ماذا يحدث عندما يشهد بلد غني بالنفط انخفاضاً مفاجئاً في أسعاره بمقدار النصف؟ هذا هو تحديداً ما واجهه العديد من دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2014، عندما هبطت أسعار النفط الخام من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى نحو 50 دولاراً فقط. وفي عُمان، وهي بلد يعتمد منذ فترة طويلة على صادرات الهيدروكربونات وإيراداتها، شكل انخفاض أسعار النفط صدمةً مؤلمة لماليتها العامة. إذ انخفضت الإيرادات الحكومية من 40% إلى 26% من إجمالي الناتج المحلي في عامين، في حين لم يتم تعديل مستويات الإنفاق. وللحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، قامت الحكومة بتمويل الفجوة جزئياً من خلال السحب من أرصدة صندوق الثروة السيادي. وهذه الصدمة تشبه استيقاظ أحد الأشخاص يوماً ما ليجد راتبه قد انخفض فجأة، لكن الإيجار وفاتورة الطعام بقيا كما هما دون تغيير. فماذا كانت النتيجة؟ بدأت العجوزات الكبيرة تتراكم، ووصل الدين العام إلى 68% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2020، بعد أن كان 5% فقط قبل الصدمة. وكانت هذه التطورات بمثابة جرس إنذار لا يمكن تجاهله.
إيضاح: الرسوم البيانية مأخوذة من تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج، إصدار يونيو/حزيران 2025
نقطة التحول: خطة المالية العامة متوسطة الأجل
في عام 2020، تم تطبيق خطة المالية العامة متوسطة الأجل. واستهدفت خارطة الطريق الخمسية إصلاح المالية العامة ووضع الاقتصاد على مسار مالي مستدام. فماذا كانت الأفكار الرئيسية؟ ذكاء الإنفاق، وليس زيادته؛ وتنويع مصادر الإيرادات، وليس زيادة الأعباء.
ولاحتواء الإنفاق، تم تجميد التعيينات الحكومية (باستثناء الوظائف الحيوية)، مما أدى إلى انخفاض فاتورة الأجور العامة من 12% من إجمالي الناتج المحلي إلى 9%. وجرى تدريجياً استبدال دعم الوقود والكهرباء بدعم موجه بفضل إنشاء منظومة دعم وطني أعادت توجيه الوفورات التي تحققت من إصلاح منظومة الدعم لتلبية احتياجات الفئات المستحقة. على إثر ذلك، تم خفض الإنفاق العام بنسبة 16%. ولتنويع مصادر الإيرادات، تم فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على السلع والخدمات في عام 2021، مع إعفاء الضروريات مثل الخدمات الصحية والتعليمية والمواد الغذائية الأساسية. وجاءت هذه الضريبة مكملة لضريبة الإنتاج المفروضة على المنتجات الضارة ولضريبة دخل الشركات التي تم تحديدها عند 15% بالنسبة لمعظم الشركات، واستمرت كما هي في التعديلات اللاحقة. ويُطبَق معدل مخفض قدره 3% على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مما يوفر دعماً موجهاً لهذه الشريحة، في حين يُفرض معدل أعلى عند 55% على الشركات العاملة في مجال التنقيب عن النفط والغاز أو إنتاجهما.
وبهذا المعنى، لم يتم احتواء الإنفاق بخفض الخدمات الأساسية، بل بترشيد الإنفاق في المجالات التي كان ذلك منطقياً فيها. وتم التخطيط لزيادة الإيرادات عن طريق توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من زيادة العبء على دافعي الضرائب الحاليين. ولكن الأهم من ذلك، وعندما عادت أسعار النفط للارتفاع، قامت عُمان بتخصيص الإيرادات الإضافية لسداد الديون بدلاً من زيادة الإنفاق العام. وبحلول عام 2024، انخفض الدين العام لُعمان من 68% إلى 35% من إجمالي الناتج المحلي.
إيضاح: الرسم البياني مأخوذ من تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج، إصدار يونيو/حزيران 2025
إيضاح: الرسم البياني مأخوذ من تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الخليج، إصدار يونيو/حزيران 2025
خطة المالية العامة متوسطة الأجل: بناء الزخم نحو تحقيق الرخاء في المستقبل
حققت خطة المالية العامة متوسطة المدى نتائج قوية من خلال تجاوز المستويات المستهدفة لرصيد المالية العامة والديون (الشكل 4). ولم تكتفِ البلاد بتحقيق التوازن في موازنتها العامة، بل تمكنت من تحقيق فوائض مالية منذ عام 2022. وفي عام 2024، استعادت عُمان تصنيفها الائتماني من المرتبة الاستثمارية، وهو ما ترجعه وكالات التصنيف الائتماني إلى تحسن مؤشرات الدين العام، وإدارة المالية العامة، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
ومع ذلك، لم تحقق عمان أهدافها المتعلقة بالإيرادات غير النفطية، التي نمت بنسبة 1.6% فقط خلال فترة تطبيق خطة المالية العامة. ويعد تعزيز الإيرادات غير النفطية أمراً أساسياً للاقتصادات المعتمدة على النفط. فعلى المدى القصير، يمكن أن تعمل الإيرادات الضريبية كعوامل استقرار تلقائية للاقتصاد الكلي، وعلى المدى البعيد، تكفل استدامة المالية العامة وتحد من التعرض لتقلبات أسعار النفط. وطريق المضي قُدماً يتمثل في توسيع القاعدة الضريبية لإنشاء نظام للإيرادات أكثر استقراراً وقابليةً للتنبؤ.
وقد بدأت عُمان بالفعل التحركَ في هذا الاتجاه. ومن أجل النهوض بأجندة تنويع الإيرادات والحد من الاعتماد على النفط، اتخذت حكومتها خطوات مهمة لتوسيع القاعدة الضريبية. ففي عام 2024، أصدرت عُمان مرسوماً سلطانياً يقضي بإصدار "قانون الضريبة التكميلية على الكيانات التابعة للمجموعات متعددة الجنسيات"، بما يتماشى مع القواعد الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتجنب تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح. ومع اعتماد هذا القانون، تُفرض على الشركات متعددة الجنسيات ضريبة بحد أدنى لمعدل الضريبة الفعلي الذي يبلغ 15%، مما يحد من الحوافز والإعفاءات الضريبية. واستكمالاً لهذا الجهد، تعتزم عُمان تطبيق أول ضريبة على الدخل الشخصي في الخليج بحلول عام 2028، بدءاً بنسبة 5% على أصحاب الدخول المرتفعة. وينبغي للبلدان الأخرى الغنية بالموارد النظر في أن تحذو حذو عُمان.
وتثبت تجربة عمان أهمية استدامة المالية العامة كعملية مستمرة. وبالنسبة للاقتصادات الغنية بالنفط، يشمل ذلك إدارة الإنفاق خلال فترات ارتفاع الإيرادات والتخطيط لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل. وساهمت الإصلاحات الأخيرة وتدابير الدعم الموجه في عُمان في تحقيق تحسن سريع في مؤشرات المالية العامة. ونظراً لعدم اكتمال إصلاحات المالية العامة، فإن التحدي التالي أمام عُمان سيتمثل في الحفاظ على الزخم، مما يتطلب التزاماً ثابتاً بالبناء على التقدم المُحرز. ومع تكامل إصلاحات المالية العامة مع الجهود الرامية إلى توسيع النمو في القطاعات الجديدة غير النفطية في إطار رؤية عُمان 2040، فقد يكون المستقبل واعداً بالنسبة لاستقرار المالية العامة وتحقيق نموٍ اقتصادي واسع النطاق.
انضم إلى النقاش