنشاط في المناطق النامية.

ومن المتوقع أن يُسجِّل النمو في البلدان النامية انتعاشا تدريجيا إلى 5.1 في المائة هذا العام و5.6 و5.7 في المائة في عامي 2014 و2015 على التوالي، وذلك بفضل ظروف خارجية أقل تقلُّبا، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال إلى المستويات التي تدعم النمو، وانحسار القيود والمعوقات المتصلة بالقدرات في بعض البلدان المتوسطة الدخل، وتحسُّن معدلات النمو في البلدان المرتفعة الدخل.

معظم البلدان النامية تعافت من الأزمة، ولذا فإن الاحتمال ضئيل أن تشهد تسارعا في وتيرة الانتعاش

وقبل أن نلقي نظرة على الاتجاهات الأوسع على مستوى منطقة برمتها، أود أن أشير إلى أن وتيرة الانتعاش العام ليست قوية لأن غالبية البلدان النامية تعافت تماما بدرجة أو بأخرى من الأزمة المالية في 2008. وفي الواقع، فإن النمو الحالي والمتوقع في كثير من البلدان يتسق مع الإمكانيات الأساسية للنمو، الأمر الذي لا يدع مجالا يذكر لتسارع خطاه.

وبمعنى آخر فإن النمو في عدة بلدان متوسطة الدخل تعوقه اختناقات سلاسل التوريد، ومن غير المحتمل أن يصل النمو في هذه البلدان إلى مستويات ما قبل الأزمة إذا لم تتخذ خطوات نشطة لإتمام الإصلاحات في جانب المعروض.

ففي الصين، تباطأ النمو مع سعي السلطات إلى إعادة التوازن للاقتصاد. ونتيجة لذلك، فإن النمو في شرق آسيا والمحيط الهادئ من المتوقع أن يبقي مستقرا بوجه عام عند نحو 2/1 7 في المائة في كل من الأعوام 2013 و2014 و2015.

وفي أمريكا اللاتينية، من المتوقع أن ينتعش النمو في عام 2013 إلى نحو 3.3 في المائة، ليستقر بعد ذلك عند أقل قليلا من 4 في المائة في كل من عامي 2014 و2015. والنمو في عدة بلدان في المنطقتين كلتيهما تكبحه بالفعل المعوقات في جانب المعروض التي تتجلَّى في التضخم وفقاعات أسعار الأصول وتدهور موازين المعاملات الجارية.

والكثير من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء يسير فيها النشاط الاقتصادي بمعدلات قريبة من إمكانياتها الإنتاجية أو أعلى منها، وتتعرض لمخاطر تفاقم الضغوط التضخمية. ومن المتوقع أن يرتفع معدل النمو في المنطقة خلال فترة التنبؤات من 4.4 في المائة في عام 2012 إلى 4.9 و5.2 و5.4 في المائة في الأعوام 2013 و2014 و2015 على التوالي (ويعزى التسارع الكبير للنمو في عام 2013 جزئيا إلى التعافي بعد الحرب في دولة جنوب السودان).

في جنوب آسيا، من المتوقع أن يزداد معدل النمو إلى 5.2 في المائة هذا العام في أعقاب أداء ضعيف للغاية في 2012، ثم يرتفع ببطء إلى 6.0 و6.4 في المائة في عامي 2014 و2015 مع إعادة استيعاب فائض الطاقة الإنتاجية. وفي البلدان النامية في أوروبا وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زالت فجوات الإنتاج باقية ومن المتوقع أن يقوى النمو.

وكثير من البلدان في المنطقة النامية من أوروبا لم تتعاف بعد من الأزمة، مع ارتفاع معدلات البطالة ومستويات فائض الطاقة الإنتاجية لأن النشاط تكبحه عمليات إعادة الهيكلة للقطاع المصرفي والقطاع العائلي والمالية العامة (وهو ما يماثل إلى حد كبير الوضع في بلدان أوروبا المرتفعة الدخل.) ومع إنجاز التعديلات وعمليات التصحيح من المتوقع أن يقوى النمو في المنطقة تدريجيا من 2.7 في المائة العام الماضي إلى 4.2 في المائة بحلول العام 2015.

واجه النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عقبات من جراء التوترات السياسية والاجتماعية وضعف النشاط الاقتصادي بمنطقة اليورو. وعلى افتراض أن التوترات في المنطقة تنحسر تدريجيا، فإنه من المتوقع أن يقوى النمو تدريجيا من 2.5 في المائة في عام 2013 إلى 3.5 في المائة في عام 2014 و4.2 في المائة في 2015.

البلدان النامية تواجه مخاطر جديدة

مع أن مخاطر ما بعد الأزمة النابعة من البلدان المرتفعة الدخل انحسرت في أهميتها، فإن مجموعة جديدة من الشكوك والمخاطر بدأت تظهر أو تزداد قوة. ومنها على سبيل المثال:

الآثار المحتملة للتخفيف الشديد للسياسات المالية والنقدية في اليابان. فقد يؤدي هذا إلى تراجع قدرة البلدان النامية على المنافسة في الأسواق التي تتنافس فيها بشكل مباشر مع اليابان وذلك بسبب انخفاض سعر الصرف الحقيقي للين بنسبة 21 في المائة منذ سبتمبر/أيلول 2012، وتفاقم النمو المحموم في بعض البلدان ولاسيما في شرق آسيا من خلال زيادة تدفقات رؤوس الأموال إليها.

هبوط أسرع من المتوقع في أسعار السلع الأولية. على مدى العام المنصرم، أخذت أسعار الطاقة والمعادن في التراجع متأثرة بعمليات الإحلال في جانبي العرض والطلب التي حفزت عليها الأسعار المرتفعة (انخفضت أسعار المعادن 28 في المائة منذ ذروتها في فبراير/شباط 2011). وإذا انخفضت الأسعار عن مستوى توازنها على الأجل الطويل بسرعة أكبر مما هو مفترض في تنبؤات خط الأساس، فإن نمو إجمالي الناتج المحلي في البلدان المصدرة للمعادن في أفريقيا جنوب الصحراء قد ينخفض ما يصل إلى 0.7 نقطة مئوية، وقد تتدهور أوضاع موازين المعاملات الجارية والمالية العامة بنسبة 1.2 و0.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على التوالي. وسيكون لانخفاض أسعار النفط آثار مماثلة على البلدان المصدرة للنفط (انخفاض إجمالي الناتج المحلي 0.4 بالمائة)، لكنه قد يعود بالنفع على البلدان النامية ككل (زيادة بنسبة 0.3 في المائة).

إلغاء سياسات التيسير الكمي قد يكون له آثار سلبية على تدفقات رؤوس الأموال إلى البلدان النامية لقد أفاد التيسير الكمي البلدان النامية بتحفيز إجمالي الناتج المحلي للبلدان المرتفعة الدخل، وخفض تكاليف الاقتراض، وتفادي انهيار القطاع المالي. ومع أن زيادة السيولة لم تؤد إلى توليد تدفقات مفرطة لرؤوس الأموال إلى البلدان النامية، فإن تدفقات رؤوس الأموال أصبحت أكثر تقلبا من ذي قبل. وقد يؤدي ما تم في اليابان في الآونة الأخيرة من تكثيف إجراءات التيسير النقدي إلى إعادة توليد التقلبات الكبيرة في تدفقات رؤوس الأموال على المدى القصير والتي يصعب إدارتها. مهما يكن من أمر، فإنه حالما تبدأ البلدان المرتفعة الدخل اتباع سياسة التيسير النقدي بنشاط أقل أو حتى حينما تبدأ إلغاء مراكز طويلة الأجل، فإن أسعار الفائدة ترتفع على الأرجح، وهو ما يزيد من تكاليف أعباء خدمة الديون، ويرفع تكاليف رأس المال في البلدان النامية. ومع تغيُّر معدلات الاستثمار بما يتلاءم مع ارتفاع تكاليف رأس المال، فإنه من المتوقع أن تتراجع معدلات الإنفاق الاستثماري والنمو في البلدان النامية ما يصل إلى 0.6 في المائة سنويا بعد مرور ثلاثة أعوام.

الحلول المحلية هي مفتاح النمو في المستقبل

تعاملت البلدان النامية بشكل جيد مع الأزمة والفترة التي أعقبتها مباشرة . ومع دخول الاقتصاد العالمي المرحلة الجديدة الأكثر استقرارا، ومع تقلص المخاطر الحادة النابعة من الاقتصاديات المرتفعة الدخل، ستضطر البلدان النامية إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للتحديات الداخلية والبحث عن حلول محلية لتعزيز النمو والقدرة على المنافسة وتهيئة فرص العمل. وسيتعين عليهم أيضا المتابعة الدقيقة لطبيعة ما يستجد من مخاطر خارجية ومنها ما ينشأ عن التغيرات في أسعار السلع الأولية وإلغاء إجراءات التيسير الكمي من جانب البلدان المرتفعة الدخل على الأجل المتوسط.

ومع أن معدلات النمو المتوقعة مُرضِية وأعلى من مثيلاتها في تسعينات القرن الماضي، فإنها تقل نقطة مئوية إلى نقطتين عن مستوياتها في فترة الرواج قبل الأزمة. ولتحقيق نمو أسرع يتسم بالاستدامة، فإنه سيتعين على البلدان النامية أن تضاعف جهودها لاستعادة الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي والحفاظ عليه، والحد من الاختناقات من خلال ترشيد اللوائح التنظيمية، وتحسين مستويات إنفاذها، والاستثمار في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000