بصفتي باحثا في مجال وسائل الأمان بالسيارات، كثيرا ما يسألني الأصدقاء في الولايات المتحدة: "ما هي أكثر السيارات أمانا لكي أشتريها؟" من ناحية أخرى، لم يحدث أن وجه لي أصدقائي وأسرتي في الهند هذا السؤال. فالسيارات تباع بفضل ماركاتها وما تتمتع به من وسائل الراحة ومعدلات استهلاكها للوقود، وليس بفضل أدائها عند الاصطدام. ومع هذا، فقد أظهر التقدم التكنولوجي والإصلاحات التي طرأت على معايير الالتزام بالأمان في البلدان مرتفعة الدخل أن مستويات الأمان في السيارات يمكن أن تمنع وقوع الكثير من حالات الوفاة الناجمة عن حوادث السيارات. ورغم ما يبدو عليه هذا من طموح، فإن شركة فولفو الرائدة في مجال الأمان بالسيارات تصبو إلى تدشين "سيارة ضد الموت" بحلول عام 2020، مما يظهر بجلاء التزام إحدى الشركات بهذه المسألة.
ويعتبر التحسن في مستويات الأمان بالسيارة (بمعنى أمان السائق والراكب داخل السيارة، مقابل أمان المشاة والآخرين من مستخدمي الطرق) مكونا أساسيا للأجندة العامة للسلامة على الطرق: يموت 475 ألفا من ركاب السيارات سنويا في حوادث سير، وهو ما يمثل إجمالي ثلث الضحايا الذين يلقون حتفهم على الطرق. ونظرا لأن 90 في المائة من الوفيات على الطرق تقع في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فمن اللائق والمناسب مناقشة كيف يمكن لهذه البلدان أن تضمن تزويد أساطيلها من السيارات بمختلف وسائل الأمان، ثم جني الثمار مثلما يحدث في البلدان مرتفعة الدخل.
تقدير دور وسائل الأمان بالسيارات في تقليص عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق على المستوى العالمي
في عام 2004، أقر التقرير العالمي عن الوقاية من الإصابات الناجمة عن حوادث المرور، الذي شارك في وضعه البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، بأهمية الأمان في السيارات والقدرة على تحمل الصدمات في تخفيض حالات الوفاة على الطرق على مستوى العالم. ومتابعة لتوصياته، يدعو عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل السلامة على الطرق (E) للفترة من 2011 إلى 2020، بشكل خاص إلى اتخاذ إجراءات تشريعية على مستوى البلاد وتوحيد اختبارات الالتزام بمعايير الأمان بالسيارات. ودعما لذلك، فإن البرامج الموجهة للمستهلكين بشأن الأمان في السيارات ضد الصدمات (مثل البرنامج العالمي للتقييم الجديد للسيارة (E)ومثيلاتها الإقليمية في البلدان النامية: مثل برنامج تقييم السيارة الجديدة في أمريكا اللاتينية NCAP، وبرنامج تقييم السيارة الجديدة في الصين، وبرنامج تقييم السيارة الجديدة في دول جنوب شرق آسيا ASEAN NCAP) نجحت في زيادة الوعي العام وشجعت صناعة السيارات على وضع معايير عالمية للأمان تكون في متناول اليد في مختلف أنحاء العالم. ومع هذا، يظل التشريع الخاص بمعايير الأمان في السيارات على المستوى الوطني في أغلب البلدان إما منعدما تماما أو غير مطابق للمعايير العالمية مثل منتدى الأمم المتحدة العالمي لتوحيد اللوائح المتعلقة بالمركبات (E).
الأمان بالسيارات في مؤخرة أولويات أخرى في البلدان النامية
يميل واضعو السياسات في البلدان النامية إلى التغاضي عن قضية الأمان في السيارات. أولا، لأنها تعتبر أقل تأثيرا على إنقاذ حياة البشر مقارنة بالتدخلات الأخرى بشأن السلامة على الطرق. والآن، وعلى الرغم من أن 33 في المائة "فقط" من ضحايا حوادث الطرق يموتون داخل السيارات، على المرء أن يأخذ في الحسبان الاتجاهات الحالية للزيادة السريعة في أعداد السيارات والتوسع في الطرق السريعة في هذه البلدان. على سبيل المثال، استحوذت الصين وحدها على 60 في المائة من الزيادة في مبيعات السيارات على مستوى العالم خلال العقد الماضي. وسيواصل مستخدمو الطرق في هذه البلدان التنقل بسرعة أكبر وفي كثير من الأحيان في استخدام سياراتهم الخاصة- وهي كلها دلائل على زيادة إلحاح مسألة الأمان في السيارات.
وثمة عامل آخر يجعل أصحاب القرار يغفلون مسألة الأمان في السيارات ألا وهو تصور أن السيارات الجديدة ذات الأسماء التجارية الشهيرة آمنة بما يكفي في جميع البلدان. لكن للأسف، تثبت الأدلة عكس ذلك. فقد كشفت نتائج اختبارات القدرة على تحمل الصدمات التي أجراها برنامج تقييم السيارة الجديدة في أمريكا اللاتينية أن السيارات الجديدة التي بيعت في هذه المنطقة كانت متخلفة عشرين عاما من حيث مستواها التكنولوجي عند مقارنتها بموديلات أمريكية وأوروبية مماثلة (E) صنعتها نفس الشركة. وتضمنت الأسباب التهاون في سلامة هيكل السيارة والتغاضي عن الكماليات الخاصة بالأمان، مثل الوسائد الهوائية، لتكون السيارات أقل تكلفة. ولا تقتصر هذه المشكلة على السيارات: فسيارات الشحن والنقل العام تعاني من رداءة الصيانة ومخالفة معايير القدرة على مقاومة الصدمات.
في البلدان النامية، ينبغي أن تضاهي معايير الأمان في السيارات أولويات أخرى في النقل مثل الحد من الأثر البيئي والتكدس في المدن. وستفضل أسواق الغد الصاعدة السيارات الأصغر والأخف وزنا والأكثر متانة في الوقت ذاته. ولا ينبغي أن تتهاون هذه الخصائص في أداء الأمان للسيارة، لكنها تمثل حجة لضمان المطابقة لمواصفات الأمان مع بدء الجيل الجديد من السيارات في الانطلاق على الطرق السريعة.
دور منظمات التنمية
لمنظمات التنمية، المهتمة فعليا بالسلامة على الطرق، دور محوري ينبغي لعبه في تشجيع أجندة الأمان في السيارات من خلال نشر الوعي عن الحد الأدنى لمعايير الأمان في السيارات وبناء القدرة الداخلية على ضمان الالتزام بهذه المعايير داخل البلد. وسيقتضي ذلك المزيد من التعاون مع القطاع الخاص (صناعات التأمين والسيارات)، ومنظمات المجتمع المدني، والهيئات الحكومية لتقديم محفزات من أجل التغيير. ونظرا لبطء إيقاع التغيير التشريعي، ربما يكون الارتباط ببرامج تقييم السيارة الجديدة في أمريكا اللاتينية أو تطوير برامج الفحص المحلي للاصطدام وسيلة جيدة للانطلاق بهذه الجهود. وكما هو الحال بالنسبة للتدخلات الأخرى من أجل السلامة على الطرق، فإن هذا أيضا يمثل تحديا متعدد القطاعات لبناء القدرات يقتضي الالتزام والتنسيق من كل أصحاب المصلحة.
والأساس هنا هو أنه على الرغم من إهمال إمكانياتها إلى حد كبير في البلدان النامية، فإن مستوى الأمان الأفضل في السيارات هو واحد من المكاسب الأيسر التي ينبغي إحرازها في مجال السلامة على الطرق – ويمكن أن تساعد في منع حدوث الملايين من حالات الوفاة بدون داعي. لكن مستخدمي الطرق لن يتمكنوا من جني فوائد السيارات الأكثر أمانا إلا إذا اضطلع كل أصحاب المصلحة بدورهم، بما في ذلك هيئات التنمية.
تصوير: فاني فيسواناثان
انضم إلى النقاش