منذ حوالي الألف عام إنتقل العالم العربي الشهير والمتخصص في الرياضيات إبن الهيثم من البصرة إلى القاهرة لتولي وظيفة جديدة في أحد الأحياء المجاورة لجامعة الأزهر. في ذلك الوقت، كانت المنطقة العربية رائدةً في مجال التكنولوجيا، بوجود علماء، ومخترعين وفنّانين وفلاسفة يتنقلون بحريّة من شواطئ شبه الجزيرة الإسبانية إلى جبال ووديان آسيا الوسطى. قد دُعي إبن الهيثم إلى مصر من قبل حاكمها الشاب، الذي إلى جانب الكثير من قادة المنطقة، كان مناصراً للمعرفة والابتكار. كان لابن الهيثم وغيره من المبتكرين في الشرق الأوسط دعم سياسي قوي ونفاذ إلى موارد إقتصادية مهمة، الأمر الذي أدّى إلى الكثير من الاكتشافات العلميّة التي حددت مسار التطور التكنولوجي في العالم آنذاك. لِمَ يختلف الوضع في مطلع الألفية الثانية؟
يجمع علماء الإقتصاد على أنّ أحد المكوّنات الأكثر أهميةً لخلق فرص عمل ذات مردود إجتماعي مفيد هو ما يعرف بانتاجية عوامل الإنتاج. هذا مجرد تعبير آخر عن التكنولوجيا التي تخدم موارد الإنتاج. غير أنّ معظم الحكومات في المنطقة لا تزال تبتعد عن هذا المدماك الإقتصادي، كما لو أنّ التكنولوجيا هي سلعة أجنبية أو كماليّة أو أداة ترفيهية، لا مادة حيوية للتطوّر والنمو. على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن قطاع الإنترنت في الكثير من الدول العربية يعاني من قيود سياسية تعيق وصول هذه الخدمة إلى الكثير من المواطنين حيث أن 36 من كلّ 100 مواطن عربي ينفذون إلى شبكة الإنترنت و3 من هؤلاء ال 36 فقط ينفذون من خلال انترنت الحزمة السريع.
في هذا السياق يمكن تحسين فرص الدخول إلى هذه الخدمة من خلال سنّ تشريعات عصرية (العراق واليمن) أو إقرار مراسيم تنظيمية أكثر عدلاً (تونس ومصر وليبيا) وفي بعض الحالات حتى بمجرّد كبسة زر لربط المواطنين بكابلات انترنت جديدة (لبنان). ولكن في الواقع، تبدو القيادة السياسية والبيروقراطيات الحكومية غير قادرةٍ على فهم الإمكانيات الهائلة التي تتأتّى من إصلاح قطاع الاتصالات، بما فيه من منافعَ تعود بالفائدة على شرائحَ كبيرة من المجتمع.
فالجدير ذكره أن في العقود الثلاثة المنصرمة، وفي ظل التطورات العلمية التي شهدها العالم وتزايد نسبة الفئات العمرية الشابة في الدول العربية، واصل متوسط عمر القادة السياسيين العرب بالإرتفاع الأمر الذي يعاكس ما يحصل في الدول الناشئة والمتقدمة إقتصادياً، على غرار الصين، والبرازيل، وروسيا، والمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، حيث المجتمعات تشيخ ومتوسط عمر النافذين في القطاع العام يستمر بالإنخفاض. ففي العام 2015، يبلغ متوسط عمر رؤساء الدول والحكومات في الشرق الأوسط 68 عاماً مقارنةً مع 58 في أوروبا، و 61 في أمريكا الشمالية والجنوبية، و 63 في آسيا وأفريقيا. مقارنة بالماضي فإن متوسط عمر القادة العرب اليوم هو ثلاثة أضعاف عما كانوا عليه في أوج العصر الذهبي، والأمر الذي يثير القلق أكثر هو أن متوسط عمر الذين تبوأوا مراكز السلطة في بلدان ما سمي بالربيع العربي هو حوالي 70 عاماً، مقارنةً مع متوسط عمري يبلغ 45 عاماً لأسلافهم حين استلموا السلطة.
في الواقع، هذه مجرد أرقام وليس العمر هو التحدّي الحقيقي بل التزام الحكومات العربية وقدرتها على مواكبة التطوير. من خلال عملي في السنوات الثلاثة الماضية في أكثر من 11 دولة في الشرق الأوسط، شاهدت بأمّ العين كيف أنّ الكثير من النافذين في القطاع العام يكرّسون اعمارهم وخبراتهم للتعاطي مع الوضع ألقائم بدل من تغييره.هذا ليس بالضرورة ما يجب أن تكون عليه الأمور.
اليوم، هناك 100 مليون مواطن عربي ما بين ال 15 و 29 عاماً. خلافًا لما يحصل في معظم أنحاء العالم، يُتوقّع أن تستمر هذه الفئة العمرية بالتزايد خلال السنوات الخمسين المقبلة. هذا يعني أنّ تمكين الشباب العربي المتعلم يُشكّل أولويةً استراتيجيةً لمستقبل المنطقة. فالحكومات اليوم يمكنها أن تُشجّع على تطوير قطاع التكنولوجيا وتطبيقاته الواسعة إقتصادياً من خلال التشارك مع الشبّان والشابات ومن خلال تعيين كوادر شابة في القطاع العام أكثر تآلفًا مع الوظائف العصرية للوزارات والوكالات العامة المُهمّة.
لقد أثبتت المنطقة العربية أنها لا تفتقر لمقومات النهضة العلميّة، بل ما تفتقر إليه اليوم هو قيادة ملتزمة بالسير في هذا الاتجاه؛ قيادة تركّز على تمكين العقول البارزة اليوم مثل إبن الهيثم ومدّها بالموارد والدعم الذي تحتاج إليه. فبقدرة هذا النوع من الأبطال، لا شكّ في أن قطاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط سينمو ويزدهر.
يجمع علماء الإقتصاد على أنّ أحد المكوّنات الأكثر أهميةً لخلق فرص عمل ذات مردود إجتماعي مفيد هو ما يعرف بانتاجية عوامل الإنتاج. هذا مجرد تعبير آخر عن التكنولوجيا التي تخدم موارد الإنتاج. غير أنّ معظم الحكومات في المنطقة لا تزال تبتعد عن هذا المدماك الإقتصادي، كما لو أنّ التكنولوجيا هي سلعة أجنبية أو كماليّة أو أداة ترفيهية، لا مادة حيوية للتطوّر والنمو. على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن قطاع الإنترنت في الكثير من الدول العربية يعاني من قيود سياسية تعيق وصول هذه الخدمة إلى الكثير من المواطنين حيث أن 36 من كلّ 100 مواطن عربي ينفذون إلى شبكة الإنترنت و3 من هؤلاء ال 36 فقط ينفذون من خلال انترنت الحزمة السريع.
في هذا السياق يمكن تحسين فرص الدخول إلى هذه الخدمة من خلال سنّ تشريعات عصرية (العراق واليمن) أو إقرار مراسيم تنظيمية أكثر عدلاً (تونس ومصر وليبيا) وفي بعض الحالات حتى بمجرّد كبسة زر لربط المواطنين بكابلات انترنت جديدة (لبنان). ولكن في الواقع، تبدو القيادة السياسية والبيروقراطيات الحكومية غير قادرةٍ على فهم الإمكانيات الهائلة التي تتأتّى من إصلاح قطاع الاتصالات، بما فيه من منافعَ تعود بالفائدة على شرائحَ كبيرة من المجتمع.
فالجدير ذكره أن في العقود الثلاثة المنصرمة، وفي ظل التطورات العلمية التي شهدها العالم وتزايد نسبة الفئات العمرية الشابة في الدول العربية، واصل متوسط عمر القادة السياسيين العرب بالإرتفاع الأمر الذي يعاكس ما يحصل في الدول الناشئة والمتقدمة إقتصادياً، على غرار الصين، والبرازيل، وروسيا، والمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، حيث المجتمعات تشيخ ومتوسط عمر النافذين في القطاع العام يستمر بالإنخفاض. ففي العام 2015، يبلغ متوسط عمر رؤساء الدول والحكومات في الشرق الأوسط 68 عاماً مقارنةً مع 58 في أوروبا، و 61 في أمريكا الشمالية والجنوبية، و 63 في آسيا وأفريقيا. مقارنة بالماضي فإن متوسط عمر القادة العرب اليوم هو ثلاثة أضعاف عما كانوا عليه في أوج العصر الذهبي، والأمر الذي يثير القلق أكثر هو أن متوسط عمر الذين تبوأوا مراكز السلطة في بلدان ما سمي بالربيع العربي هو حوالي 70 عاماً، مقارنةً مع متوسط عمري يبلغ 45 عاماً لأسلافهم حين استلموا السلطة.
في الواقع، هذه مجرد أرقام وليس العمر هو التحدّي الحقيقي بل التزام الحكومات العربية وقدرتها على مواكبة التطوير. من خلال عملي في السنوات الثلاثة الماضية في أكثر من 11 دولة في الشرق الأوسط، شاهدت بأمّ العين كيف أنّ الكثير من النافذين في القطاع العام يكرّسون اعمارهم وخبراتهم للتعاطي مع الوضع ألقائم بدل من تغييره.هذا ليس بالضرورة ما يجب أن تكون عليه الأمور.
اليوم، هناك 100 مليون مواطن عربي ما بين ال 15 و 29 عاماً. خلافًا لما يحصل في معظم أنحاء العالم، يُتوقّع أن تستمر هذه الفئة العمرية بالتزايد خلال السنوات الخمسين المقبلة. هذا يعني أنّ تمكين الشباب العربي المتعلم يُشكّل أولويةً استراتيجيةً لمستقبل المنطقة. فالحكومات اليوم يمكنها أن تُشجّع على تطوير قطاع التكنولوجيا وتطبيقاته الواسعة إقتصادياً من خلال التشارك مع الشبّان والشابات ومن خلال تعيين كوادر شابة في القطاع العام أكثر تآلفًا مع الوظائف العصرية للوزارات والوكالات العامة المُهمّة.
لقد أثبتت المنطقة العربية أنها لا تفتقر لمقومات النهضة العلميّة، بل ما تفتقر إليه اليوم هو قيادة ملتزمة بالسير في هذا الاتجاه؛ قيادة تركّز على تمكين العقول البارزة اليوم مثل إبن الهيثم ومدّها بالموارد والدعم الذي تحتاج إليه. فبقدرة هذا النوع من الأبطال، لا شكّ في أن قطاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط سينمو ويزدهر.
انضم إلى النقاش