تعالت أصوات آلاف المتفرجين الذين نهضوا على أقدامهم فيما كان ملايين المشاهدين يتابعون بسعادة على شاشات التلفاز البث المباشر لأول فريق أولمبي للاجئين على الإطلاق يسير في ملعب ماراكانا البرازيلي خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية. الفريق المؤلف من ستة رياضيين ذكور وأربع إناث ويضم خمسة عدائين من جنوب السودان، واثنين من لاعبي الجودو من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسباحين من سوريا، وعدَّاءة ماراثون من إثيوبيا، اختير من بين مجموعة تضم نحو 43 مرشحا محتملا. كان انضمام هؤلاء واحدة من أسعد اللحظات في الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو لأن الفريق المؤلف من عشرة رياضيين لم يحمل العلم الأولمبي فقط، بل حمل أيضا رسالة أمل لملايين الشباب الذين هجروا من منازلهم.
ومع هذا، ومع وجود الكثير مما يمكن الاحتفاء به والكثيرين ممن يستحقون الثناء على هذه المبادرة في عالم الرياضة، ففي عالم مثالي لا ينبغي أن يحدث هذا على الإطلاق. فلحظات السعادة القليلة - التي أذكتها صيحات التشجيع- لا يجب أن تخفي حقائق المعاناة الإنسانية التي لامثيل لها في مخيمات اللاجئين بجميع أنحاء العالم. فوجود مثل هذا الفريق في حد ذاته يذكرنا بأن العالم كله قد خذل أكثر من مشرد بالتقاعس عن مساعدتهم على العودة إلى ديارهم أو عن إيجاد مأوى جديد يمكن أن يعتبروه موطنا دائما لهم. هؤلاء الرياضيون يمثلون مجتمعا فر من الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية والاعتداءات والمذابح الجماعية والمجاعات والفقر والأمراض - بعضها أصبح على درجة من العمق تجعل التوصل إلى حلول دائمة لها مجرد سراب.
الأمل لمن ليس لهم دولة
صدم نبأ وفاة العداءة الصومالية سامية يوسف عمر البالغة من العمر 21 عاما العالم عام 2010. تألق نجم سامية عمر على الساحة العالمية عندما شاركت في أولمبياد بكين عام 2008، لكنها ما لبثت أن تلقت تهديدات بالقتل عند عودتها إلى الصومال. وأملا في المنافسة بالألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، سافرت عبر إثيوبيا والسودان وليبيا صوب إيطاليا أملا في العثور على مدرب. لكنها غرقت في البحر بعد أن نفد الوقود من القارب الذي كانت تفر على متنه. وما يبعث على الأسى، أن قصة سامية عمر ليست فريدة من نوعها؛ فآلاف البشر- من بينهم نساء وشباب وأطفال- لاقوا حتفهم في السنوات الأخيرة بعد أن ابتلعت مياه البحر المتوسط سفنهم. وكان لكل منهم أمل يداعبه.
اثنان من فريق اللاجئين الأولمبي الحالي هما ممن خاطروا بحياتهم لكي يعبروا البحر إلى أوروبا. فرامي أنيس، السباح السوري، فر من مدينته حلب عام 2011 وتمكن أخيرا من الوصول إلى بلجيكا بعد أن أقام في تركيا عدة سنوات ثم عبر البحر إلى اليونان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يسرا مارديني، سباحة سورية أخرى، فرت من سوريا في أغسطس/آب الماضي، وتعيش الآن في ألمانيا. تألق اسم مارديني تحت أضواء الإعلام العام الماضي بعد أن احتلت قصة شجاعتها عناوين الأنباء والصحف أثناء رحلتها من تركيا إلى اليونان. كانت مارديني وأختها، السباحة أيضا، تعبران في زورق مكدس باللاجئين عندما تعطل في عرض البحر. إلا أن الشقيقتين قفزتا إلى الماء وسحبتا القارب إلى بر الأمان.
ولا يرجح أن تصل مارديني أو أنيس إلى التصفيات قبل النهائية نظرا لعدم حصولهما على التدريب أو التغذية المناسبين قبل المشاركة في الألعاب. ومع هذا، يُنظر إلى هذا الثنائي، ومعهما الرياضيين الثمانية الآخرين، كرموز أمل وإلهام لملايين الشباب النازحين الذين تراودهم ايضا أحلام التألق.
أزمات ممتدة ومنسية
إذا كانت أزمات الشرق الأوسط قد جذبت انتباه العالم في السنوات الأخيرة، فإن الحروب الأهلية التي تدور رحاها في أفغانستان وأفريقيا الوسطى والصومال وجنوب السودان هي التي أفرزت العدد الأكبر من المشردين وأزمات اللاجئين التي طال أمدها. في الحقيقة، ليس من قبيل المصادفة أن يكون أغلب أعضاء فريق اللاجئين الأولمبي من خارج الشرق الأوسط.
بالنسبة لبعض الرياضيين اللاجئين، لاسيما أولئك الذين يعيشون في بلدان مضيفة ذات أنظمة منصفة للهجرة، كلما اقترب موعد فقدانهم لوضعهم "كلاجئين" كلما كان ذلك أفضل. على سبيل المثال، نظرت اللجنة الأولمبية الدولية في يناير/كانون الثاني في إدراج رحيلة عاصماني، لاعبة التايكوندو الإيرانية السابقة، على قائمة فريق اللاجئين الأولمبي، لكنها حصلت على الجنسية البلجيكية في أبريل/نيسان من هذا العام. وهي الآن جزء من الفريق البلجيكي الأولمبي وتنافس باسم وطنها الجديد.
ومع هذا، فإن الاشتراك في الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو بالنسبة للعديد من الرياضيين اللاجئين كان هو الخيار الوحيد. فخمسة من رياضيي جنوب السودان المشاركين في دورة ريو دي جانيرو الحالية مازالوا يعيشون في معسكرات للاجئين في كينيا، حيث مازالوا عالقين منذ عشر سنوات أو خمسة عشر عاما. وقد أعلنت الحكومة الكينية أنها ستغلق مخيم داداب في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو أكبر مخيم للاجئين في العالم. عندئذ، سيكون هؤلاء اللاجئون بدون أوراق تسجيل في مخيم للاجئين. وستكون الدورة الأولمبية في ريو دي جانيرو، التي كانت الخيار الأولمبي الوحيد أمام العديد من الشباب الطامحين في المخيم، قد انتهت.
اجتذاب الانتباه العالمي
للوصول بالانتباه العالمي إلى المستوى الذي يضاهي "ضخامة أزمة اللاجئين"، التي تجاوزت أرقام ما بعد الحرب العالمية الثانية، قررت اللجنة الأولمبية تمويل مشاركة اللاجئين الرياضيين.
كما يُنظر إلى وجود فريق اللاجئين الأولمبي باعتباره فرصة للمنظمات التي تساعد اللاجئين والنازحين قسرا في مختلف أنحاء العالم. وتتلقى العديد من هذه المنظمات، التي تضم مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، معظم تمويلهم في شكل منح من الحكومات. ومن الأهمية بمكان لهذه البلدان المانحة ولدافعي الضرائب فيها الوعي بأزمة اللاجئين وبالحاجة إلى استمرار الدعم المالي. وتمثل محافل كالألعاب الأولمبية مناسبات ممتازة لزيادة الوعي على نطاق واسع.
وإذا كان منح اللاجئين الرياضيين فرصة للمنافسة في دورة الألعاب الأولمبية بريو دي جانيرو 2016 هو خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، فإنه ليس كافيا على الإطلاق بالنسبة لتجمع عالمي ظل ينمو باطراد خلال السنوات الأخيرة. واليوم، أصبح هناك أكثر من 65 مليون شخص، من بينهم 21 مليون لاجئ، مشردين طوعا وقسرا من منازلهم. ويشكل الأطفال أكثر من نصف المشردين قسرا في العالم، مما يجعل إحياء الأمل في مستقبل أفضل على القدر نفسه (إذا لم يكن أكبر) من أهمية توفير العناصر الأساسية للحياة كالغذاء والمأوى والتعليم.
ومن المهم تذكير العالم بخطورة الوضع، والتماهي مع معاناة اللاجئين. وقد يزيد الاطلاع على قصة أحد الرياضيين وعي الملايين وسخاءهم في العطاء. ولا يجب إذن أن نترك قصصهم تنتهي عند الأولمبياد - ويتعين أن ندفع من أجل مستقبلهم.
انضم إلى النقاش