نشر في أصوات عربية

العالم العربي بحاجة إلى اتفاق جديد حول الطاقة لإنهاء انقطاع الكهرباء

الصفحة متوفرة باللغة:
Skyline of Dubai with high voltage power supply lines - Philip Lange l Shutterstock.comعندما باشرت عملي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل عامين، كان من المفاجئ لي أن منطقة معروفة بكونها مستودعا للطاقة – تنتج 30 % من نفط العالم، ولديها 41 % من الاحتياطي العالمي المعروف للغاز، وأهم صادرتها هي الهيدروكربونيات - بالكاد تفي بالطلب المحلي على الكهرباء، ويعود هذا في جانب منه إلى النقص المزمن في الغاز .
 
وقد تركت التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة أثرا ملموسا على قطاع الكهرباء بشكل خاص، حيث انتشر انقطاع التيار في عديد من البلدان، مما يزيد من استياء المواطن من الدولة. وينطبق هذا على مصر والعراق وتونس ولبنان واليمن وسوريا وليبيا حيث تتسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك في زيادة النقص في الكهرباء. وقد كشف مسح أجراه البنك الدولي أن 49% من الشركات بالمنطقة تعتبر الكهرباء عائقا رئيسيا أمام أنشطة الأعمال، أي أكثر من أي منطقة أخرى. وبعد أن عملت في جنوب آسيا حيث يشيع انقطاع التيار الكهربائي، كانت هذه النتائج في البداية مفاجئة لي حتى أدركت أن انقطاع التيار هو ظاهرة حديثة نسبيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
 
وهناك إدراك متزايد في المنطقة بأن دعم الطاقة يفاقم المشكلة وهناك حاجة إلى تقليص هذا الدعم تدريجيا. ففي عام 2011، كانت المنطقة ككل تشكل ما يقرب من نصف الدعوم المقدمة للطاقة على مستوى العالم، وكانت هذه الدعوم تشكل 8.6% من إجمالي الناتج المحلي بالمنطقة ونحو 22% من إجمالي الإنفاق الحكومي. بشكل عام هذه الدعوم ليست موجهة  جيدا، حيث يستفيد منها الأغنياء أكثر مما يستفيد منها الفقراء، فضلا عن أنها تشجع على الإفراط في الاستهلاك. كما أنها تستنزف ميزانية البلاد بدرجة كبيرة. ويجب تقليص كلفة خدمات الطاقة كثيرا إذا كان لهذه البلدان أن تفي باحتياجات مواطنيها بزيادة الإنفاق على الوظائف والتعليم والخدمات الصحية فضلا عن شبكات الأمان الاجتماعي .
                                                                                                                                             
ومن الضروري أيضا ضخ المزيد من الاستثمار في قطاع الطاقة لتحسين الخدمات. ويتصدى جميع وزراء الطاقة الذين قابلتهم تقريبا للتحدي الماثل في مضاعفة شبكة الكهرباء خلال بضع سنين. ويتراوح معدل الزيادة السنوية في الطلب على الكهرباء بين 4% و8% في مختلف أنحاء المنطقة، ويبلغ حوالي 25% في منطقة كردستان في العراق. ونتوقع أن يؤدي إلغاء دعم الطاقة إلى تقليص استهلاكها إلى حد ما، ويمكن عمل المزيد لتطبيق إجراءات كفاءة الطاقة، رغم أن هذا قد يستغرق وقتا. ومع هذا ففي بلدان مثل الأردن، الذي ألغى بالفعل كافة أنواع الدعم للطاقة، وحيث الأسعار الجديدة تعني أن قطاع الكهرباء يستعيد حاليا أكثر من نصف تكلفة إمدادات الطاقة، مازال الطلب على الكهرباء ينمو سنويا بمعدل 5%. وسيواصل الطلب على الكهرباء نموه المطرد مدفوعا بالنمو الاقتصادي وازدياد عدد الشباب، وعوامل أخرى مثل القدرة المتزايدة على تحمل كلفة تكييف الهواء- وهو من العوامل المهمة في دول الخليج والمغرب العربي .
 
وتتعامل بلدان المنطقة مع تحدي زيادة الطلب على الطاقة بطرق مختلفة لا يقتصر تركيزها على زيادة الأسعار. فحكومات الأردن ومصر والمغرب تقدم أيضا وعدا صادقا بتحسين الإمدادات وجودة الخدمة. ويتسق ذلك مع التجارب الدولية في تركيا والهند حيث علمتنا التجربة أن التحول من الكهرباء الرخيصة إلى تعريفة أسعار السوق يرتكزعلى تحسين جودة الخدمة. والطرح الناجح لهذا الاتفاق الجديد بشأن الطاقة سيتطلب أيضا إجراءات لدعم الفئات التي لا تملك القدرة على تحمل الأسعار الجديدة. كما تحتاج الحكومات إلى إقناع الطبقة المتوسطة والصناعة بالمنافع النهائية، حيث أن مساهماتهم ستكون أساسية أيضا.
 
بالإضافة إلى ذلك، يدرك عدد من بلدان المنطقة أن القطاع الخاص سيلعب دورا مهما في ضمان حصول كل المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مصدر منتظم للكهرباء كل يوم وعلى مدار اليوم. وقد قرر كل من الأردن والعراق ومصر التخلي عن النموذج القديم للتنمية الذي كان القطاع العام يتولى فيه المسؤولية الكاملة عن تلبية الطلب على الكهرباء .
 
والسؤال الآن هو ما إذا كان بوسع المنطقة أن تتعلم من التحولات الناجحة في مناطق أخرى، وان تختصر زمن التحول إلى نموذج أكثر ديمومة واستمرارية لقطاع الطاقة. ففي فيتنام وتركيا، استغرقت هذه العملية ما بين 10 أعوام و20 عاما. وهناك عدد من الإصلاحات المتزامنة التي أثبتت فعاليتها، والتي تشمل إتاحة الفرص لمشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقة، وإنشاء أجهزة رقابية قوية ومستقلة تشجع على المنافسة- والتي ستحفز على المزيد من فعالية الخدمات- وتبسط الإجراءات البيروقراطية للتشجيع على اتخاذ قرارات أكثر فعالية، وعملية تغيير تركّز على رفع الكفاءة والإنتاجية لتحسين أداء المرافق .  
 
ومن واقع التجارب التي جرت في أماكن أخرى، فإن تحقيق هذه الأهداف سيتطلب بناء مؤسسات فعالة تدرك الجوانب السياسية والاجتماعية للإصلاحات. ومن المكونات الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف القدرة على التواصل القوي مع المواطنين وامتلاك الأدوات التي تضمن محاسبة الحكومة على تحسين الخدمات. وفي ظل العبء الذي يشكله قطاع الطاقة على المالية العامة في المنطقة، فمن المهم أن نتعلم من أفضل الممارسات العالمية للحد من تكلفة توليد الكهرباء، وتطوير الاستثمارات في هذا القطاع من خلال تيسير تجارة الطاقة في المنطقة، والتي يمكن أن تحد من تكلفة الاستثمارات لكي تفي بالطلب على الطاقة والمتوقع أن يصل إلى 25 % عام 2020. 

بقلم

تشارلز كورمير

مدير قطاع الطاقة والإستخراجيات

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000