هل تؤدي المساعدات القانونية إلى الحد من الفقر؟

|

الصفحة متوفرة باللغة

نُشر هذا المقال لأول مرة في مدونة التنمية في المستقبل.

 عماد عبدالهادي I البنك الدوليحضرت الأسبوع الماضي مؤتمرا لهيئات تقديم المساعدات القانونية، وهي مجموعة غير رسمية أغلب أعضائها من البلدان الغنية، ولكن مع عدد متزايد من المشاركين من البلدان النامية. وتقدم هذه الهيئات بشكل عام خدمات المساعدة القانونية- التي تغطي المعلومات العامة والتوعية، والمشورة الجماعية والفردية وتوكيل المحامين- مجانا للفئات الفقيرة والضعيفة، حتى يفهموا بشكل أفضل حقوقهم وإجراءات تنفيذها، وتحسين سبل حصولهم على الخدمات الرسمية لقطاع العدالة (تلك التي توفرها المحاكم، وأجهزة تسوية المنازعات، والمحامون).

ومن الناحية النظرية، فإن تقديم المساعدات القانونية يبدو منطقيا، وينبغي أن يستفيد الفقراء من زيادة الوعي وتيسير سبل الوصول إلى المحاكم والمحامين. إلا أن لهذه الخدمات ثمنا: فالمساعدة القانونية ليست رخيصة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحامين. وفي حين هناك عدد من التوجهات الجديدة في مجال المساعدة القانونية لزيادة الاستدامة المالية، فستظل المساعدة القانونية مدعومة دوما، سواء من قبل الحكومات أو آخرين (نقابات المحامين، وجماعات المجتمع المدني).

وخلال المؤتمر، ناقشت المجموعة أسئلة طالما صارعت معها لفترة من الزمن: ما تأثير المساعدة القانونية على الفقر؟ هل نستطيع النظر إلى المساعدة القانونية من منظور مكافحة الفقر بدلا من منظور تحقيق العدل؟

يتعامل الفقراء بشكل مختلف مع قطاع العدالة. وعلى الأرجح يمكن أن يتعرضوا لأنماط معينة من المنازعات، لكن مع تدني فرصة حصولهم على الخدمات لحل تلك المنازعات. فالتكاليف، لاسيما أتعاب المحامين، تشكل عقبة كبيرة. إلا أن المشاكل القانونية، التي لا يتم حسمها، يمكن أن تسبب نوعا من الصدمات التي تلقي بالضعفاء إلى براثن الفقر. فالتجاوزات المتعلقة بالعمالة (مثل إنهاء العمل بشكل تعسفي وعدم دفع الأجور كاملة)، والطرد من السكن، والديون، والمشاكل الأسرية (كالطلاق) يمكن أن تؤدي جميعها إلى صدمات مالية هائلة لمن يعيشون على حافة الفقر. كما أن عدم حسم المشاكل القانونية يمكن أن يحول دون خلاص أولئك الفقراء من فقرهم. فالعجز عن تطبيق إعانة الطفل والنفقة يمكن أن يكرس الفقر بين الأسر التي تعولها النساء.

يسلط أحد برامج المساعدات القانونية في الأردن، وهو برنامج يدعمه البنك الدولي واليابان وينفذه مركز العدل للمساعدة القانونية، وهو منظمة أردنية غير حكومية، بعض الضوء على جانب من حلقة الوصل بين الفقر والخدمات القضائية، كالمساعدات القانونية. في عام 2012، أجرى مركز العدل للمساعدة القانونية، بالتعاون مع دائرة الإحصاءات العامة، مسحا لنحو 10 آلاف أسرة عن قطاع العدالة فقط- المسح الإحصائي عن حجم الطلب على خدمات المساعدات القانونية (مسح عن المساعدات القانونية).

ووجد المسح أن الفقراء ومن هم على حافة الفقر معرضون على الأرجح لمشاكل قانونية، وبين أن 68% من المنازعات المسجلة هي من نصيب الأسر الفقيرة (التي تقع  تحت منتصف توزيع النفقات حسب المسح). كما يعاني الفقراء من محدودية سبل الحصول على خدمات قطاع العدالة.  فمن حيث تجنب اللجوء للمحكمة نجد عدد الأسر المدرجة ضمن الربع الأقل إنفاقا يزيد عن ضعف الأسر المدرجة ضمن الربع الأعلى إنفاقا، وعن أربعة أضعاف من حيث الذهاب إلى المحكمة بدون محام.

وتضمن المسح الذي أجري عن المساعدات القانونية بيانات عن أنماط المشاكل القانونية التي قدتؤثر في الفقراء ومن هم على حافة الفقر. وواجهت الأسر المصنفة ضمن النصف الأقل إنفاقا نحو 80% من المشاكل القانونية المتعلقة بقانون الأسرة، و68% من المشاكل المتعلقة بالقانون المدني، و65%من المشاكل المتصلة بالقانون الجنائي. وكانت الأسر التي تعيش على حافة الفقر- وهي تلك المصنفة ضمن الربع الثاني من الأسر الأقل إنفاقا- على الأرجح هي الأكثر ميلا إلى الإبلاغ عن مشكلة قانونية في كل مجالات القانون. وترتبط أنواع معينة من القضايا بالفقراء ومن هم على حافة الفقر الذين يشكلون أغلبية المتنازعين في قضايا حضانة الطفل (90%) والنفقة/إعانة الطفل (%83)، والميراث (80%) والاعتداء (78%)، والعنف الأسري (77%) والمنازعات العمالية (70%) والمنازعات بين المالك والمستأجر (68%).

وبالنظر لأنواع القضايا الأكثر تأثيرا في الفقراء ومن على حافة الفقر في الأردن ومع دراسة الخصائص العامة للفقر في البلاد، نستطيع أن نقيّم أيها قد تؤثر في الفقر. ونظرا لانخفاض نسبة النساء العاملات في الأردن، فقد تشكل النفقة وإعانة الطفل الموارد المالية الوحيدة للمرأة المطلقة أو المعيلة للأسرة. ويرجح أن يكون عدم دفع نفقة إعانة الطفل سببا لفقر بعض الأسر في الأردن كما هو في العديد من أنحاء العالم. والمنازعات العمالية هي مثال آخر. ونحن نعلم أن الفقراء ومن هم على حافة الفقر معرضون على الأرجح للإساءة في العمل، كإنهاء العمل بشكل تعسفي والامتناع عن دفع الأجور. وهذا هو نوع الصدمات التي يمكن أن تدفع الأسر الضعيفة إلى الفقر.

ويعكف المركز والبنك الدولي حاليا على تصميم منهجية لقياس تأثير المساعدات القانونية على الفقر. وبدل التركيز على  نتائج القضايا (ما يحدث في المحكمة) والعائد الاجتماعي على تقييمات الاستثمار-وهي المؤشرات الشائعة في هذا المجال، سنقيس التأثيرات على مستويات الفقر، ومؤشرات التنمية الاجتماعية والولاية على مستوى الأسر والأفراد المستفيدين. ونأمل أن يتمكن مركز العدل للمساعدة القانونية من تتبع المستفيدين منه على مدار الزمن (قد يكون لسنوات عديدة) لرصد الآثار المتنامية. وسيسهم ذلك في زيادة فهمنا  بدور المساعدات القانونية في مكافحة الفقر، ونأمل في أن يفتح الباب أمام التقييم الأوسع للدور الذي تؤديه خدمات قطاع العدالة في التصدي للفقر.