من المسّلم به على نطاق واسع أن مدى نجاح الحكومات في إعداد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتنفيذها وأعمال المشتريات الخاصة بها ضروري لاجتذاب التمويل و/أو الخبرة من القطاع الخاص، وضمان أن تُحقِّق هذه المشاريع أعلى جودة بأفضل تكلفة.
غير أنه حتى الآن لم تتوفَّر بيانات منهجية لقياس تلك القدرات لدى الحكومات. لكن هذا الوضع قد تغيَّر مع إصدار مجموعة البنك الدولي تقرير بعنوان المعايير المرجعية لإجراءات المشتريات في مشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص 2017 الذي يقوم بجمع وعرض بيانات عملية ويمكن المقارنة بينها عن مشتريات مشاريع الشراكات بين القطاعين على نطاق واسع من خلال تقييم الأُطُر التنظيمية التي تحكم إجراءات المشتريات في هذه المشاريع في 82 بلدا. ويُقدِّم التقرير تحليلا للممارسات في أربعة مجالات، وهي إعداد مشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والمشتريات الخاصة بها، وإدارة تعاقداتها، وإدارة العروض المُقدَّمة دون دعوة. وباستخدام مشروع للنقل البري السريع كدراسة حالة لضمان إمكانية المقارنة بينها، يعرض التقرير تحليلا للأطُر التنظيمية الوطنية، ويُقدِّم صورة لأوضاع المشتريات في نهاية مارس/آذار 2016 بإعطاء درجة تصنيفية لكل من المجالات الأربعة.
ووجدنا أنه في المجالات الأربعة التي تم قياسها، لم تطبق معظم البلدان الممارسات الجيدة. وعلى وجه الخصوص، سجَّل عدد كبير من البلدان درجات متدنية في مجالين، وهما إعداد المشاريع وإدارة العقود.
ويجب أن تنبع الشراكات بين القطاعين العام والخاص من عملية تخطيط للاستثمارات الحكومية تتضمَّن تقييم مزايا كل المشاريع، ثم اختيار نهج التنفيذ. ووجد التقرير الجديد أن 55% فحسب من البلدان التي شملها المسح الاستقصائي تتطلب تحقيق الاتساق بين مشاريع الشراكة بين القطاعين وبرنامج الاستثمارات العامة، وأن نسبة لا تتجاوز الربع منها لديها إجراءات تفصيلية لضمان تحقيق ذلك الاتساق.
ووجدت الدراسة أيضا أن هناك مواطن نقص وقصور في النهج المعتمدة في تنفيذ التقييمات الفعالة التي تتطلبها مشاريع الشراكة بين القطاعين. وتطلب ثلثا البلدان التي شملها المسح الاستقصائي تقييمات للآثار الاجتماعية والاقتصادية، والقدرة على تحمُّل التكاليف، وتحديد المخاطر، والأهلية الائتمانية، وتقييمات مقارنة (الشراكات بين القطاعين العام والخاص بالمقارنة بالمشتريات التقليدية) لأي مشروع محتمل يقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. غير أن نحو ثلث هذه البلدان فحسب اعتمدت منهجيات مُحدَّدة لإجراء مثل هذه التقييمات. وفي نحو نصف البلدان، ليس مطلوبا إجراء تقييم للسوق على الإطلاق، ونحو 10% فحسب من البلدان اعتمدت منهجية لإجراء مثل هذا التقييم. وهكذا، فمن المرجح أن يعمد الكثير من البلدان إلى تسويق مشاريع دون القيام بشكل منهجي بقياس اهتمام القطاع الخاص.
وتعد الإدارة الجيدة للعقود عنصرا حيويا لتحقيق النواتج المرجوة للمشاريع. ومع أنه يجب على الشريك الخاص، في معظم البلدان، أن يُقدِّم بشكل منتظم معلومات عن الأداء، ويجب على الهيئة الحكومية المسؤولة تجميعها، (60% و73% على الترتيب) فإن نسبة لا تتجاوز 16% منها هي التي تتطلب لوائحها إتاحة الاطلاع على هذه المعلومات للجمهور.
ويُظهِر التقرير أن هناك بوجه عام مجالا كبيرا لتحسين الممارسات المتصلة بالإفصاح عن المعلومات المتصلة بالشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويتطلَّب إيجاد عملية شفَّافة أن يُتاح للجمهور الاطلاع على كل المعلومات المتصلة بالعمل على تحقيق عملية تنافسية وتقديم معلومات أفضل لأصحاب المصلحة عن المشروع. ومع أن معظم البلدان تنشر إخطار المناقصة (93%)، وتنشر الغالبية نتائج ترسية عقود الشراكة بين القطاعين (74%)، فإن 23% فحسب من البلدان تنشر هذه العقود، والنذر القليل منها ينشرها على شبكة الإنترنت.
وعلى الجانب الإيجابي، خلص التقرير إلى أنه في تنفيذ المشتريات عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإن أداء الكثير من البلدان يقترب من الممارسات الجيدة المعترف بها. ومع ذلك، ثمة مجال للتحسين في مجالين اثنين: (أ) الحد الأدنى للوقت المتاح للمتنافسين المحتملين لتقديم عروضهم؛ و(ب) النهج المتبع للتعامل مع العارض الوحيد. ولا يضع 15% من البلدان التي شملها المسح الاستقصائي حدا أدنى للوقت المتاح لإعداد العروض أو تطلب فترة أقل من 30 يوما، وهي فترة قصيرة للغاية، و15% فحسب من البلدان لديها إجراءات مفصَّلة لمعالجة القضايا حينما يتم تلقِّي عرض واحد.
وتناول التقرير أيضا الممارسات التي تحيط بالتعامل مع المشاريع المُقدَّمة عروضها دون دعوة. ومع أن هذه المشاريع قد تتيح للحكومة الاستفادة من ابتكارات القطاع الخاص، قد تثور أيضا هواجس بشأن شفافيتها. وتكمن صعوبة المشاريع المُقدَّمة عروضها دون دعوة في تحقيق التوازن الصحيح بين تشجيع شركات القطاع الخاص على عرض أفكار مبتكرة لمشاريع والحفاظ على الشفافية ومكاسب الكفاءة الناجمة عن عملية مناقصة تنافسية. ومن بين البلدان التي شملها المسح الاستقصائي، تبيَّن أن 32% منها ليس لديها لوائح تُنظِّم بشكل مُحدَّد المشاريع المقدمة عروضها دون دعوة. وحتى حيثما توجد هذه اللوائح، فإن لدى 21% منها فحسب إطارا مُفصَّلا لضمان تحقيق الاتساق مع الأولويات الحكومية، و13% فحسب تضمن فترة تزيد على 90 يوما لتقديم العروض-وهي فترة زمنية معقولة لإحداث التوتر التنافسي وتحدِّي صاحب الاقتراح الأصلي في عملية مناقصة تنافسية.
ومع أنه توجد فجوة بين النظام المعمول به حاليا والممارسات الجيدة بالنسبة لكثير من البلدان الاثنين والثمانين في المجالات الأربعة التي شملها المسح الاستقصائي، فإن الأنباء الجيدة هي أنه توجد منهجيات ونهج متاحة يُمكِن للبلدان اعتمادها حتى تساير نُهُجها هذه الممارسات الجيدة. وللمساعدة في هذا الشأن، وضعت مجموعة البنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف سلسلة من الأدوات التي تُغطِّي مختلف جوانب دورة المشروع-تحديد أولويات الاستثمار، وتقييم المخاطر المتصلة بالمالية العامة، وتحسين الشفافية والإفصاح فيما يتعلق بالشراكات بين القطاعين العام والخاص-والتي يمكن للحكومات استخدامها لتحسين أدائها. ونعمل أيضا لنشر الإرشادات بشأن كيفية التعامل مع المشاريع التي تُقدَّم عروضها دون دعوة والمنهجيات التي ينبغي استخدامها عند اختيار أيْ المشاريع لتنفيذها من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
انضم إلى النقاش