يستفزني باستمرار الإشارة إلى "النمو السكاني" كسبب لعدد من التحديات التي تواجه التنمية. سواء كان توسع المدن، أو الأمن الغذائي، أو ندرة المياه، ففي جميع الأحوال يشار إلى "نمو السكان" كنذير شؤم أو حتى كسبب للتقاعس عن النضال من أجل التقدم. أكاد أرى توماس مالتوس يحدّق في مبتسما من بين الظلال.
الأمر يزداد سوءا. فقد راجعت مؤخرا بحثا يُرجع تفشي الفقر بين الأقليات إلى ارتفاع معدلات الخصوبة بينهم! منذ شهور قليلة مضت، كتب خبير محترم يتساءل: لماذا لا نقوم بالمزيد من الجهد بشأن تنظيم الأسرة مادام ارتفاع الخصوبة في أفريقيا سيبدد أي جهود لتوفير الخدمات المتعلقة بالبنية التحتية! أسمع تصريحات بهذا المعنى بشكل معتاد من واضعي السياسات المسؤولين عن وزارات ومشاريع البنية التحتية ("كيف نستطيع مجاراة النمو السكاني؟" أو "لن يكفي أي شيء نفعله إلا إذا سيطرنا على النمو السكاني")، لكنني أتعجب دائما عندما أسمع هذا الكلام من علماء من شتى الأطياف.
ومن هنا فكرت في أن أحاول تصحيح هذا المفهوم:
1. أولا، الأساسيات: الخصوبة تتراجع بشكل عام. لكن على الرغم من التراجع العام المتوقع، سيبقى الزخم قويا حتى "يخرج" الرهط الحالي ممن تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و14 عاما (أو بصراحة يرحل عن الدنيا!). ومن ثم لن نرى أثرا لتراجع الخصوبة بأرقام مطلقة حتى ينتهي هذا الرهط، أو "يخرج الخنزير من جوف الأفعى"، كما نقول - نحن علماء السكان. إذا أردت أن تفهم ما يحدث حقيقة مع النمو السكاني واستقراره في النهاية، فما عليك إلا أن تشاهد الخبير الإحصائي الشهير هانز روزلينج في هذا الفيلم الممتع.
2. إقرار الواقع: أفريقيا متنوعة للغاية. فمن المتوقع أن تنخفض معدلات الخصوبة في أفريقيا إلى 3.9 طفل للمرأة الواحدة بحلول عام 2030 (نزولا من 4.7 بين عامي 2010 و2015)، ثم تتراجع إلى 3.1 طفل للمرأة الواحدة بحلول عام 2050. وتبلغ معدلات الخصوبة أعلاها في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وفي المقابل تنخفض مستوياتها في جنوب القارة. إذن، نعم تضم أفريقيا أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، لكنها خصوبة "ليست خارج السيطرة" (فيما عدا عدد قليل جدا من البلدان." وسيكون لتنظيم الأسرة، وبقاء الأطفال على قيد الحياة، وتعليم الإناث، آثار هائلة على أعلى البلدان خصوبة، إلا أن مسار أغلب البلدان يتراجع بالفعل.
3. هنا يكمن التحدي الحقيقي: التقاطع بين الهشاشة والخصوبة يزداد عمقا وقوة. فبين أعلى عشرة بلدان خصوبة في العالم، يقع تسعة بلدان في أفريقيا، ثمانية منها مصنفة كبلدان هشة. ثمة أسباب عديدة لذلك: المرأة في كل مكان ترغب في أن تملك السيطرة على خصوبتها، ولكن في المناطق الهشة، لا تستطيع الحصول على وسائل منع الحمل، وهناك "طلب مرتفع لم تتم تلبيته" على وسائل منع الحمل. قد يكون واقع الحال أن يكون هناك أيضا ارتفاع في معدلات وفيات الأطفال، وربما تكون الخصوبة أيضا استراتيجية للتخفيف من آثار هذه المخاطر.
ومن ثم، فإن الخصوبة ترتبط بدرجة عالية بالأزمة، وانعدام اليقين، والافتقار إلى الخدمات.
نعم، بالطبع للأعداد أهمية: ندرة الغذاء والماء، والضغوط على وسائل النقل بالمدن أو على الطرق ترتبط بشكل مباشر بعدد البشر. ولكن، كما تشير مقدمة رائعة من مكتب المراجع السكانية- الأمر لا يتعلق "بالزيادة السكانية" بل بسوء إدارة الموارد النادرة. وكما قلت من قبل، ففي حالة الماء والغذاء، فإن الأمر يتعلق في جانب كبير منه بالتوزيع - بكل من جانبي الكفاءة والمساواة في التوزيع.
إذن، ما الذي يضر بالبنية التحتية؟ يتوقف هذا في كثير من الأحيان على من يوجه له هذا السؤال- فالأسباب تتراوح من التمويل إلى توفر الأراضي وإعادة توطين الناس في المناطق المأهولة. لكن، لماذا تؤثر خدمات البنية التحتية على بعض البشر دون غيرهم؟ الإجابة المختصرة هي: سوء الإدارة والسياسة التي تقف خلفها! فالسياسات وتنفيذها لا يخضعان في كثير من الأحيان للمساءلة من قبل الفئات الأكثر تضررا بندرة الغذاء والماء.
لحسن الحظ، يتصدى آخرون مباشرة لهذه الأساطير- وأوصي هنا بالاطلاع على الأساطير الخمس عن سكان العالم لنيك إيبرشتاد Nick Eberstadt. أود معرفة رأيكم في هذا.
انضم إلى النقاش