رغم أنه قد يكون من التسرُّع القول بأننا تجاوزنا في عملنا الجماعي سلوك الذعر والإهمال المتوارث، يحدوني الأمل في أن الجهود المتعددة المبذولة على المستويين العالمي والوطني لتقوية الاستعداد لمواجهة الأوبئة، وهو ما ظهر منذ تفشي وباء الإيبولا الفتاك في عام 2014، ربما بدأت تؤتي ثمارها.
في 8 مايو/أيار، أُعلِن عن تفشي وباء الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أعلنت الحكومة عن خطة للتصدي للإيبولا بتكلفة 56.8 مليون دولار تمتد لثلاثة أشهر، وتحرَّك المجتمع الدولي بسرعة. ويختلف ذلك بشدة عما حدث قبل أربع سنوات عندما تفشى وباء الإيبولا في ثلاثة بلدان بغرب أفريقيا وكانت استجابة المجتمع الدولي بطيئة ومتراخية.
قدَّم صندوق التمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة التابع لمجموعة البنك الدولي ارتباطا ماليا هو الأول من نوعه، حيث وافق على توجيه منحة بقيمة 12 مليون دولار من نافذة التمويل النقدي لجهود التصدي للإيبولا، وذلك بعد الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ للهيئة التوجيهية للصندوق. وبالإضافة إلى ذلك، أعاد البنك الدولي تخصيص مبلغ 15 مليون دولار لإنفاقها على مراقبة الأمراض في جمهورية الكونغو الديمقراطية في إطار استثماراته الحالية بقطاع الرعاية الصحية ليبلغ مجموع قيمة المساعدات 27 مليون دولار.
التركيز بشكل كامل على التصدي للإيبولا والاحتياجات الصحية الملحة، وليس التركيز على تعبئة الأموال المطلوبة بشدة. ويُعد النجاح خلال مدة قصيرة في تعبئة الموارد التي ارتبط بتقديمها لتغطية كامل تكلفة خطة الاستجابة التي تمتد لثلاثة أشهر دليلاً على ثقافة الاستجابة الجديدة. فهذه هي أول مرة تتم فيها تعبئة قدر كبير من التمويل بهذه السرعة أثناء تفشي أحد الأمراض على نطاق واسع. ولعل الدرس الرئيسي المستفاد من تفشي الإيبولا في غرب أفريقيا عام 2014 هو ضرورة التحرُّك بسرعة؛ فقد أُهدرت أسابيع في تعبئة الأموال وارتفع خلالها عدد الوفيات ليصل في نهاية المطاف إلى 11 ألفا.
تتجاوز ثقافة الاستجابة الجديدة نطاق التمويل لتشمل عمليات البحث والتطوير. وبدأت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية أيضا في تجريب لقاح جديد لعلاج الإيبولا لم يُرخَّص بعد، وهو لقاح rVSV-ZEBOV. وقد أثبت هذا اللقاح فاعليته العالية في تجربة سريرية أُجريت في غينيا عام 2015. وتستهدف التجارب التي تجريها جمهورية الكونغو الديمقراطية العاملين في مجال الرعاية الصحية ومن يُعرف احتكاكهم بأشخاص مصابين بالإيبولا. وأقل ما يمكن قوله هو إن إدارة تجارب معقدة للقاح وسط تفشي وباء في مناطق نائية أمر شاق للغاية من الناحية اللوجستية.
لكن مع إدراك أن حالات التفشي تمثل الوقت الوحيد الذي يمكن فيه اختبار لقاحات وعلاجات جديدة، يتبيَّن أنه لا يمكن تفويت الاستفادة من هذه الأزمات. ويسلط ذلك الضوء على الحاجة الماسة إلى بناء القدرات على إجراء الأبحاث السريرية داخل البلدان والتي يمكن توسيع نطاقها لإجراء التجارب السريرية أثناء حالات التفشي. وأشار تقرير جديد أصدره مؤخراً فريق العمل الدولي المعني باللقاحات بعنوان "المال والميكروبات: تدعيم القدرات البحثية للوقاية من الأوبئة" إلى هذه النقطة بالضبط- وحدد كيفية تطوير الدعم السياسي والتمويل والتنسيق المطلوب لبناء هذه القدرات على إجراء الأبحاث السريرية بوصفها جزءا بالغ الأهمية من الاستعداد العالمي لمواجهة الأوبئة. وتشكَّل فريق العمل هذا بواسطة مجموعة البنك الدولي وتحالف ابتكارات الاستعداد للأوبئة في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ورغم بذل العديد من الجهود الجديدة والمحسَّنة لتقوية الاستعداد عالمياً، فلا تزال هناك حاجة ماسة إلى التأكد من تحديد مواطن الضعف المتبقية ووجود مساءلة عامة عالمية. وسيقدِّم مجلس رصد الاستعداد العالمي، الذي أطلقته مجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية في جمعية الصحة العالمية بجنيف في مايو/أيار، خدمات رصد مستقلة وصارمة ومتواصلة بالإضافة إلى تقارير دورية عن وضع الاستعداد للتصدي لحالات التفشي والأوبئة والطوارئ الأخرى ذات العواقب الصحية. وسيرأس هذا المجلس كل من الدكتورة/ غرو هارلم برونتلاند رئيسة وزراء النرويج سابقاً والمديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، والحاج آمادو آس سي الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. وسيرصد المجلس مدى الاستعداد للطوارئ في مختلف الحكومات الوطنية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والقطاع الخاص وسيقدِّم تقارير سنوية عن مدى كفاية التمويل، والتقدُّم المحرز في عمليات البحث والتطوير ذات الصلة، ومدى قوة الاستعداد لمواجهة الأزمات الصحية.
وخلال الأسبوع الماضي فقط، رحبنا بأستراليا كجهة مانحة لصندوق التمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة لتنضم إلى اليابان وألمانيا. وستساهم أستراليا بمبلغ 7.2 مليون دولار في نافذة التمويل النقدي للصندوق والتي جرى إنشاؤها من خلال مساهمة أولية من ألمانيا.
جرت العادة أن نقوم عند التصدي للأوبئة بتكثيف الجهود أثناء حدوث تفشٍ لوباء ما، ثم سرعان ما ننسى الأمر بعد ذلك. ومن الضروري كسر هذه الحلقة ومواصلة وضع الاستعداد نصب أعيننا بشكل دائم من أجل الحفاظ على الأرواح والحد من التداعيات الاقتصادية لتفشي الأوبئة. ورغم أنه مازال هناك الكثير مما يتوجب القيام به، فإننا قد تعلمنا بعض الدروس من أخطائنا الجماعية في السابق، وهذه الدروس بدأت تؤتي ثمارها.
انضم إلى النقاش