في الوقت الذي تحتفل فيه مجموعة البنك الدولي بعددها الخامس عشر من مطبوعتها الرئيسية المعنونة "ممارسة أنشطة الأعمال"، تواصل موريتانيا ازدهارها كأحد أكثر البلدان تنفيذا للإصلاحات في سياسات مناخ الاستثمار. وقد أبرز تقرير عام 2016 موريتانيا ضمن أول عشرة بلدان تنفيذا للإصلاحات في العالم، ويظهر التقرير الحالي لعام 2018 أن أداء موريتانيا يتفوق على المتوسط الإقليمي.
وبعد أن شهدت تراجعا في الفترة بين عامي 2010 و 2014، واصلت موريتانيا باطراد تحسين أدائها في تسهيل ممارسة أنشطة الأعمال. ويظهر الشكل 1 كيف كانت سلسلة الإصلاحات، على مدى ثلاث سنوات فحسب، التي بدأت بدأب في عام 2015 عاملا رئيسيا في مساعدة البلاد على القفز 26 مركزا على نحو مثير للإعجاب لتنتقل من الترتيب 176 عام 2015 إلى الترتيب 150 هذا العام 2018.
قفز ترتيب موريتانيا على مؤشر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال عشرة مراكز العام الماضي بفضل سلسلة من الإصلاحات الشاملة التي تنفذها الحكومة في بيئة الأعمال منذ عام 2014، وهو إنجاز مثير للإعجاب. علاوة على ذلك، تجاوزت موريتانيا في هذا العام 2018 المتوسط الإقليمي في مدى اقترابها من الحد الأعلى للكفاءة في الأداء، لتتقلص من 47.21 إلى 50.88.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة، نفذت الحكومة 12 إصلاحا رئيسيا تتعلق بإجراءات تأسيس الشركات، والحصول على الائتمان، والتجارة عبر الحدود، ودفع الضرائب، وتسجيل الملكية، خمسة منها في العام الماضي.
وأدخلت الحكومة تعديلات جوهرية على الأطر التنظيمية، لاسيما بدمج العديد من إجراءات التسجيل، وزيادة الشفافية في تسجيل الأراضي، واتخاذ سلسلة من الخطوات بميناء نواكشوط لتبسيط الإجراءات، ونشر جميع الأحكام في القضايا التجارية على الموقع الإلكتروني للمحكمة المتاح للجمهور.
وكان هذا العام قياسيا كذلك بالنسبة لمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الأوسع نطاقا. إذ أجرت البلدان الأفريقية 83 إصلاحا من إجمالي 264 إصلاحا سجلها تقرير ممارسة النشاط ممارسة أنشطة الأعمال على مستوى العالم في عام 2018، وذلك تأتي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في المرتبة الأولى من حيث إصلاح مناخ الاستثمار. وتتصدر موريتانيا المنطقة. فهي واحدة من بين 13 بلدا طبقت خمسة إصلاحات كبرى أو أكثر، وكما يبين الشكل 2، فإنها أيضا تبلي بلاء حسنا بالمقارنة بجيرانها في المغرب العربي.
تثبت أجندة الإصلاحات المثيرة للإعجاب في موريتانيا التزام الحكومة القوي والثابت بتحسين مناخ الاستثمار وتنمية القطاع الخاص. وخلال تدشينه التقرير بنواكشوط، أشاد لوران مسيلاتي مدير مكتب البنك الدولي في موريتانيا، بالتقدم الذي أحرزته الحكومة وهنأ وزير المالية بشكل خاص على جهوده في إضفاء الصفة الرسمية على قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وتوسيعه، فضلا عن تشجيع الاستثمارات الخاصة. وصرح مسيلاتي بأن "هذين الجانبين من الإصلاحات أساسيان لإيجاد الوظائف التي تشكل السبيل المباشر والأكثر استدامة لانتشال المواطنين من براثن الفقر."
وبالروح نفسها، قال فاهين أليبهوي، الممثل الإقليمي لمؤسسة التمويل الدولية المعني بالسنغال وموريتانيا وغامبيا وغينيا بيساو والرأس الأخضر، "تشهد هذه الأرقام على العمل الاستراتيجي الدائم للحكومة في تحسين مناخ الأعمال، وتشجيع الاستثمار، وإتاحة فرص أفضل للقطاع الخاص في الاقتصاد الموريتاني."
لكن أليبهوي حذر من إغفال الإجراءات الأخرى التي ينبغي اتخاذها في البلاد. فهناك مسارات شتى لتعزيز هذه الإصلاحات وتحسين قدرة موريتانيا على المنافسة بشكل عام. وهذا يتضمن إعادة تعزيز الآليات المؤسسية- كاللجان الوزارية، ومنابر الحوار بين القطاعين العام والخاص- التي تضمن استمرارية الإصلاحات، وتبني إجراءات لتحديث إدارة الممتلكات والضرائب، فضلا عن حماية استثمارات القطاع الخاص. ولتعظيم الأثر والاستدامة، فمن الأهمية بمكان أيضا مشاركة جميع المعنيين في عملية الإصلاح، بما في ذلك، والأهم، القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي والمجتمع المدني.
وإبرازا لالتزام موريتانيا المستمر بتحسين القدرة التنافسية للبلاد، قال مختار ولد أجاي وزير الاقتصاد والمالية الموريتاني، "رغم هذا الإنجاز والمكاسب التي أحرزت، فلن نركن إلى ما حققناه لأن بلوغ القمة ليس هو الأصعب، بل بالأحرى الحفاظ عليها. إن هدفنا على المدى القريب هو أن نكون من بين أفضل 100 بلد في العالم من حيث الأداء بتوفير مناخ للأعمال جاذب حقيقة للاستثمار."
إن التقدم الذي أحرزته موريتانيا ليس فقط نتيجة للإصلاحات الأخيرة، بل نتيجة التحول الذي تشهده جميع جوانب الاقتصاد والقطاع العام. وإذا كان للبلاد أن تبلغ الهدف الطموح الذي أشار إليه الوزير، فإن الخطوة الأساسية التالية هي أن تقوم بدقة بتحديد واستهداف المصاعب ونقاط الاختناق الأكثر إلحاحا، خاصة في القطاع الخاص الرسمي الذي توقف نموه تاريخيا في موريتانيا.
ومن خلال الإقراض والخدمات الاستشارية، ستواصل مجموعة البنك الدولي دعم حكومة موريتانيا وهي تسعى لتحقيق هذه الأجندة الطموحة لتقوية القطاع الخاص.
ولا شك أن التقدم الحقيقي يتحقق عندما تلتقي العديد من عوامل الدفع مثلما حدث في موريتانيا: حكومة متحمسة، وتقديم الحوافز الحقيقية للأطراف الفاعلة، وإفساح المجال أمام أنشطة القطاع الخاص، ومستويات الالتزام بالإصلاحات التي لم تسمع عنها البلاد من قبل.
انضم إلى النقاش