عندما بدأنا العمل معاً بشأن الصومال، كانت الهشاشة والأزمات هي الكلمات الأكثر ارتباطاً بهذا البلد. لكن ما شهدناه في السنوات الأخيرة يروي قصة مختلفة وأكثر هدوءً، قصة عن القدرة على الصمود والإصلاح ووضع أسس ثابتة ومتينة لمستقبل أفضل.
من خلال تبادل وجهات نظرنا المختلفة - كريستينا في شرق أفريقيا وعبد الرحمن في واشنطن بالولايات المتحدة- وجدنا طرقاً لتقريب المسافات وتجاوز المناطق الزمنية وفروق التوقيت والتغلب على التحديات. ومع مرور الوقت، نجحنا في تحقيق التناغم المطلوب من خلال تنظيم اجتماعات شهرية منتظمة، وإجراء محادثات صادقة ومفتوحة، وتبادل آخر المستجدات. كما عملنا على التعرف على مواطن الخلل والإحباط، وخلق الآمال في إقامة شراكة قوية بين فرق عمل البنك الدولي ودولة الصومال، مبنية على أساس متين من الثقة.
إن التحول الذي يشهده الصومال ليس مجرد شعارات تتصدر صفحات الصحف ووسائل الإعلام، بل هو نتاج قوة المثابرة والجد والاجتهاد.
بناء الأنظمة وتدعيم المؤسسات
الدروس الكبرى التي تعلمناها من الصومال هي أن التغيير الحقيقي يبدأ بتعزيز الأنظمة والهياكل التي تدعم ترابط الدولة وتفعيل دورها. لكن على الرغم من أن تعزيز إدارة شؤون المالية العامة، وتعظيم الاستفادة من أنظمة ومقومات الدولة، والاستثمار في القدرات المؤسسية لم يكن الجزء الأكثر بروزاً وبريقاً فيما تم القيام به من أعمال وأنشطة، لكنه كان ضرورياً للغاية.
لقد شهدنا بأنفسنا كيف أن الإصلاحات في تعبئة الإيرادات، والحوكمة المالية، وإدارة العملة والنقد لم تكن مجرد عمليات فنية، بل كانت خطوات حيوية في بناء الدولة. جدير بالذكر أن كل تحسين في أنظمة وهياكل ومقومات الدولة قد ساهم في تقديم خدمات أفضل، فضلاً عن تعزيز الثقة، وتدعيم العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة.
كما يمكننا القول أن البنك المركزي الصومالي يُعتبر مثالاً قوياً على هذا التحول. فإلى جانب الإصلاح الجاري لدعم قيمة العملة في الصومال استقرارها، وهو إنجاز كبير في حد ذاته، قام البنك المركزي باستحداث هياكل مؤسسية جديدة لتعزيز الحوكمة والرقابة والاستقرار المالي.
ويجري الآن طرح منتجات وخدمات جديدة لتوسيع نطاق الوصول إلى الأنظمة المالية الرسمية، بما في ذلك الأطر العامة التي تنظم إصدار التراخيص للبنوك ومقدمي الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول. هذا وقد ارتفع مستوى تقديم الخدمات، مع زيادة شفافية العمليات، ومشاركة العملاء على نحو أفضل، وقوة الرقابة التنظيمية. وتمثل هذه التحولات معالم فنية من شأنها استعادة ثقة الجمهور وإرساء الأساس لقطاع مالي أكثر شمولا.
البناء التدريجي لقدرة الصومال على تحقيق الصمود والاستقرار المالي: الهدوء والثبات والأثر الدائم.
قدرة المجتمعات المحلية على الصمود على أرض الواقع
لقد وجدنا في عزم وتصميم المجتمعات المحلية في الصومال على تحقيق طموحاتها دافعاً ملهماً لنا لتقديم يد العون والمساندة.
في منطقة بايدوا، شاهدنا لجان إدارة المياه التي تقودها نساء تتولى مسؤولية مشروع بيول للمياه. هذا المشروع يوفر المياه النظيفة لآلاف من الأسر المعيشية على نحو يحافظ على كرامتهم. وفي مقديشو، أظهر لنا رواد الأعمال الشباب في مجال التكنولوجيا كيف يمكن للابتكار الرقمي أن يساهم في التغلب على التحديات الصعبة في مجال الرعاية الصحية والخدمات اللوجستية. وفي غاروي، رأينا كيف أن الطرق الجديدة، التي يدعم إقامتها البنك الدولي في إطار مشروع بناء قدرة المناطق الحضرية في الصومال على الصمود، ساعدت على ربط الأسر والشركات بخدمات النقل والمواصلات مما ساعد على توفير فرص العمل.
لم تكن هذه القصص منفردة أو من وحي الخيال، بل لمحات من حقيقة أكبر ألا وهي: الصوماليون لا ينتظرون التغيير، بل يبادرون به، في ظل أصعب الظروف.
التعليم والمرأة والشباب على رأس الأولويات من أجل التقدم
نظراً لأن أكثر من 70% من سكان الصومال تقل أعمارهم عن 30 عاما، فإن الاستثمار في التعليم والمهارات ليس مهما فحسب، بل هو حتمية وجودية. فمن خلال مشروع التعليم من أجل تنمية رأس المال البشري في الصومال الذي يدعمه البنك الدولي، تمكن نحو 100 ألف طفل (نصفهم من الفتيات) من الالتحاق بالمدارس. هذا المشروع يركز أيضاً على تدريب المعلمين، وحوكمة المدارس، ودعم بيئات التعلم المراعية للمساواة بين الجنسين.
تؤدي النساء دوراً محورياً في هذا التحول، باعتبارهن مربيات ومتخصصات في مجال التربية والتعليم وقائدات ونماذج يحتذى بها على المستوى المجتمعي. فخلال زياراتنا للمشروع، التقينا بشابات يقودن حلقات محو الأمية في مخيمات النازحين، والعمل على تمكين الآخرين من أسباب القوة من خلال تقديم المعرفة وبناء الثقة. كما رأينا معلمات يوجهن الفتيات في المدارس الريفية، ورائدات أعمال يلهمن الجيل القادم كي يحلم بالارتقاء والتقدم.
التقينا أيضاً بفتيان في سن المراهقة في منطقة كيسمايو يتعلمون البرمجة وتكنولوجيا المعلومات لتأسيس شركاتهم الخاصة، كما التقينا فتيات في منطقة هرجيسة يتفوقن في مواد العلوم والرياضيات، ولديهن القوة والعزم لتحطيم الحواجز والانطلاق إلى مجالات أرحب. وما كان لافتاً للنظر أن شباب الصومال - والنساء في المقدمة - عاقدون العزم على بناء مستقبل يختلف اختلافاً كبيراً عن ماضيهم.
بناء الشراكات وتنسيق الجهود بين أصحاب المصلحة والأطراف المعنية وريادة الصوماليين
أصبح التقدم في الصومال ممكناً بفضل مزيج فريد من الإصلاحات التي يقودها الصوماليون، والأنشطة والبرامج المستدامة من جانب المانحين، والتنسيق الديناميكي بين أصحاب المصلحة والأطراف المعنية. من خلال الأنشطة والبرامج والمشاريع المتميزة، بالإضافة إلى الحوار المستمر والهادف، نجحنا في جمع مختلف الأطراف الفاعلة حول رؤية مشتركة. شمل ذلك الهيئات الحكومية، وشركاء التنمية، وقادة القطاع الخاص، والمجتمع المدني. ورأى الكثيرون أن الصومال لن يصل إلى نقطة الإنجاز في إطار المبادرة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون بسبب هشاشة أوضاعه، لكن ثبت خطأ ذلك من خلال التنسيق القوي والاستعداد والرغبة والإرادة الحرة والالتزام الراسخ على جميع المستويات.
التزمت الحكومة بمبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، وتم دعم هذا الالتزام بمساعدات فنية وتمويل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والشركاء. وكان للتضامن الأفريقي دور فاعل أيضاً، حيث تعلم الصومال من تجار البلدان المماثلة له على المستوى الإقليمي.
استشراف المستقبل
لا نريد المبالغة في رسم صورة وردية، فمسيرة الصومال لا تزال حافلة بالتحديات الجسام، ولا تزال المخاطر الأمنية، والصدمات المناخية، والاحتياجات الإنسانية، وبيئة التمويل العالمية التي يكتنفها عدم اليقين كلها عقبات حقيقية. لكننا أيضا لا نريد أن يمر هذا التقدم الهادئ مرور الكرام، فقد أثبت الصومال أن الهشاشة ليست قدراً محتوماً من خلال جهوده التي انطلقت من أنظمة أكثر تطوراً للاستجابة للكوارث إلى حوكمة أكثر قوة على صعيد المالية العامة.
بعد انتخاب الصومال لشغل مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2025-2026، نأمل أن يتمكن العالم من تجاوز الخطاب التقليدي، والاعتراف ببلد عقد العزم على كتابة فصل جديد في تاريخه.
وفي الختام، يشرفنا أن نكون جزءاً من هذه المسيرة إلى جانب الزملاء والقادة والمجتمعات المحلية في الصومال. ونتطلع إلى تحقيق المزيد من التقدم والنهضة لهم في المستقبل.
انضم إلى النقاش