نشر في أصوات عربية

ياسمينة خضراء: أسئلة وإجابات

الصفحة متوفرة باللغة:

Imageاستضاف موقع!Youthink، وهو موقع للبنك الدولي يعنى بالشباب، جلسة حوارية مع الروائي الجزائري المعروف ياسمينة خضراء من خلال جمع أسئلة القراء عبر موقعيْ فيسبوك وتويتر في الفترة من 12 ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى 2 يناير/كانون الثاني 2012.

وفيما يلي آراء ياسمينة خضراء، المؤلف الجزائري الشهير الذي سيُعرض اثنان من أعماله الروائية في دور السينما عام 2012 وهما (ماذا يريد النهار من الليل Ce que le jour doit à la nuit) و (الهجوم L'Attentat)، حول الربيع العربي والتحديات التي تواجه شمال أفريقيا.

الأيديولوجية والعولمة

عبد الحق توات (الجزائر): هل دور اللغة الفرنسية في مجتمعات شمال أفريقيا، وخاصة في الجزائر، يقتصر على الجوانب اللغوية والثقافية؟ أم أنه يذكي صراعا أيديولوجيا وسياسيا يشطر المجتمع إلى معسكرين- معسكر يجيد اللغة وآخر لا يجيدها؟وهل تهيمن ثقافة العولمة على الأدب؟

 خضراء: قال نيتشة: "إذا أطلت النظر إلى هوة سحيقة فإنها ستحملق فيك."فكل شيء يمكن أن يصبح ذريعة للصراع، وأي شيء يمكن أن يكون مبررا للتهدئة.ونحن أحرار في استخدام اللغة كأداة للتحرر؛ أداة توفر سبيلا للوصول إلى طائفة من شتى التجارب، كما أننا أحرار في استخدامها كأداة للكراهية والإقصاء.هذا لأن المشكلة لا تكمن في اللغة، بل في التوجهات الذهنية.فالبعض يتعلمون اللغة لتحقيق تقدم في العالم، بينما يرفض الآخرون هذا العالم ويفضلون الانزواء والاضمحلال.

وأنا أعتبر الفرنسية أداتي في العمل.وهي وسيلة للتعبير عما أعتبره أحاسيس خاصة وإبداعا فنيا.ولم يحدث في أي وقت من الأوقات أن قادني التعبير باللغة الفرنسية إلى الشعور بالنفور من وطني (الجزائر)، أو من تقاليدنا أو ديننا ]الإسلام[. فاللغة الفرنسية هبة.فهي لغة جميلة وكاملة ومفعمة بالنور والموسيقى.فأنا لا أرى سببا لتجاهل أشعارها كوني شاعرا بالفطرة. علاوة على ذلك، ليس ثمة شيئا يمكنه أن يهز أركان بلد متماسك وشعبه متعلم ومستنير.وهذا هو ما يشكل الركيزة لمجتمع راسخ.أما من يتجاهلون الحداثة فأولئك هم الذين يبقون في حالة حرجة وهشة. وآية هؤلاء هو أنهم يطربون للغة الفتنة.

فمن لا يستطيع أن يحب أو يحلم أو تملؤه الدهشة هو عنصر سام، سرطان يمكن أن يؤذي مجتمعه. ومع هذا فإن عدم الخوف يكفي لاستئصال مثل هذا الشخص.وعدم الخوف من مثل هذا الشخص يعني استخدام العقل في مواجهته بدلا من اللجوء إلى العنف، لاسيما وأنه يفضل العنف.

والأدب هو أروع صور الديكتاتورية في العالم.فعلى النقيض من الأيديولوجية، فإن الغاية من هذه الهيمنة هو اختراق أحلامنا.فعندما نقدر يقظة العقل تغدو الثقافة مصدرا لإثرائنا.وأنا معجب بالمؤلفين في كل أنحاء العالم.فقد علموني كيف أنظر إلى ما يحيطني بجلاء أكثر. ولا أستطيع أن أتخيل أن فوكنر وتولستوي وكاواباتا وغارسيا ماركيز وغيدة وكويتسي، على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن يفسدوا روحي.

"إذا اتشحت هذا الحجاب اللعين فلن أكون إنسانا ولا حيوانا؛ فلست سوى إهانة، فضيحة، سبة ينبغي إخفاؤها." (من رواية "طيور كابول" الصادرة عام 2002.)

جوزيف شيميزي أودومينام (نيجيريا): هناك الكثير من الشباب الذين يراودهم حلم تغيير العالم.فما الذي يمكن أن تفعله الحكومات والمنظمات للمساعدة في توجيه أنشطتهم؟وهل يمكن للديمقراطية أن تأتي لنا بالسلام الذي ننشده؟

 خضراء: "في الاتحاد قوة".فلتغيير وضع ما، يتعين على المرء أن يحشد الناس حول مثل ينبغي إعلاؤها فوق كل الاعتبارات.فاليقظة الفكرية في أفريقيا مبعثرة ومتناثرة ومجزأة بسبب صراع المصالح الذي ينسب للآخرين دوافع ليس هناك من أدلة ثابتة على صحتها.ويظهر مفكرونا الكراهية لبعضهم بعضاً.وتتغلغل داخلهم مشاعر الإحباط والغيرة بحيث لا يحاولون الاستماع إلى الآخرين. وتستمد الأنظمة القائمة حياتها من هذا المزيج السيريالي غير المتناغم.

ولكي نلج عالم أحلامنا، علينا أولا أن نتعلم من جديد كيف نفرح للآخرين ولنجاحهم وتألقهم، وأن نتأكد من أن الأصوات قد وصلت ومن ثم نتيح لكل واحد الفرصة نفسها. ونحن نتصرف بلا حياء عندما نحطم من يحاولون الأخذ بأيدينا إلى أعلى.وفي هذا الجانب من العالم، أمامنا طريق طويل لتحقيق النضج الذي نحتاجه لكي نتصرف بطريقة مختلفة. فلا يمكن لبلد أن يتقدم بلا أساطير ولا يمكن للشباب أن يقوى بلا قدوة. ومادام من يفترض أنهم يحملون مشاعل التنوير للناس مستمرين في ممارسة الألعاب الغبية والمؤذية ويحقرون من نجاح زملائهم، سيظل الشباب ضالا بلا هداية أو توجيه وفاقدا للتركيز ومن ثم يترك لمصيره.

فالديمقراطية ليست إلا دوي أبواق للتنبيه يمكن للأمم التي تنشد الحرية أن تحيلها أنشودة. وليست الديمقراطية نتاج عملية ارتجالية.والديمقراطية، مثل العمل الفني، تبنى قطرة قطرة ورويدا رويدا وبعناية مستمرة حيث إنه إذا تم التفريط في ركائزها لن يلبث بناؤها كله أن ينهار في النهاية. فالديمقراطية هي مثل، وليست مناورة غوغائية. وتتعارض محاولة إقصاء أي إنسان مع هذه المثل.

"ليس هناك عنصر بشري أسمى من الآخر. ومنذ عصور ما قبل التاريخ، كان توازن القوى هو الذي يقرر من هو الراعي ومن هم الرعية – المعادلة الأفريقية (2011)"

الربيع العربي

يسرا الشيبي (تونس): كيف تنظرون إلى التقدم الذي أحرز بشأن كرامة الإنسان في العالم العربي وفي مختلف أنحاء العالم منذ اندلاع الثورات العربية؟

 خضراء: لا يمكننا هنا أن نستخدم كلمة ثورة.نحن بصدد انتفاضات أو تمرد. فالثورة عادة ما يكون لها زعيم ذو شخصية استثنائية جذابة مدفوعة بمثل. ومثل هذه الشخصية تكون لها خارطة طريق ورسالة واضحة وخط سياسي.في الدول العربية، أدركت الشعوب، أو الجماهير المجهولة، أنها هي القوة الحقيقية وأنه ليس هناك من قوة أخرى أو ديكتاتورية أو طاغية يمكن أن يكبح غضبها.

وأنا سعيد لرؤية هذه الصحوة المتأخرة وغير المتوقعة.إنه لأمر عظيم أنها بدأت بالفعل.فالشعوب العربية لا تستحق أن تقهر أو أن تعامل باعتبارها كماً مهملاً.فما حدث يمثل انتصارا كبيرا على الخوف وعلى وهم الخنوع.

والقضية الآن تتعلق ببناء أمم على أساس العدل والمساواة والطموح السليم والمستنير.ومن منظور شعبي بحت، الناس هم من يملكون ناصية مصيرهم.

وإنني أحب أن يصب الاختيار الذي استقروا عليه في مصلحة الجميع دون إقصاء أو تشويه أي شخص.

والسؤال الماثل أمامنا هو:هل قيمنا نطاق السخط الذي يعتمل فينا، وهل نحن قادرون على أن نحصن الأجيال القادمة من الأخطاء التي اقترفتها؟ هذا ما ستنبئ عنه الأيام القادمة.

فالرؤى التي تعتنقها الشعوب العربية هي جزء لا يتجزأ من الرؤى العالمية. هذه الرؤى مشبعة بعبق التاريخ، وبالتراث الفكري، وبالفكر الحديث ويمكن أن تجد لها جمهورا عريضا إذا كفت القوى التي تقف وراء شبكات الإمبريالية وتمثيليات الضمير الحي، في بعض الأماكن، عن التلاعب بمفكرينا من خلال إقناعهم بأن السبيل إلى اكتساب المصداقية هو بمعارضة أوطاننا وقيمنا وديننا وهويتنا.

"لم نولد وحوشا، بل إن الوحشية صفة نكتسبها؛ ولم نولد حكماء، بل نتعلم الحكمة. فقد ولدت محروما، وعلمني الحرمان أن أشارك" – أبواق بغداد، (2006)

ريم جديدي (المغرب): ما هو تقييمك للانتخابات في الدول العربية وما هو تأثيرها على الجزائر؟

 خضراء: في الجزائر، فقدت الانتخابات مصداقيتها.فالاقتراعات لا تجلب سوى خيبة الأمل.وقد طغى التحايل على التزامنا. فلم يعد هناك تزاحم على أبواب مراكز الاقتراع، والقلة التي تصوت لا تصوت إلا لأسباب أخرى. فالانتخابات التي شهدتها بعض الدول العربية مؤخرا في أعقاب الانتفاضات تستحضر ذكريات الفترة التي تلت انتخابات 1988 في الجزائر وتطبيق نظام تعدد الأحزاب. فيكاد ينسى الناس أن أول انتفاضة حدثت في الجزائر وأن الدول العربية الأخرى انتظرت 23 عاما لكي تحذو حذوها. ويحدوني أمل كبير في ألا يتلاشى الزخم الهائل الذي اكتسبته الشعوب العربية، مثلما حدث في الجزائر، وهو وضع أدى إلى رحيل عدد هائل من السكان.

ففي روايتي المثيرة المعنونة "خريف الأشباح"، والتي نشرت عام 1997، تنبأت بدقة بالموقف الذي يبديه الجزائريون حاليا. وقد بذل شعبنا الكثير حتى أنه استنفد، وذرف الكثير من الدمع ونزف الكثير من الدماء حتى جفت عروقه.وبعد أن خاب أمله في زعماء ما بعد الاستقلال وعانى 15 عاما من الإرهاب وتكبد عشرات الآلاف الأرواح من القتل الوحشي، لم يعد الشعب الجزائري يعرف إلى أين يتجه.فلم يعد يؤمن بأي شيء.وعندما ييأس الشعب فثمة خطر جم.ومع هذا فإن الشعوب تتحمل والحزن لا محالة زائل.فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من حفنة من أناس يعشقون أوطانهم لكي يعيدوا إحياء الأمل في نفوس أجيال المستقبل.

عتيقة أوحاجو (المغرب): هل تحول الربيع العربي إلى خريف إسلامي؟

 خضراء: الانتقال من موسم لآخر يعكس حركة الزمن.فنحن ننتقل من الصيف إلى الخريف ثم إلى الشتاء فالربيع.هذه الحركة تختلف بين الأمم.فنحن يمكننا أن نتحول فجأة من الحزن إلى السعادة، ومن التدهور إلى التقدم، أو ننحدر إلى حالة من الظلمة. وفي هذه الحالة، نتخذ القرارات.فمصير البشرية يقوم على الخيارات.ونحن الذين نصنع خلاصنا بأنفسنا، كما أننا الذين نحفر قبورنا بأيدينا.والأمر في النهاية يعود إلى من انتفضوا لكي يثبتوا أنهم أفضل من الطغاة الذين أطاحوا بهم.


حصل موجهو الأسئلة الواردة في هذا المقال على نسخة موقعة من أحدث روايات ياسمينة خضراء بإذن من دار Éditions Juillardللنشر.فإذا كنت واحدا من موجهي هذه الأسئلة ولم تحصل على نسختك، يرجى الاتصال بنا على العنوان التالي:youthink-fr@worldbank.org.

 

 


بقلم

بيسان أبو كويك

محررة ويب - منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000