نشر في أصوات

النساء في عالَم العمل المُتغيِّر: المطلوب ليس مجرد زيادة الوظائف للنساء، وإنما أيضا تحسين نوعيتها

الصفحة متوفرة باللغة:
هذه المدونة متوفرة باللغات التالية: English
???? ???? / ????? ??????.
مازالت معالجة الفروق بين الجنسين في معدلات المشاركة في قوة العمل شاغلا رئيسيا
في العديد من البلدان، ولكن الأهم من ذلك التركيز على نوعية
الوظائف وفرص العمل المتاحة للنساء. الصورة: آرني هويل / البنك الدولي.

تحت شعار "النساء في عالم العمل المتغير: تناصف الكوكب 50/50 بحلول عام 2030" يُشدِّد الاحتفال باليوم الدولي للمرأة هذا العام على أهمية المساواة والتمكين الاقتصادي. فحينما تُتيح مختلف البلدان للنساء مزيدا من الفرص للمشاركة في الاقتصاد، تتجاوز المنافع كثيرا حدود الفتاة أو المرأة لتصل إلى المجتمع والاقتصاد على اتساعه. إن التصدي للفجوات بين الجنسين في سبل الحصول على وظائف جيدة ليس هو الصواب الذي ينبغي توخيه من منظور حقوق الإنسان فحسب، وإنما هو أيضا اقتصاد يتسم بالذكاء. وتُظهِر دراسة حديثة أن زيادة مشاركة النساء في قوة العمل إلى حد المساواة مع الرجال قد تُؤدِّي إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة 5%، وفي الإمارات العربية المتحدة 12%، وفي مصر 34%.

ومع أنَّ معالجة الفروق بين الجنسين في معدلات المشاركة في قوة العمل مازالت شاغلا رئيسيا في العديد من البلدان فإن الأهم من ذلك هو التركيز على نوعية الوظائف المتاحة للنساء، إذا كان لهذه الوظائف أن تصبح ذات طابع تحويلي مؤثِّر على تمكين النساء. كما أن إتاحة وظائف جيدة تتسم بأنها مستقرة ولائقة وآمنة ومنتجة أمر بالغ الأهمية من منظور المساواة بين الجنسين، لأن النساء على الأرجح يُؤلِّفن نسبة أكبر من الرجال في وظائف القطاع غير الرسمي التي لا تتطلب تفرغا وتتسم بتدنِّي الأجور والإنتاجية. وتدير النساء، في العادة، مشروعات في قطاعات أقل إنتاجية، ويزداد احتمال عملهن في وظائف مُؤقتة غير متفرغة ذات إمكانيات أقل للترقِّي مقارنة بالرجال. وتتركَّز النساء في الأنشطة "غير المنظورة" مثل الأعمال المنزلية والعمل بلا أجر أو العمل في القطاع غير الرسمي في وظائف تفتقر إلى الأمان ولا تُغطِّيها قوانين العمل.

وتوجد فجوة كبيرة بين الجنسين في الدخل والأجور، حتى بعد تثبيت أثَر العوامل الخاصة بنوع الصناعة والمهنة. فدخل النساء في المتوسط يقل ما بين 10% و30% عن دخل الرجال العاملين، ولكن هناك تفاوتات كبيرة بين البلدان في هذا الشأن. وخلص التقرير الذي صدر مؤخرا عن فريق الأمم المتحدة الرفيع المستوى بشأن التمكين الاقتصادي للمرأة إلى أن الفجوة غير المبررة لها في الأجور بين الجنسين تكشف عن التفرقة بين الجنسين في المعاملة. ولو تساوى الرجال والنساء في الأجور تبعاً لمعايير سوق العمل التي يمكن ملاحظتها، لاختفت تقريبا الفجوة بين الجنسين في الأجور، أو حتى لانعكس الوضع في الكثير من البلدان.

وأحد العوامل الرئيسية التي تسهم في فجوة الأجور هو التمييز في المهن حسب نوع الجنس. فأجور النساء والرجال مختلفة، والسبب الرئيسي لذلك هو اختلاف ما يؤدونه من أنواع العمل. وفي كل البلدان تقريبا، يزداد احتمال عمل النساء في أنشطة متدنية الإنتاجية مقارنة بالرجال. وتزداد أيضاً احتمالات اشتغالهن بأعمال داخل المنزل بأجر أو بدون أجر أو عملهن مقابل أجر بالقطاع غير الرسمي. وفي الوظائف الرسمية، فإنهن يتركزن عادةً بالمهن والقطاعات "النسائية". وتتغير هذه الأنماط من الفصل في النشاط الاقتصادي على أساس نوع الجنس مع تطور التنمية الاقتصادية، لكنها لا تزول تماماً.

وهناك العديد من مظاهر الحرمان والمُعوِّقات والقيود التي تُؤدِّي إلى عدم المساواة بين الجنسين في عالم العمل. ولأن أعباء رعاية الأطفال وكبار السن تقع غالبا على نحو غير متكافئ على عاتق النساء، فإن ذلك يسهم في حصر عمل النساء في وظائف غير متفرغة ذات أجور متدنية. وقد تُشجِّع الوظائف غير المتفرغة على مشاركة النساء في قوة العمل، لكنها لا تؤدِّي بالضرورة إلى حصولهن على وظائف أفضل نوعيةً وأعلى أجراً.

ورغم تحقَّق بعض التقدُّم في معدلات الالتحاق بالتعليم، فإن نوعية التعليم الذي يتلقاه الرجال لا تزال مختلفة عما تتلقاه النساء. إذ تقل في العادة نِسَب التحاق النساء بالتعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي تُوفِّر سبلا إلى الحصول على وظائف أعلى أجراً، وذلك على الرغم من أنه لا توجد شواهد تُذكَر على ضعف أداء الإناث في التعليم في هذه المجالات. ويُعزِّز هذا حصر النساء في وظائف تتيح إمكانيات محدودة لكسب الدخل.

وعلاوة على ذلك، يُشكِّل التحرُّش الجنسي سواء في مكان العمل أو أثناء الذهاب إلى العمل عائقا كبيرا يحول دون حصول النساء على فرص العمل. ويضعِف سوء ظروف العمل من جودة الوظائف، وتُبعِد أيضا الباحثين عن عمل من الإناث عن أسواق العمل، وتحد من قدرة الشركات على الاحتفاظ بالعمال المهرة وذوي الخبرة.

ويحد ضعف القدرة على الحصول على الموارد وحقوق الملكية من قدرة النساء على بدء نشاط تجاري أو تنميته. وعلاوةً على ذلك، تواجه النساء عدة قيود ومُعوِّقات قانونية وتنظيمية ومجتمعية تُضعِف من ولاية المرأة وقدرتها على التعبير عن رأيها.

إذن، هل من حلول محتملة؟ الدعوة إلى استراتيجيات توظيف تراعي المساواة بين الجنسين.

استخدام شراكات وحلول مبتكرة لمعالجة مسألة رعاية الأطفال: توسيع سبل الحصول على رعاية ميسورة التكلفة للطفل أمر بالغ الأهمية، ويجري حاليا استخدام مجموعة متنوعة من نماذج تقديم وتمويل خدمات رعاية الطفل. ويجب توسيع نطاق تطبيق بعض الحلول المبتكرة مثل قسائم الوظائف والجمعيات التعاونية ورياض الأطفال والشراكات بين القطاعين العام والخاص التي يجري تنفيذها، وبعضها من خلال العمل مع شركات القطاع الخاص. وتُظهِر بحوث من البرازيل وكندا وكينيا ورومانيا زيادة احتمال اعتماد الأمهات على ترتيبات رعاية الطفل الرسمية ودخولهن قوة العمل حينما تتاح وسائل مجانية أو ميسورة التكلفة لرعاية الطفل.

فتح مسارات إلى الحصول على وظائف جيدة: يجب أن تُشجِّع بلدان العالم مزيدا من الفتيات على اختيار مقررات التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لاسيما من خلال اتباع نهج يراعي المساواة بين الجنسين في مجال المتطلبات الجديدة لسوق العمل مثل وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصال المراعية للبيئة. وعلى وجه الخصوص، ينبغي مساندة المراهقات من خلال اتباع نهج شامل. ويمكن أن تصبح تكنولوجيا المعلومات والاتصال عامل تغيير حقيقيا للنساء، إذ تُعوِّض عن القيود المُكبِّلة لحركة المرأة من خلال السماح بإمكانية افتراضية للوصول إلى المعلومات والموارد المالية وشبكات التواصل الاجتماعي. ففي كوسوفو، استهدف برنامج رائد يُطلَق عليه ’عمل النساء عبر الإنترنت’ تعزيز قدرة الشابات اللاتي يعانين من بطالة جزئية على العمل عبر الإنترنت. وقدَّم البرنامج التدريب لنحو 100 امرأة على المهارات المطلوبة في السوق المتنامية للعمل الحر عبر الإنترنت. وبنهاية البرنامج حصلت 56 متدرِّبة على عقد واحد على الأقل لكل منهن للعمل عبر الإنترنت، وبلغت دخولهن التراكمية ما يقرب من 13 ألف دولار.

• رعاية الترقّي الوظيفي للنساء ومراعاة التكافؤ بين الجنسين في المناصب القيادية. فتولِّي النساء مناصب عليا قد يكون بمثابة نموذج رائد يُحتذى، ويبعث مزيدا من الثقة بين النساء الأصغر سناً. وقد يُساعد الاطلاع على نماذج نسائية تتناقض مناصبها القيادية أو سلطاتها مع الأنماط الجامدة المعهودة عن دور المرأة على الحد من توارث الأعراف الخاصة بالتباينات بين الجنسين من جيل إلى جيل. وأظهرت دراسة عن تخصيص مقاعد سياسية للنساء في الهند أن الفتيات اللاتي يتكرر لقاؤهن مع قيادات نسائية يزداد احتمال تعبيرهن عن طموحات تتعارض مع الأعراف التقليدية، مثل الرغبة في تأخير الزواج، وإنجاب عدد أقل من الأطفال، والحصول على وظائف تتطلب الحصول على مستوى من التعليم العالي.

تحقيق تكافؤ الفرص في إمكانية حصول النساء على وظائف جيدة من خلال القيام على نحو منهجي بمعالجة مواطن عدم المساواة القانونية والتنظيمية، والعمل على معالجة التفاوتات، مثلا فيما يتصل بملكية الموارد، من أجل تمكين النساء من بدء نشاط تجاري. ففي نيجيريا، دخلت مؤسسة التمويل الدولية -ذراع مجموعة البنك الدولي للتعامل مع القطاع الخاص- في شراكة مع بنك أكسيس لتقديم الائتمان إلى شركات التوزيع المملوكة لنساء من أجل إشراك مزيد من النساء في سلسلة القيمة الخاصة بشركة كوكاكولا ومن ثمَّ تحسين نمو الأعمال.

تدعيم القدرة الجماعية للنساء على التعبير عن آرائهن، والشراكة مع القطاع الخاص، والعمل من أجل سد فجوات البيانات والمعارف. وسيتطلَّب تحقيق تقدُّم في توفير وظائف جيدة للنساء مشاركة نشطة من القطاع الخاص وكذلك التزاماً من جانب الحكومات. مهما يكن من أمر، سيستلزم وضْع تدابير فعَّالة توفير بيانات جيدة ليست متاحة حاليا في الكثير من البلدان النامية. ويجب بذل جهد أكثر تنسيقا لضمان المشاركة النشطة للنساء أنفسهن في تصميم برامج تراعي المساواة بين الجنسين. وفضلا عن ذلك، ينبغي للحكومات والشركات اتباع نهج استباقي في معالجة العنف القائم على أساس نوع الجنس في المنزل وفي العمل وكذلك أثناء الذهاب إلى مكان العمل.

وسيتطلَّب تخفيف القيود والمُعوِّقات، وضمان عدالة الوصول إلى وظائف جيدة للنساء اتخاذ تدابير مُركَّزة وموجَّهة. ويتطلب أيضا التزاما طويل الأمد من القطاعين العام والخاص على السواء، بما يُؤدِّي إلى تحقيق المزيد من المنافع للنمو والتنمية والرخاء المشترك للجميع.


بقلم

ناميتا داتا

مديرة برنامج حلول تشغيل الشباب (S4YE)

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000