نشر في أصوات

الفتاة النيجيرية التي مازالت تعلق في مخيلتي

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English
Image


ظلت دموعها حية في مخيلتي. كانت واحدة من كثير من الفتيات النيجيريات الصغيرات اللائي التقينا بهن أثناء بعثتنا في شمال شرق نيجيريا. كن وباقي بلدتهن في شوق للأمل وسبل كسب الرزق. كنت ضمن فريق متعدد المهام للبنك الدولي معني بالاستجابة للأزمة / تحقيق الاستقرار ودعم العمليات أثناء زيارة قمنا بها للمنطقة التي مازالت معقل تمرد جماعة بوكو حرام.

بدأنا الزيارات الميدانية في ولاية برنو حيث لا يزال الريف في قبضة المتمردين، رغم تعرضهم للهزائم خلال العامين الماضيين واستعادة الجيش للسيطرة على المراكز الحضرية الرئيسية. ومازال النزوح الكبير للسكان يثير هواجس إنسانية وإنمائية خطيرة. وولاية برنو هي إحدى الولايات الشمالية الشرقية الثلاث في نيجيريا، إلى جانب ولايتي يوبي وأداماوا، حيث تتركز محفظة مشاريعنا البالغة 700 مليون دولار. وفي الوقت الذي غطت زيارتنا الميدانية ولاية برنو الأكثر اضطرابا، تركت لدينا إحساسا بضخامة الدمار والاحتياجات واليأس.

بدأت زياراتنا الميدانية للمناطق عالية الخطورة برحلة لمدة نصف يوم إلى غوزا. طرنا بالهليكوبتر لمدة ساعة ونصف الساعة من مايدوغوري، عاصمة ولاية برنو، إلى مدينة غوزا. وعلى مدى الرحلة، رافقنا عدد كبير من عناصر الجيش والشرطة المحلية.

ومن الهليكوبتر، لم نكن نرى سوى الطرق المهجورة وأسطح المنازل المحروقة. كنت أستطيع أن أرى المخيمات التي يعيش فيها النازحون تمتد على طول الطريق من مايدوغوري إلى غوزا وتحيط بها الأراضي الخصبة التي ظلت مهجورة لأكثر من عامين. أبلغنا من أرادو العودة إلى مزارعهم بأن الجيش لن يسمح لهم بالعودة، وإذا عادوا فإنهم لا يستطيعون الزراعة إلا في منطقة صغيرة من الأرض لا يزيد قطرها عما بين 3 إلى 5 كيلومترات.

Image
رسوم لبوكو حرام على طبق للبث التلفزيوني في غوزا، بشمال شرق نيجيريا.
بعدسة: نبيل شيبان/البنك الدولي

 

مازالت آثار المعارك التي دارت بين بوكو حرام والجيش النيجيري عام 2016 ترى حتى اليوم في مخيمات النازحين المنتشرة والمنازل المحروقة والدمار الذي لحق بالمباني العامة. ومازالت السيارات المحروقة ملقاة على جانب الشارع الرئيسي والمرصوف الوحيد بالبلدة لتقف شاهدا على الصراع والدمار الرهيبين. ومازالت الرسوم التي خطتها عناصر بوكو حرام ترى على المباني الحكومية المحروقة وجدران المدارس في جميع أنحاء البلدة، وإن كان الجيش قد غطاها بالدهانات.

يمكنك أن ترى اليأس يعلو وجوه الناس الذين يجلسون بدون عمل على جانبي الشارع الرئيسي. فالنشاط الاقتصادي قد مات. ولا يُرى سوى القليل من الأشغال المدنية التي تنفذها الحكومة. فالحاجة هائلة لإعادة بناء المنازل والمدارس والمنشآت الصحية المدمرة.

ويصدق القول نفسه على بلدة مافا، التي تقع على مسافة ساعة بالسيارة من مدينة مايدوغوري، حيث تتجلى العلامات الوحيدة على وجود حياة على طول الطريق في نقاط التفتيش التي أقامها الجيش والثكنات العسكرية الكثيفة والمخيمات. مافا كانت ومازالت تعتبر المعقل الرئيسي لمتمردي بوكو حرام. قال لنا السكان المحليون إن المتمردين مازالوا يختبؤون في الأحراش خلف الجبال وينفذون هجمات انتحارية متكررة ومفاجئة تستهدف الأسواق المزدحمة أو المساجد، بل ويجندون أطفالا قد لا تتجاوز أعمارهم 12 عاما لتنفيذ مثل هذه الهجمات.

بعد بضع ساعات من عودتنا من مافا، هاجمت بوكو حرام المراكز السكانية الكثيفة على نفس الطريق الذي سلكناه. وأشارت التقارير إلى وقوع ثلاث هجمات انتحارية في اليوم نفسه.

في ظل هذه الظروف العصيبة، قد يبدو من المستحيل إحداث تغيير إيجابي في حياة الناس. إلا أن البنك ينشط في دعم نيجيريا، ومازال يستطيع أن يحقق نتائج في وجود إجراءات أمنية سليمة، ومستوى عال من القدرة على تحمل المخاطر، والشراكات الوثيقة مع الأطراف الفاعلة في مجال العمل الإنساني والإنمائي.

وهذا هو السبب في أننا عززنا جهودنا على صعيد التعاون الإنساني والإنمائي والسلام في شمال شرق نيجيريا. وبدعم من صندوق تقوية قدرات الدول وبناء السلام، سنضع منهاج عمل للعمل بأقصى درجة ممكنة من السلامة في محيط آمن للتصدي لهذه الأزمة المعقدة ومتعددة الأبعاد والمتغلغلة في المناطق المحلية.

راودتني خلال مهمتي عدة أفكار. على سبيل المثال، تستطيع منحة غير مخصصة بقيمة خمسة ملايين دولار أن تحدث تغييرا في حياة الناس الذين هم في أمس الحاجة للكرامة الإنسانية. وستتضمن نقاط الدخول الأولى لتحقيق الاستقرار عددا من مشاريع الأشغال العامة الصغيرة، وبرنامجا للنقد مقابل العمل، وهو ما يمكن أن يقطع شوطا طويلا في إعادة بناء قليل من المدارس، والمنشآت الصحية، وإصلاح عدد من الطرق، إلخ. وهذا سيعني الكثير للسكان المحليين اليائسين والشباب الأكثر احتياجا للوظائف والمعرضين للسقوط فريسة لأفكار بوكو حرام المتطرفة.

وقد تذكرت الحوار السريع الذي أجريته مع عدد من الأطفال الصغار الرائعين الذين كانوا يجلسون خارج المبنى الإداري في غوزا، متسائلين عما كنا نفعل. كانوا يشعرون بالسعادة لوجودنا هناك. ربما لأنها كانت بارقة أمل لهم. هناك، برزت إحدى الفتيات اللائي تحدثت إليهن.

سألتها، "هل تذهبين إلى المدرسة؟"

قالت وقد اغرورقت عيناها بالدموع، " لقد دُمرت مدرستنا. بل إننا لا نجد طعاما على مائدتنا. هل أنتم هنا لكي تساعدونا؟ هلا تفضلتم بالعودة وبمساعدتنا؟"

مازالت الدموع على وجهها الجميل البريء حية في ذاكرتي. وقد ظللت أقول لنفسي كم تمنيت لو أن هذه المهمة كانت سهلة وبسيطة. فقط أتمنى أن نفعل المزيد الآن لمساعدتها ومساعدة الكثير من الفتيات والصبيان في مناطق الصراع المحتدم بشمال شرق نيجيريا على الحفاظ على بعض الكرامة والشعور بالأمل وسبل كسب الرزق.

لقد عدت من هناك بعزم أكبر على أن أقوم بدوري، حتى يتسنى للفتاة النيجيرية وجيلها الحصول على المساعدة التي يستحقونها.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000