نشر في أصوات

قصص التنمية باستخدام تقنية الواقع الافتراضي

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English | Español
Image
روبيني فاتوغاتا البالغ من العمر 75 عاما مع زوجته لوسينا، يشاهدان حكايتهما في فيلم واقع افتراضي 360 درجة (توم بيري/البنك الدولي)


إذا كان عليّ أن أصف طبيعة عملي في كلمات مقتضبة أقول إنني أروي قصصا عن مشروعات المعونة في منطقة المحيط الهادئ.

لكنني حينما أتأمل ذلك- أرى أن عملي يتعلق أكثر بإثارة التعاطف. فأنا أجد القصص التي يرتبط الناس بها، وأحاول أن أحكيها قدر استطاعتي بحيث تثير مشاعر العطف والرَأفَة والترابط، وأن تدفع الناس في نهاية المطاف إلى التحرك بشكل ما.

بيد أن هذا القول أيضا يشوبه بعض الخلل. فعندما يحكي الناس قصة، فإننا نركز –في الغالب بدون قصد- على الجمهور المستهدف، أي الشخص الذي سيستهلك ويشاهد ويقرأ أو يستوعب القصة التي نحكيها.

بمعنى آخر: أين الشخص موضوع القصة التي حالفني الحظ بروايتها من هذا القول؟ بمجرد الانتهاء من تصوير اللقطة الأخيرة وترقيمها، وتسجيل آخر فقرة ونسخها وتنسيقها؛ ماذا يحدث للشخص الذي فتح صدره لكي يعلم الجميع حكايته؟

"موطننا، أهلنا"

في منتصف العام الماضي، حالفني الحظ بأن أتيحت لي الفرصة لرئاسة مشروع مشترك بين البنك الدولي وحكومة فيجي للمساعدة في تعريف العالم بقصة فيجي مع تغير المناخ. يتضمن فيلم "موطننا، أهلنا" (www.ourhomeourpeople.com) سردا باستخدام برنامج الواقع الافتراضي 360 درجة وفيديوهات وصوت وموقع إلكتروني ومعرض للصور وعشرات الصور الفردية. الغاية منها هي سرد القصص الإنسانية التي تقف خلف التقرير المعنون "تقييم قابلية التأثر بالتغيرات المناخية في فيجي"؛ وهو تقرير أنتجته حكومة فيجي والبنك الدولي ويتناول تفاصيل جديدة مهمة عما يعنيه تغير المناخ حقيقة لاقتصاد فيجي.

وقد قصدنا من هذه الدعوة إلى زيادة الاستثمار في تدابير التكيف مع تغير المناخ في الوقت الذي كان زعماء العالم ومتخذو القرار يولون اهتماما كبيرا بمنطقة المحيط الهادئ، بينما كانت فيجي تتولى رئاسة الدورة الثالثة والعشرين من مؤتمر المناخ الدولي (مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ) - وهي المرة الأولى التي تتولى فيها دولة جزرية صغيرة مثل هذا الدور العالمي الكبير.

كانت حكاية "موطننا، أهلنا" ناجحة بكل المقاييس. فقد شاهد أكثر من 600 ألف شخص فيلم 360 واقع افتراضي سواء على الإنترنت أو شخصيا خلال مناسبات أقيمت في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك اجتماعات الدورة الثالثة والعشرين من مؤتمر المناخ الدولي في بون بألمانيا في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد تم عرضه في مهرجانات سينمائية في العديد من مناطق العالم ورشح ضمن التصفيات المبتكرة النهائية في جوائز الأمم المتحدة للعمل من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ولكن الأهم هو أنه شاهدته طائفة من زعماء العالم الذين يتمتعون بسلطة التأثير على سياسات تغير المناخ والاستثمار، ومن بينها مبعوث الأمم المتحدة الخاص المعني بتغير المناخ الذي عُين مؤخرا، مايكل بلومبيرغ، وكذلك رئيس وزراء فيجي فرانك باينيماراما الذي يرأس الدورة الثالثة والعشرين من مؤتمر المناخ الدولي والذي قال للجمهور خلال العرض الأول للفيلم في فيجي:

"شاهدت الفيلم لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني خلال تلك الأيام المزدحمة في بون، وكان من بين الأشياء التي أدهشتني نجاح الفيلم في توصيل الرسالة التي طالما سعينا إلى عرضها على العالم بشأن تغير المناخ؛ وأننا نحن الفيجيون لا نقف متفرجين ومعترفين بالواقع المناخي، بل إننا بالأحرى نتحلى بالصمود ونتكاتف جميعا بروح "أحب لأخيك ما تحب لنفسك" – لدعم بعضنا بعضا. وبناء مجتمعاتنا في خضم هذه التحديات....إنني أنصح أكبر عدد من الفيجيين بمشاهدته لأنه بالفعل فيلم رائع."
 

Image
مبعوث الأمم المتحدة الخاص المعني بتغير المناخ، مايك بلومبيرغ، يشاهد "موطننا، أهلنا" خلال الدورة الثالثة والعشرين من مؤتمر المناخ الدولي (الصورة من: أمانة الدورة الثالثة والعشرين).

قصة أصيلة من فيجي

كان هذا المشروع بمثابة ثمرة للحب بين مجموعة متنوعة من الأشخاص الموهوبين الرائعين الذين ساعدوا على إنتاجه. لقد آمن كل فرد في الفريق بشدة بقيمة القصة في خضم هذا العمل، ولكن الأهم، هو أننا جميعا نعلم أنه بالنسبة لنا، لم تكن تلك قصتنا. فهذه كانت- ومازالت- قصة فيجية يحكيها مواطنون فيجيون. وقد كان هناك أفراد من دول أخرى في الفريق، وأنا منهم، يمهدون السبل للآخرين لكي يقصوا حكايتهم ويسمعها الناس ويشاهدونها ويعيشوها- وهي إحدى مزايا الواقع الافتراضي.

ولكن على الرغم من قتامة الوضع العالمي بشكل عام بشأن تغير المناخ، فإن مثل هذه القصص تحكي عن القوة والصلابة والصبر والجذور العميقة للمجتمع المحلي؛ وهو ما عبر عنه بطلاقة روبيني في الفيلم عندما تحدث عن حب الخير للآخر بالأفعال.
 

Image
© توم بيري / البنك الدولي

العودة

انطلاقا من هذه الروح، أتيح لثلاثة من بيننا عملوا في المشروع- ألانا هولمبرغ، وكين كوكاناسيغا وأنا- الفرصة للعودة إلى التجمعات المحلية في فيجي حيث أنتجنا هذا المشروع الخاص وأنهيناه بالشكل اللائق. ورغم مزايا التكنولوجيا (هناك تغطية بشبكة محمول من الجيل الثالث قريبة نسبيا من كل تجمع من التجمعات المحلية التي كانت جزءا من هذا الفيلم) حيث أردنا ضمان أننا قد أعدنا هذا المشروع مرة أخرى إلى المجتمعات المحلية التي شاركت فيه.

وكما أشارت أريتا ريكا، كاتبة المشروع والمستشار الثقافي في تأملاتها القلبية للمشروع، فإن العودة ترمي إلى الإعراب عن التقدير وإتمام المشروع. والأمر يتعلق إلى حد كبير بعرض نتائج ما بذل من وقت وجهد في المشروع على الناس فضلا عن إظهار امتناننا ببساطة لكل من: أسميتا وكاتالينا وراي وروبيني وعائلاتهم ومجتمعاتهم لترحيبهم بنا في حياتهم ومشاركتنا آمالهم ومخاوفهم وحكاياتهم والكثير من الضحك.

هذا الفيديو سيعيدك معنا إلى هناك.

 


نقل هذا المشروع إلى وطنه كان تجربة خاصة ونادرة، وتمثل جانبُ كبيرُ من هذا في التواجد هناك لرصد رد فعل كل شخص. فقد كرس كل منهم الكثير لذلك، ولذا كانوا متشوقين أيضا لمشاهدته.

وكما ترى، كان هناك الكثير من الضحك والابتسام والقليل من الدموع أيضا. وقد كان لرد فعل روبيني وزوجته لوسينا وقع خاص بالنسبة لي. وكان روبيني بالنسبة للمشروع بمثابة رجل الدولة الحكيم، وحكايته هي أكثر الحكايات التي تعلقت بها شخصيا. فقد علمني، وبالتأكيد علم كثيرين غيري، من خلال كرمه ووده وصراحته، ومن حبه للآخر وما يعنيه أن يكون المرء حقيقة جزءا من المجتمع. لن أنسى كلماته بعد أن رفع السماعات من على أذنيه.

"لا أعلم متى سأموت.. ولكن، بني، هذه هي تركتي والحقيقة الباقية."

إنني أشعر بالارتياح عندما أتيقن من أننا وفيناه حقه.

Image
© توم بيري / البنك الدولي

"وهم" محزن؟

سيكون من الزيف ادعاء أن رد الفعل كان إيجابيا ومشجعا في كل الأحوال. فبينما كان هناك شعور بالفخر لدى كل شخص مشارك لكونه كان جزءا من شيء له خصوصية صادقة، كان لدى البعض أيضا، ومنهم ماريا، والدة كاتالينا، إحساس بأن القصة "حزينة للغاية". قالت لنا ماريا إنها شعرت بالحزن لأن الفيلم لم يعكس بالشكل اللائق واقعها ولا واقع أسرتها. قالت "إن الناس ستعتقد أننا فقراء."

لا شك أن سماع هّذا من ماريا قد هز ألانا، كما هزني أنا بشكل خاص. فهل أسأنا التعبير عن ماريا وكاتالينا ومجتمع فونيسافيزافي؟

ربما. أم أن الشعور بالحاجة إلى خطاب ملائم للجمهور العالمي بما يستحث التعاطف الكافي لتحفيز التحرك هو الذي أثر على عملية السرد؟

ممكن. إذا لم تكن قد شاهدت الفيلم بالفعل، فإنني بالتأكيد أهيب بك مشاهدته وقراءة المزيد عن قصة فونيسافيزافي لنفسك ومشاركتنا رأيك.

تحدي إحداث فروق طفيفة في عالم يتصف بقلة التركيز

هذا هو التحدي الذي يواجهنا نحن من ائتمنوا على نشر قصص الآخرين في أي سياق. فالحاجة لإحداث فروق طفيفة وإضافة مزيد من التعقد والعمق في هذه القصص هي ما يحركنا جميعا نحن معشر الذين يمتلكون ميزة نشر قصص الآخرين على نطاق جمهور أوسع؛ فرغم ضغوط الالتزام الزمني وضيق نطاق الاهتمام -وفي بعض الأحيان تنافس أو تنافر الرؤى، ينبغي علينا مواصلة دفع أنفسنا نحو محاكاة القصص التي نسمعها بأقصى قدر ممكن.

ومن جانبي أرى أن هذا يعد بمثابة تشجيع لنفسي- ولكل من حالفه الحظ بالعمل في الاتصالات الإنمائية- ينبغي أن نتفانى في عملنا. وينبغي كذلك أن نقضي وقتا إضافيا أو نحو ذلك لفهم القصة عن حق. ولإدراك قناعاتي – أو قناعاتك- وتصوراتك المسبقة وبذل أقصى جهدنا لتحديها. ولفهم أن الطريقة التي يحكي بها شخص ما قصته في يوم قد تكون مختلفة عن حكايته لها في اليوم التالي. ولإدراك أن الحكاية التي تأتي لترويها لنا ليست في كثير من الأحيان هي التي ستغادر بها.

كما أنه يشكل تحديا أمام من يطلبون أعمالا قصصية عن التنمية أو يدعمونها، ذلك لأن القصص الجيدة تحتاج إلى وقت لروايتها بشكل جيد. أنت لا يمكنك أن تسرع وتجري مقابلات وتصور في يوم أو يومين، ثم تحدث فراقا طفيفا أو تضيف تعقيدا للقصة. فهذه الأمور تستغرق وقتا لإنجازها وكثيرا ما تكون ممكنة عندما تترسخ الثقة الحقيقية. وسيستمر هذا التحدي في تحفيزي أنا وكثير من الناس على أن نروي قصصا أفضل وأكثر عمومية رغم ضغوط الالتزام الزمني ومتطلبات التحرير/الإنتاج.

 

Image
© توم بيري / البنك الدولي

ومع اقتراب هذا المشروع الخاص في فيجي من نهايته، فإن الأهم من كل شيء ومن "المنتج النهائي" الذي بات بين أيدينا (الفيلم، الصور، القصص) هي العلاقات التي أقمناها. فالعلاقات مع راي وفا، وروبيني ولوسينا وأسميتا ومجتمع فونيسافيزافي هي التي تهم حقيقة.

وفيما نبعد بالسيارة في صمت عن فونيسافيزافي في أخر ليلة لنا بعد الكثير من أحضان الوداع والضحك والدموع، أدركت أنه كلما زاد عدد مرات الوداع بهذه الطريقة في مجال عملنا، كلما زاد الدليل على أننا أخلصنا تماما في تكريس الوقت والاهتمام برواية القصة بالشكل اللائق.

هذا المشروع لم يكن ليرى النور لولا جهود وإبداع وحماس الأفراد التالية أسماؤهم: أرييتا ريكا، مؤسس قصص تالانوا، وتاش تان ونيكي تونبيتشا من مؤسسة S1T2 المتخصصة في تكنولوجيا صناعة القصص والتي تتخذ من سيدني مقرا لها، وألانا هولمبرغ، المصورة الفوتوغرافية والتلفزيونية، والمصور السينمائي جوش فلافيل، والمصممين ليني فاغافا وهايدي رومانو، وجورج ناسيوا من منظمة 350، وكيم كوكاناسيغا، المنسق السابق للحوار في فيجي بالاشتراك مع زملائي في البنك الدولي كارا موييس وإيكا فاكاسيغو ياباكي.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000