نشر في أصوات عربية

إصلاح أنظمة التقاعد في المملكة العربية السعودية - نموذج يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الصفحة متوفرة باللغة:
إصلاح أنظمة التقاعد في المملكة العربية السعودية - نموذج يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن مع تقدم السكان في العمر، نجد أن أنظمة الحماية الاجتماعية وبرامج المعاشات التي تدعم السكان في الشيخوخة، هي ضرورية لضمان استفادة الجميع. (تصوير: Moatassem/Shutterstock)

قامت المملكة العربية السعودية بخطوة كبيرة نحو تحديث نظام المعاشات لديها مؤخرامع الإعلان عن إصلاحات شاملة، مصممة بدعم من البنك الدولي، تهدف إلى تعزيز حماية الدخل خلال الشيخوخة وأيضاً تعزيز المساواة بين الجنسين.  إن  ارتفاع متوسط أعمار السكان، الناتج عن زيادة متوسط العمر المتوقع وانخفاض معدلات الخصوبة، إلى جانب التغيرات في طبيعة العمل وتآكل أنظمة الدعم الأسري غير الرسمية والتقليدية، قد خلقت تحديات كبيرة لأنظمة المعاشات حول العالم. تواجه العديد من هذه الأنظمة ضغوطاً على الاستدامة المالية ومخاوف بشأن كفاية المعاشات في المستقبل، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعادة ما يكون إصلاح المعاشات أمرا صعباً بسبب تحديات الاقتصاد السياسي، ولهذا فإن هذا الإصلاح الشامل في السعودية يعتبر اختراقا حقيقياً. إنه يضع معياراً جديداً للمنطقة بمعالجة قضايا حيوية، مثل سن التقاعد وإجازة الأمومة وتغطية التأمين الاجتماعي.

 

زيادة وتوحيد سن التقاعد 

من بين التغييرات الأساسية في قانون المعاشات الجديد في السعودية هو الزيادة التدريجية في سن التقاعد القانوني من ٥٨ إلى ٦٥ عاماً. يهدف هذا التعديل إلى ضمان استدامة نظام المعاشات لتعكس متوسط العمر المتوقع الجديد الأطول  في البلاد، والذي ارتفع من ٥٢ عاماً في عام ١٩٦٩(عندما صدر قانون  التأمينات الاجتماعية  بموجب مرسوم ملكي) إلى ٧٨ في عام ٢٠٢٢. هذه الزيادة المتوقعة في العمر، في حد ذاتها، هي إنجاز ومثال على نجاح السياسات التنموية البشرية. إن توحيد سن التقاعد بين الرجال والنساء، كما أقره القانون الجديد، يعزز المساواة بين الجنسين في سوق العمل، ويعزز كفاية المعاشات للمتقاعدات. وتعتبرهذه المساواة ضرورية لإنشاء نظام عادل وشامل، حيث يمكن لكلا الجنسين الاشتراك والاستفادة بالتساوي من الضمان الاجتماعي. كما أن الإصلاح يزيد من فترة الاشتراك المطلوبة للتقاعد المبكر من ٢٥ إلى ٣- عاماً. يهدف هذا التغيير إلى تشجيع المشاركة الأطول في القوى العاملة، مما يقلل من العبء المالي على نظام المعاشات مع توفير خيار للتقاعد المبكر تحت شروط أكثر استدامةً. كما فحصنا في تقريرنا "أُسس ليشمل الجميع"، فإن مع تقدم السكان في العمر، نجد أن أنظمة الحماية الاجتماعية وبرامج المعاشات التي تدعم  السكان في الشيخوخة، هي ضرورية لضمان استفادة  الجميع. 


إصلاح إجازة الأمومة: خطوة إلى الأمام

كما قدم القانون الجديد إصلاحاً، حيث سيتم الآن تمويل إجازة الأمومة من خلال التأمين الاجتماعي بدلاً من أن يكون ذلك على عاتق أرباب العمل مباشرةً. ويضمن هذا التغيير أن  كلاً من الرجال والنساء يساهمون في تمويل إجازة الأمومة، مما يخفف العبء المالي عن أرباب العمل. هذا الإصلاح لا يعزز الإصلاح المساواة بين الجنسين في مكان العمل فحسب، بل إنه أيضا يشجع على زيادة المشاركة النسائية في القوى العاملة. يتماشى هذا مع الأدلة التي تشير إلى أن إجازة الأمومة التي تمول من  وعاء مشترك مثل التأمين الاجتماعي بدلاً من صاحب العمل، لها تأثير إيجابي أقوى على توظيف النساء. إن تقليل العبء المالي على أرباب العمل يشجعهم على توظيف المزيد من النساء، كما أن القانون الجديد يمنح النساء غير السعوديات الحق في الاستفادة، مما يجعل سوق العمل السعودي أكثر جاذبية للمواهب العالمية. 


نموذج لإصلاح المعاشات 

تعد إصلاحات المعاشات من أصعب الإصلاحات بسبب تأثيرها الواسع وتحديات الاقتصاد السياسي. اتخذت المملكة العربية السعودية إجراءات متنوعة في تنفيذ الإصلاح؛ أولاً، تنطبق معظم تدابير الإصلاح فقط على الأشخاص الذين تم توظيفهم حديثاً في القطاعين العام والخاص والذين لم يسددوا اشتراكات سابقة في أنظمة التأمين الاجتماعي. يبقى المشاركون الحاليون تحت القواعد الحالية. الاستثناء الوحيد هو أن أولئك الذين لديهم أقل من ٢٠ عاماً من الاشتراك وأعمارهم أقل من ٥٠ سنة هجرية سيخضعون لبعض التغييرات في سن التقاعد وفترة الاستحقاق. ثانياً، ترتفع معدلات الاشتراكات تدريجياً فقط على مدار خمس سنوات من ٩ إلى ١١ بالمئة. يسمح هذا النهج التدريجي لكل من الموظفين وأرباب العمل بالتكيف تدريجياً مع المعدلات الجديدة، مما يضمن انتقالاً سلساً. أخيراً، ترافق الإصلاحات حملة  إعلامية مصحوبة مع منصة مخصصة، مع توفير الإمكانية للعمال بإدخال رقم هوياتهم الوطنية للحصول على تفاصيل حول كيفية تأثرهم بالقانون الجديد، بما في ذلك تاريخ أهليتهم للتقاعد المبكر وتاريخ تقاعدهم العادي. 

إن إصلاح المعاشات في المملكة العربية السعودية هو تطور رائد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكن هناك حاجة لمزيد من الإصلاحات. يتطلب تحقيق نظام معاشات مستدام المزيد من الإصلاحات، أبعد من إصلاحات معيارية مثل سن التقاعد وفترات الاشتراك. ولضمان الاستدامة والكفاية، فمن الضروري تنويع  تمويل المعاشات، وتصميم آليات التكيف، وتعزيز خيارات التوفير الخاصة. يمكن أن توفر هذه الإجراءات مزيداً من القدرة على الصمود والأمان، حيث تلبي احتياجات السكان المتنوعة. وذلك من خلال تبني نهج شامل يوازن بين الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية، وبذلك يمكن للبلدان حماية نفسها بشكل أفضل من المخاطر الاقتصادية والديموغرافية والسياسية. إن  تصميم استراتيجيات شاملة تأخذ في الاعتبار هذه الإجراءات، لن تعمل فقط على تأمين المستقبل المالي للسكان المتقدمين في العمر، ولكنها ستؤدي أيضا إلى تعزيز أنظمة معاشات شاملة وقادرة على الصمود، في جميع أنحاء العالم. مثل هذه المبادرات تضع سابقة للسياسات المتقدمة التي يمكن أن تتبعها الدول الأخرى لتعزيز أطر ضمانها الاجتماعي، وتضع المملكة العربية السعودية بإصلاحها الأخير مثالاً لبقية المنطقة العربية.


فاديا سعدة

المديرة الإقليمية للتنمية البشرية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي

يوهانس كويتل

خبير اقتصادي أول، قطاع الممارسات العالمية للحماية الاجتماعية والعمل

غوستافو ديماركو

كبير الخبراء الاقتصاديين ورئيس فريق المعاشات التقاعدية العالمية، ورئيس فريق العمل، البنك الدولي

رامي زيد

خبير اقتصادي، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، البنك الدولي

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000