نشرت هذه المدونة أولا في مدونة التنمية المستقبلية.
في وقت سابق من هذا العام، نشر كل من برنامج سياسات المدن الكبرى ومركز الطفل والأسرة بمعهد بروكنجز دراسة مستفيضة عن الفقر والأعراق في الولايات المتحدة. تظهر الدراسة الأسباب التي تؤكد ضرورة النظر إلى الفقر من عدة أبعاد تتضمن تدني دخل الأسرة، وقصور التعليم، وانعدام التأمين الصحي، والتمركز المكاني للفقر، والبطالة، ولهذا ينبغي علينا أن ندرس سبل تفكيكها وبالتالي الحد منها.
على مدى العامين الماضيين، عكفت على إجراء بحث عن
العلاقة بين العدالة والفقر. ومؤخرا، ركز بحثي على
الصلة بين المشاكل القانونية والفقر. لماذا التركيز على المشاكل القانونية؟ لأنها كثيرا ما تكون عرضا لمزيج من رداءة السياسات وسوء الأطر القانونية والتنظيمية، وضعف الخدمات العامة.
في هذا السياق، سرعان ما تنجلي كيفية تحول المشاكل القانونية إلى جزء لا يتجزأ من الفقر. ويستقصي أحد الأبحاث الحديثة التي قمنا بها دور المشاكل القانونية في دفع الفئات المستضعفة إلى براثن الفقر، وفي الحيلولة دون خلاص الأسر من قبضته. ويجري حاليا إجراء البحث في ثلاث من بلدان الفئة العليا من البلدان المتوسطة المدخل، وهي الأردن وكولومبيا وبيرو.
تشير بيانات المسح الأسري والإداري الخاصة بالأردن وكولومبيا إلى أن الأسر القريبة من الفقر و الأسر الفقيرة وتلك التي تعيش فقرا مدقعا تكون أكثر احتمالا للتعرض لمشاكل قانونية . وهي أيضاً الأكثر عرضة للتورط في نفس النوع من الصراعات والنزاعات، والأكثر عجزا عن الحصول على الموارد اللازمة لحلها. هذه النتائج تنسجم تقريبا مع البيانات الأكثر شمولا ويسرا الخاصة بالبلدان مرتفعة الدخل.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو نسبة إبلاغ الأسر الفقيرة وشبه الفقيرة عن نفس المشاكل القانونية، مما يشير إلى وجود جانب قانوني أكثر اتصالا بشكل مباشر بالفقر.
على سبيل المثال، تتعرض الأسر الفقيرة وشبه الفقيرة في الأردن لنفس المستويات من المسائل القانونية المسجلة: حضانة الطفل (90%)؛ الحصول على النفقة الزوجية أو نفقات رعاية الطفل (83%)؛ المواريث (80%)؛ الاعتداءات (78%)؛ العنف الأسري (77%)؛ الطلاق/الانفصال (72%)؛ العمل (70%)؛ النزاع بين المالك والمستأجر (68%). في كولومبيا، كانت الفئات الأشد فقرا هي على الأرجح الأكثر تورطا في مشاكل قانونية تتعلق بالعلاقات الأسرية والتهجير والاختفاء المتصل بالصراعات المسلحة والتمييز.
إن السياق المحلي مهم في تفسير هذه البيانات. ففي الأردن، يقف على الأرجح قانون الأحوال الشخصية المتحيز جنسيا، وانخفاض نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة، لاسيما المتزوجات منهن، وراء المشاكل المتصلة بالقضايا الأسرية. أما في كولومبيا، فيسهم الصراع المسلح طويل الأمد، الذي كان محتدما بشكل مكثف في المناطق الريفية الفقيرة، وتاريخ من التمييز العرقي في المشاكل القانونية.
كما
تؤثر المشاكل القانونية في أبعاد أخرى للفقر وتتأثر بها، كالصحة والدخل والتوظيف . على سبيل المثال، أظهر
مسح للأسر في إنجلترا وويلز أن تدني الدخل والمشاكل الصحية هي الأسباب الأولى لقضايا النزاعات المدنية، مع إبلاغ الأسر الأطراف في هذه النزاعات عن تداعياتها التي عادة ما تكون وخيمة، كالضغوط والمشاكل الصحية الجسمانية، فضلا عن فقدان الثقة والدخل. هؤلاء المشاركون في المسح ممن يستحقون الحصول على خدمات المساعدة القانونية، التي تعتبر انعكاسا للفقر، هم على الأرجح الأكثر إبلاغا عن هذه الأنماط من التداعيات. ويتسق هذا مع النتائج التي خلص إليها المسح في كولومبيا حيث أن من يعيشون في فقر مدقع هم الأكثر شكوى من الآثار الضارة المتصور أنها ناجمة عن النزاعات القانونية.
المسح الذي سيجرى في الأردن سيمدنا بالبيانات التي تفيد بكيفية تأثر الأسر الفقيرة بالطلاق والحصول على النفقة الزوجية ونفقات رعاية الطفل والنزاعات العمالية والجرائم. سيقاس التأثير على طائفة كبيرة من مؤشرات التنمية، التي تشمل الحصول على التوعية الصحية والتعليم المبكر، والدخل، والنفقات، والعنف الأسري.
المشاكل القانونية لن تحل بالطبع محل الدخل والتوظيف والصحة كبعد أول للفقر. بيد أنها تلعب دورا مهما ويجب أن تدرج على قائمة المناقشات حول فك الارتباط والحد من الحرمان.
انضم إلى النقاش