بهذه العبارة، وباللهجة الصعيدية المصرية، وصف الشاب "طه الليثي" ابن قرية روافع القصير، محافظة سوهاج بصعيد مصر، التغيير الجوهري الذي أدخلته منتديات التنمية المحلية على طبيعة مشاركة الأهالي في عملية التنمية بسوهاج، وشكل العلاقة بين المسئولين الحكوميين والمواطنين.
لم يشارك طه الليثي واقرانه من قبل في اتخاذ أي قرار تنموي يهم قريتهم أو مركزهم، لم يدعهم أحد لوضع او حتى مناقشة الخطة الاستثمارية السنوية للمركز أو المحافظة. ويقول طه عن تلك الفترة، أنه كانت يعتقد كغيره من شباب القرية أن وضع الخطط واختيار المشروعات مهمة لا تتم سوى في غرف مغلقة، وأن الحكومة المركزية في القاهرة هي من تقرر وحدها ما الذي تحتاجه قري ومدن محافظة سوهاج التي تبعد عن العاصمة 500 كيلو متر.
منتديات التنمية المحلية كانت واحدة من أهم الترتيبات المؤسسية التي أرساها برنامج التنمية المحلية في صعيد مصر الذي يدعمه البنك الدولي في محافظتي سوهاج وقنا. ويهدف البرنامج إلى رفع القدرة التنافسية والاقتصادية ورفع كفاءة الوحدات المحلية لتقديم الخدمات الأساسية في إطار من اللامركزية ودعم مشاركة الشباب وإتاحة فرص العمل.
وتنطلق الفكرة الأساسية للمنتديات من توفير منصة مستدامة يتمكن من خلالها أصحاب المصلحة المحليين، خاصة الفئات التي جرى تهميشها طويلا كالشباب والنساء، من الانخراط في الشأن العام، والمشاركة الممنهجة في تخطيط وتصميم ومتابعة تنفيذ مشروعات التنمية المحلية. وقد نجح البرنامج حتى الان في تأسيس 23 منتدى على مستوى كافة المراكز الادارية بالمحافظتين، وتضم المنتديات قرابة 1200 عضوا 30% منهم من النساء، وأكثر من 50% منهم من الشباب.
"حاسس أني بقيت أهم عند الحكومة من عضو البرلمان أو عضو المجلس المحلي "
قالها طه وهو يتذكر ممارسات وضع الخطط الاستثمارية السنوية التي كانت سائدة في محافظته والتي تتحكم فيها أقلية من الصفوة عندما كانت المشاورات المحدودة تقتصر فقط على أعضاء مجلس النواب أصحاب النفوذ، أو أعضاء المجالس المحلية الذين ينتمون لعائلات كبيرة، بينما تحرم الغالبية الساحقة من المشاركة في التخطيط للمشروعات وتحديد الأولويات الملحة لهم. وساهمت هذه الممارسات القديمة في احداث تشوه ملحوظ في هيكل الخدمات العامة على مستوى محافظة سوهاج وغيرها من محافظات الجمهورية. حيث أدى ذلك إلى فقدان الكثير من الثقة بين المواطن من ناحية والهيئات المحلية والمركزية المسئولة عن عملية التخطيط والتنمية من ناحية أخرى وأدى إلى تقليص دور المواطن وتحجيمه كمستقبل سلبي يتعامل مع تنمية محافظته على أنها من المقدرات التي لا يد له فيها.
" كنت فاكر أن الموضوع تحصيل حاصل“. كان هذا ما قاله "طه" لنفسه عندما قرا لأول مرة على أحد صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لمركز ومدينة سوهاج بان هناك جلسة تشاركية عامة ستعقد لمناقشة خطة العام المالي 2017/2018. اعتقد طه وقتها أن الخطة قد وضعت بالفعل وان التشاور سيكون عملية شكلية. وقرر -مدفوعا بحب الاستطلاع- المشاركة ليسمع و لأول مرة كلاما مختلفا، ويشاهد المواطنين الحاضرين في القاعة بزيهم الصعيدي التقليدي البسيط (الجلابية) يتحدثون أكثر من هؤلاء الجالسين على المنصة.
عندما بدأ تشكيل منتديات التنمية المحلية كان "طه الليثي " حاضرا في التشكيل كممثل عن الشباب في قرية روافع القصير، يقول طه الليثي عن هذه المرحلة
" لما بقيت عضو في منتدى التنمية المحلية كان عندي نظرة مختلفة عن نظرتي للموضوع قبل ما احضر أول جلسة تشاور واتعرف على البرنامج وافهم أبعاد مشاركة الناس فيه "
وهكذا أصبح طه الليثي الشاب الريفي، ينظر إلى دوره التطوعي في وضع الخطط ومتابعة تنفيذها من خلال عضويته في منتدى التنمية المحلية باعتباره دورا مؤثرا يسهم في تشكيل حاضر ومستقبل قريته ومحافظته وأيضا أسرته.
أعضاء المنتدى اختاروا زميلهم طه فيما بعد كمنسق للجنة التواصل المجتمعي وهي احدى اللجان النوعية المتخصصة للمنتديات والتي يتسنى للمواطن من خلالها المشاركة في تخطيط وتصميم ومتابعة تنفيذ المشروعات على ارض الواقع. استفاد طه وغيره من أعضاء وعضوات اللجنة من ورش تدريبية متخصصة حول الجوانب المجتمعية في البرنامج والمعارف والمهارات المطلوبة للتعامل مع نظم التظلمات وإدارة جلسات التشاور ومتابعة المقاولين للتأكد من استيفاء متطلبات الصحة والسلامة المهنية للعمال والمجتمع ونظم نشر المعلومات بما في ذلك "اللافتة" التي تتضمن بيانات المشروع للتأكيد على حق المواطن في معرفة حقائق المشروع.
" أنا مسئول عن مشروع عام! بتابع تنفيذه واروح أقف مع المهندسين والمقاولين والعمال، وبعمل حاجات معملتهاش غير وانا بابني في بيتي الي عايش فيه "
هذا كان شعور طه عندما قرر أن يذهب في جولات ميدانية لمتابعة تنفيذ أحد مشروعات البرنامج التي يجري تنفيذها في مركز ومدينة سوهاج، ويدون ملاحظاته ويشاركها مع أعضاء المنتدى ومسئولي وحدة التنفيذ المحلية. هنا ابتسم طه قائلا:
" دلوقتي بس اقتنعت الحكومة إن الأهالي أ درى بمجتمعاتهم"
أحدثت عملية التخطيط من أسفل لأعلى من خلال منصات المنتديات تغيرا جوهريا في طبيعة المشروعات في محافظات سوهاج وقنا وفي أساليب متابعة تنفيذها على الارض. وفي خطوة رائدة لتعظيم دور المجتمع في التخطيط تبنت وزارة التنمية المحلية في مصر مبادرة تعميم عملية مشاركة الجمهور في محافظات مصر من خلال تفعيل الدليل الإرشادي للمشاركة المجتمعية في المخططات الاستثمارية والذي تم
أعداده واختبار تنفيذه في محافظتي سوهاج وقنا في إطار برنامج التنمية المحلية في صعيد مصر. وتطمح الوزارة والبرنامج إلى أن تودي هذه الخطوة لحدوث نقلة نوعية في خلق جسور ثقة مع المواطنين ودمجهم في عملية التخطيط وتحفيز الشعور بملكية المشروعات.
انضم إلى النقاش