نشر في أصوات

أسباب أهمية عدم المساواة الاقتصادية بالنسبة للتنمية

الصفحة متوفرة باللغة:
أسباب أهمية عدم المساواة الاقتصادية بالنسبة للتنمية مصدر الصورة: © دومينيك شافيز/البنك الدولي.

هل عدم المساواة الاقتصادية مهم بالنسبة للتنمية؟ هذا السؤال طرحناه على طاولة النقاش في فعالية عُقدت مؤخراً ضمت نخبة من الخبراء والممارسين الدوليين. وكان من بينهم إندرميت غيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي، الذي أجاب قائلاً: "كيف لا؟ إذا نظرنا إلى جوانب عدم المساواة – مثل عدم تكافؤ الفرص وعدم المساواة في الدخل والثروة والسلطة - فسنجده بالغ الأهمية. وقد يلحق ضرراً بالغاً بالتنمية، إذا كان مرتفعاً للغاية أو بلغ مستوى لا يمكن السيطرة عليه. ولكن السؤال الحقيقي هو: ما العمل حيال ذلك؟ وهل غالباً ما يكون الدواء أصعب من الداء؟"

ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى عدم المساواة الاقتصادية في بلدٍ ما إلى الحد من قدرة مواطنيه على ارتقاء السلم الاجتماعي والاقتصادي، ومن ثم إبطاء التقدم نحو تحقيق النمو واسع النطاق والقضاء التام على الفقر. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي خفض المستويات المرتفعة من عدم المساواة إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتعزيز رأس المال البشري، وتسريع وتيرة الحد من الفقر.

ونعلم أن معالجة عدم المساواة الاقتصادية أمر أساسي لتعزيز الرخاء المشترك وتحقيق الأهداف الإنمائية الرئيسية. ولكن متى يصبح مستوى عدم المساواة مرتفعاً للغاية؟ وما هي الحلول الفعالة على مستوى السياسات؟

طريقة رصد البنك الدولي لعدم المساواة الاقتصادية

في سعينا للتصدي الفعال لعدم المساواة الاقتصادية، فإننا نحتاج أولاً إلى قياسه بدقة. وتقدم منصة البنك الدولي المعنية بالفقر وعدم المساواة تقديرات مؤشر جيني - وهو مقياس لكيفية توزيع الدخل أو الاستهلاك على نحو متساو (أو غير متساو) بين السكان - لما يبلغ 172 بلداً تغطي نحو 98% من السكان على مستوى العالم. وتسهم هذه الأداة القيّمة في تقييم مستوى عدم المساواة الاقتصادية في هذه البلدان. وأحد أسباب اختيارنا لمؤشر جيني هو تاريخه الطويل من الاستخدام والمعرفة به لدى شريحة واسعة من الجمهور.

وتشكل البيانات المستقاة من هذه المنصة الأساسَ لمؤشر عالمي جديد أطلقناه في عام 2024 في إطار بطاقة قياس الأداء المؤسسي لمجموعة البنك الدولي وهو: عدد البلدان التي تعاني من ارتفاع مستوى عدم المساواة، والتي تُعرف بأنها تلك التي تتجاوز 40 درجة على مؤشر جيني. وتظهر أحدث البيانات أن أكثر من واحدٍ من كل أربعة أشخاص يعيشون في بلدان تعاني من ارتفاع مستوى عدم المساواة، وأن هذه البلدان تتركز بشكل رئيسي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.

التحديات المتعلقة برصد عدم المساواة الاقتصادية

مؤشرنا، على الرغم من فائدته، ليس سوى واحدة من وسائل متعددة لقياس عدم المساواة الاقتصادية، ولكل وسيلة حدودها. ففي حالة منصة الفقر وعدم المساواة، على سبيل المثال، تعتمد التقديرات على بيانات المسوحات الأسرية التي غالباً ما تحتوي على تمثيل ضعيف للفئات الأشد فقراً في توزيع الدخل بسبب القصور في الإفصاح عنها أو عدم الاستجابة والمشاركة في هذه المسوحات.

ويتفاوت معدل تواتر البيانات أيضاً، حيث تقوم بعض البلدان بتحديث تقديراتها سنوياً، بينما تقوم بلدان أخرى بتحديث تقديراتها بمعدل أقل تواتراً. وعادة ما تقوم بلدان أمريكا اللاتينية والعديد من البلدان مرتفعة الدخل باستخدام البيانات الخاصة بالدخل المتاح للإنفاق، في حين تعتمد بلدان أخرى - معظمها من البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل - على بيانات الإنفاق الاستهلاكي، ويرجع ذلك أساساً إلى توافر هذه البيانات.

وهناك عوامل أخرى يمكن أن تجعل من الصعب المقارنة الدقيقة بين تقديرات عدم المساواة بين البلدان. وتقوم بعض البلدان بمراعاة فروق الأسعار بين المناطق الريفية والحضرية عند حساب الدخل أو الاستهلاك الحقيقي للأسر؛ والبعض الآخر لا يفعل ذلك. كما قد تنشأ مشكلات في قابلية المقارنة مع مرور الوقت، حيث تقوم البلدان بتغيير تصميم المسوحات الاستقصائية الأسرية والمنهجية التي تقوم عليها.

وفي السنوات الأخيرة، بُذلت جهود لسد مثل هذه الفجوات، مثل الجمع بين مسوحات الأسر والسجلات الضريبية أو غيرها من البيانات الإدارية. ولكن البيانات المتعلقة بضرائب الدخل الشخصي الشاملة غالباً ما تكون محدودة في البلدان غير البلدان مرتفعة الدخل.

الاستثمار في تحسين البيانات لتعزيز وضع السياسات

من شأن توافر بيانات أكثر دقة وإحكاماً في توقيتها أن يسهم في تحسين كيفية قياس ورصد عدم المساواة الاقتصادية، وهو أمر بالغ الأهمية لوضع سياسات أفضل.

ويتعاون البنك الدولي بصورة جدية مع البلدان لتحسين جودة البيانات المرتبطة برصد مستويات المعيشة لديها. ويشمل هذا التعاون إقامة شراكات قوية مع الأنظمة الإحصائية الوطنية، وتوسيع نطاق استخدام البيانات الضريبية والإدارية لسد فجوات البيانات، واستخدام أساليب مبتكرة لتحسين مستوى رصد توزيع الدخل والثروة.

على سبيل المثال، وفي إطار العملية الحادية والعشرين لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، وهي صندوق مجموعة البنك الدولي المخصص لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، فإننا ملتزمون بمساعدة 30 بلداً من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة على الاستثمار في مسوحات الأسر، وتمكينها من تصميم سياسات أفضل تستند إلى الشواهد والأدلة.

إن رسالة البنك الدولي المتمثلة في القضاء على الفقر وتعزيز الرخاء المشترك على كوكب صالح للعيش تتصور عالماً لا يقتصر على نموٍ قوي فحسب، بل واسع النطاق أيضاً. وهذا يعني شمول جميع الأفراد من جميع مستويات الدخل على نحو منهجي، وخاصةً الواقعين منهم في أدنى سلم التوزيع.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، علينا فهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم المساواة الاقتصادية. ويتطلب هذا الأمر توافر بياناتٍ أفضل، وشراكات أقوى، وحواراً مفتوحاً. ومع أن التحديات لا تزال قائمة، سيظل التزامنا بوضع السياسات القائمة على الشواهد والأدلة والتعاون هو المُوجِّه لجهودنا لنضمن أن يعود النمو بالنفع على الجميع وألا يتخلف أحد عن الركب. 


لويس فيليب لوبيز-كالفا

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للفقر والإنصاف بالبنك الدولي

ديون فيلمر

مدير مجموعة بحوث التنمية، البنك الدولي

هايشان فو

رئيسة الخبراء الإحصائيين بالبنك الدولي ومديرة مجموعة بيانات التنمية

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000