منذ اعتماد منظمة الصحة العالمية الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ قبل عقد من الزمن، وقع على المعاهدة أكثر من 180 دولة. وتحقق تقدم في توسيع تغطية الإجراءات التدخلية الفعالة - أكثر من نصف بلدان العالم، حيث طبق 40 في المائة من سكان العالم ما لا يقل عن تدبير واحد من تدابير مكافحة التبغ، ورغم تزايد عدد سكان العالم، فإن انتشار التدخين انخفض انخفاضا طفيفا في جميع أنحاء العالم من 23 في المائة من البالغين عام 2007 إلى 21 في المائة من البالغين عام 2013. كيف يمكن تحقيق تخفيض أكبر في معدلات التدخين في العقد المقبل ، والإسهام في تحقيق المقاصد الصحية والاجتماعية لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول عام 2030؟ ونستعرض هنا بعض القضايا الرئيسية في مجال وبائيات واقتصاديات مكافحة التبغ عالميا.
يزيد احتمال مخاطر الموت للمدخنين ثلاثة أمثاله عن الاحتمال لغير المدخنين، مما يؤدي إلى فقدان عشر سنوات من الحياة على الأقل. وفي حين أن مخاطر التدخين تتراكم ببطء، فإن التوقف عن التدخين يعد فعالا بشكل سريع، إذ يستعيد من يقلعون عن التدخين قبل سن الأربعين ما يقرب من عقد كامل من الحياة الضائعة بسبب استمرار التدخين ؛ ومن يقلعون في سن الخمسين يستعيدون 6 سنوات من أعمارهم ؛ ومن يقلعون عن التدخين في سن الستين يستعيدون 4 سنوات. وقد أصبح التوقف عن التدخين أمرا شائعا الآن بين البالغين في البلدان ذات الدخل المرتفع. فعلى سبيل المثال، في كندا على زاد عدد المقلعين عن التدخين مليون شخص عما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات فقط. ومع ذلك، لازال التوقف عن التدخين يمثل تحديا كبيرا أمام الصحة العامة في معظم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي يعيش فيها 85 في المائة من المدخنين، وذلك لأسباب تعود في المقام الأول إلى استراتيجيات التسويق والتسعير لصناعة التبغ.
وارتفعت المبيعات العالمية السنوية للسجائر من خمسة تريليونات سيجارة في عام 1990 إلى نحو ستة تريليونات اليوم. ومنذ عام 2000، زاد إنتاج السجائر 30 في المائة في الصين التي تستهلك 40 في المائة من السجائر في العالم. وأتاحت الأرباح العالمية لصناعة التبغ والتي تصل إلى 50 مليار دولار - أو 10 آلاف دولار لكل حالة وفاة بسبب التبغ - الوصول إلى المسؤوليين الماليين، وتمويل بحوث التسعير، وإدارة التدخل ضد مكافحة التبغ – وهو ما لخصه بشكل رائع الممثل الكوميدي جون أوليفر. فيجب أن تواجه مكافحة التبغ الجادة هذه الاستراتيجيات اعتمادا على بيانات قوية عن الوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي كي توثق التأثير السلبي للتدخين على المجتمع.
وأوصت منظمة الصحة العالمية بخفض قدره 30 في المائة في نسبة انتشار التدخين بحلول عام 2025، وهو ما من شأنه تجنب 200 مليون حالة وفاة بنهاية القرن الواحد والعشرين بين المدخنين الحاليين والمستقبليين. السبيل الوحيد المعقول للحد من التدخين إلى هذا الحد هو رفع ضرائب الإنتاج غير المباشرة على التبغ ثلاثة أضعافها في معظم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومن شأن رفع ضرائب الإنتاج غير المباشرة على التبغ ثلاثة أضعافها رفع سعر البيع بالتجزئة إلى الضعف تقريبا وخفض استهلاك التبغ نحو 40 في المائة. واعتبارا من عام 2015، أفادت منظمة الصحة العالمية بأن 28 فقط من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل طبقت سياسات شاملة بشأن الدعاية المضادة للتبغ، وفرض قيود على التدخين في الأماكن العامة، ورفع الضرائب بشكل مناسب، وقد حقق هذا العدد القليل من البلدان تقدما في مجال زيادة الضرائب.
الاستراتيجية المشتركة لمنتجي التبغ هي الضغط على الحكومات للحفاظ على أسعار السجائر معقولة وفي المتناول عن طريق الحفاظ على زيادة الضرائب بشكل أقل من معدل نمو الدخل، وعن طريق فرض ضرائب على السجائر المختلفة بمعدلات مختلفة لتمكين المدخنين من التحوّل إلى علامات تجارية أو أطوال أرخص سعرا. ويحتاج نظام الضرائب الذكية إلى تبسيط الضرائب عن طريق رفع ضرائب الإنتاج غير المباشرة وتوحيدها على جميع أنواع السجائر (سواء السجائر المزودة بفلتر مرشح أو بدون) للحد من اللجوء إلى البديل الأقل (يجب أن لا ننسى أن جميع السجائر تقتل مستخدمها!). لقد أجرت حكومة الهند في الآونة الأخيرة إصلاحات ضريبية متواضعة في هذا الاتجاه، كما ساعد تعديل ضريبي على التبغ في الصين عام 2015 على خفض الاستهلاك وزيادة العائدات المالية، وفي عام 2016 ساندت فرق عمل البنك الدولي الحكومات في أرمينيا وكولومبيا ومولدوفا وأوكرانيا للقيام بإصلاحات ضريبية شاملة تمت الموافقة عليها من قبل البرلمانات، بما في ذلك الإصلاحات في هياكل الضرائب المفروضة على التبغ ومستويات الأسعار - وتتم حاليا مساندة أعمال إضافية في بلدان أخرى في جميع أنحاء العالم. ويمكن لنظام الضرائب الذكية أن يحذو حذو مثال زيادة الضرائب في كندا نحو 5 سنتات للعلبة في عام 2014، فضلا عن "إصلاح ضريبة الخطيئة" (كل من التبغ والكحول) في الفلبين في عام 2012، وهو ما ساعد على تعبئة الموارد المحلية لتمويل التوسع في تعميم التغطية الصحية. وكانت هناك نجاحات أخرى في: بوتسوانا، والإكوادور، وموريشيوس، والمكسيك، وأوروغواي، حيث حقق رواد سياسيون محليون، بمساعدة من مشورة الخبراء في مجال الضرائب، زيادات كبيرة في الضرائب. كما رفعت جنوب أفريقيا الضرائب أيضا في العقد الماضي، وقلصت استهلاك الفرد البالغ بمقدار النصف.
كما تلعب الإجراءات التدخلية غير السعرية دورا هاما لأنها تساعد على الحد من القبول الاجتماعي لتعاطي التبغ. وقد أقبلت الأمريكيات الشابات على التدخين بمعدلات كبيرة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى قوة الحملات الإعلانية ( "حمى انتشار سجائر فرجينيا سليمز"). ومن المرجح أن يكون حظر الإعلان أو فرض قيود عليه هو أحد الأسباب التي جعلت المرأة الصينية أو الهندية الشابة لم تفعل ذلك بعد. وقد اعتمدت أستراليا طريقة التعبئة والتغليف العادي، وبدأت بلدان أخرى في أن تحذو هذا الحذو. يمكن أن تمكن أسئلة بسيطة عن وضع التدخين في السابق حتى اصدار شهادات الوفاة أو تشريح الجثث من إجراء عمليات الرصد منخفض التكلفة لعواقب استخدام التبغ من قبل الكثير من مجموعات السكان.
ويمكن أن تساعد أيضا الحكومات والوكالات الدولية، التي لديها معرفة متراكمة وخبرة في علوم البيانات مثل مجموعة البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي جنبا إلى جنب مع منظمة الصحة العالمية، في إعداد مصادر مستقلة للبيانات التي يمكن الوصول إليها عن المبيعات والإيرادات والتهريب لتكون أساسا لوضع سياسة ضريبية منطقية بشأن التبغ. يجب على المسؤولين الماليين بالبلاد رفض المشورة التي تقدمها جماعات الضغط لصالح التبغ لتجنب الوقوع في مواقف تضارب المصالح، كما توصي منظمة الصحة العالمية مسؤولي الصحة.
هناك حاجة إلى تنفيذ الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ بطريقة أكثر فعالية في العقد القادم لرفع معدلات التوقف عن التدخين في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل. وقد أوصى البنك الدولي بفرض ضرائب باعتباره الاستراتيجية الأساسية وذلك في تقرير عام 1999 بعنوان كبح الوباء: الحكومات واقتصاديات مكافحة التبغ. وجاءت بعد ذلك توصيات مماثلة في تقارير حديثة عن فرض ضرائب على التبغ أصدرتها منظمة الصحة العالمية، وصندوق النقد الدولي. وبالبناء على الأدلة المتراكمة وخبرات البلدان، فإن رفع ضرائب الانتاج غير المباشرة على التبغ ثلاثة أضعافها في جميع أنحاء العالم قد يكون السبيل الوحيد لتحقيق هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 للحد من الوفيات الناجمة عن الأمراض غير المعدية بنسبة 30 في المائة!
انضم إلى النقاش