أنا من مشجعي الزمالك، علي أن أعترف بذلك.ولمن لا يتابعون كرة القدم المصرية، فالزمالك هو الفريق الذي يأتي دوما في المركز الثاني.وهو الفريق الذي يوشك على الفوز باللقب، لكنه يتعثر دوما في النهاية.إذا ما كنت تعاني من متاعب في القلب، أو لديك استعداد كبير للإصابة بهذه المتاعب، شجع الزمالك ولن يمر وقت طويل حتى تقوم بأول زيارة لطبيب القلب. نعم، إنه أمر مفجع إلى هذا الحد.
وهناك فريق الأهلي،الذي يقتنص دائما المركز الأول ويتمكن من الإطاحة بالزمالك بفارق نقطة واحدة، أو هدف واحد.إنه يفوز دائما، هذا هو ما يفعله، يحصل على الجائزة المالية الكبرى، ويمتلك أكبر عدد من المشجعين الذين يرتدون جميعا اللون الأحمر لون قميص الأهلي.
وبالطبع يكره مشجعو كل فريق مشجعي الفريق الآخر.عندما كنت في مصر سألت صهري وولديه خالد (15 عاما) وميكو (13 عاما) عما إذا كانوا يرغبون في الذهاب إلى مباراة للزمالك. ويعتبر هذا سؤالا شائكا في العادة لأن صهري وميكو من مشجعي الأهلي.أما خالد فلا يعبأ بالأمر؛أهلي/زمالك "كله واحد" فالعملية برمتها همجية بالنسبة له. إنه صبي فطن حقا!
إذا، لم تلق دعوتي أي ترحيب. ووفقا لصهري، لم يعد أحد يذهب لمشاهدة الأهلي ولا الزمالك، موضحا ذلك بالقول "الألتراس جعلوا الذهاب إلى هذه الأحداث الرياضية أقرب إلى المستحيل"، فطلبت من صهري أن يشرح لي من هم الألتراس؟ وفي حين أن اليومين المقبليْن كانا سيشهدا مباراتيْن لكل من الأهلي والزمالك ستبثان على شاشات التلفزيون وهو أمر لم أشهده منذ سنوات، أجاب صهري بأنني سأرى الألتراس وأفهم بنفسي.
أذيعت مباراة الأهلي أمام المحلة أولا. عندما نظرت إلى الجمهور رأيت الجميع يرتدون اللون الأحمر. كان الجميع يهتفون ويقفزون لأعلى ولأسفل في مجموعات منتظمة. لم يتوقف هذا طوال المباراة.كان هؤلاء هم الألتراس.عشرات الآلاف من مشجعي الأهلي المتعصبين اصطفوا على أحد جوانب الاستاد فيما وقف رجل في المنتصف يقفز لأعلى ولأسفل فيما يرتدي الألتراس زيا أحمر وقناعا كاللذي ظهر في فيلم الصرخة. مخيف، أقول لكم مخيف جدا.
شردت بعيدا لبرهة تم خلالها إحراز هدف.لم أعرف أي فريق أحرزه.لكن غضب الألتراس اشتعل وبدأوا يقذفون أي شيء تطوله أيديهم إلى الملعب، ويهتفون بألفاظ نابية دفعت محطة التلفزيون الرسمية إلى كتم الصوت، وسرعان ما تحول المشهد برمته إلى فوضى.نزل المشجعون الغاضبون إلى الملعب وبدا أنهم يحاولون الوصول إلى الحكم.تدخل الأمن المركزي بسرعة ليصحبه إلى خارج الملعب.وفيما تزايدت الفوضى بدأ المشجعون الغاضبون برشق الشرطة بأي شيء تطوله أيديهم ومهاجمتهم. وتراجعت الشرطة التي يرتدي جميع أفرادها زي مكافحة الشغب لتبدأ بمهاجمة المشجعين. استمر الكر والفر حتى ألغيت المباراة.قطع التلفزيون الرسمي البث حالما وصلت المشاجرة إلى نقطة الغليان، أما عن نفسي فلم أعد أحتاج إلى مشاهدة المزيد كي أفهم الأمر.
سألت صهري من هؤلاء الألتراس ومن يمولهم ومن له مصلحة في تنظيم أشخاص يبدون كعصابة من البلطجية يسيطرون على الاستاد إذا ما خسر فريقهم. فرد ميكو ابن أختي البالغ من العمر 13 عاما: "خالي، هذه هي كرة القدم الجديدة في مصر، سواء ألتراس الأهلي أو الزمالك جميعهم سواء: مجرد فوضى ونشاهد المشاجرات الآن أكثر من كرة القدم".
الآن استوعبت الأمر. كل المصريين أصبحوا متطرفين.إما أن تكون مشجعا متعصبا للأهلي أو للزمالك أو ببساطة لا تشاهد المباريات.إما أن تكون متعصبا في آرائك الدينية أو ليبراليا متطرفا.إما أن تكون معارضا متطرفا للحكومة الحالية أو مؤيدا متطرفا للجيش الذي عينها رغم أن هذا الفصيل يمثل أقلية.
ويحصل كل هؤلاء المتطرفين - وفقا للإعلام المصري - على أموال من طرف ما. المحافظون المتطرفون يحصلون على تمويل من السعوديين والخليج، أو على الأقل هذه هي المزاعم.أما الليبراليون المتطرفون فيحصلون على المال من الغرب.يبدو أن الجميع يملك أموالا طائلة لحشد التأييد، للإنفاق على الدعاية لبرامجهم والظهور في البرامج الحوارية التلفزيونية وما شابه ذلك.فقد ظهر ممثل إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة في حديث تلفزيوني وهو يعرض برنامج الجماعة ويعلن بشجاعة أنه في حالة وصولهم إلى السلطة سيجبرون المصريات على ارتداء الحجاب وستُمنع النساء من العمل وقيادة السيارة ولحفظ النظام سيصطف رجال مزودون بعصي في الشوارع لضرب أي امرأة لا "تلتزم" بهذه القواعد. وأضاف في ملحوظة جانبية أنهم سيعفون السائحات من الضرب بالعصي إذا ما أثبتن أنهن غير مصريات.
دفع هذا شابة ليبرالية متطرفة إلى بث صورها وهي تخلع ملابسها على موقعي يوتيوب وفيسبوك وتكتب رسالة مفادها "هذا هو ردي لو أجبرتموني على ارتداء الحجاب". لم تكن هذه كلماتها بالحرف ولكن هذا مفادُ رسالتها.وظهر خطيبها على التلفزيون في اليوم التالي ليعلن مساندته لتصرفاتها بنسبة مائة في المائة وأنهما يفكران في التعري معا في وقت لاحق لتوصيل رسالة أقوى. زاد الأمر عن حده حين قال لي ميكو الذي يبلغ 13 عاما: "خالي، هل ترغب في مشاهدة الفتاة العارية على اليوتيوب؟"
ماذا يحدث هنا حقا، لا .. لا أريد أن أشاهد مقطع اليوتيوب لكنني على يقين من أن الجميع في مصر شاهدوه وأكثر من مرة على الأرجح.لماذا أصبح الجميع متطرفين؟لماذا؟أين الذين يقفون في منتصف الطريق؟ماذا حدث للمعتدلين وللاعتدال؟أليس الإفراط في أي شيء سيئا لك بصورة ما؟
وكيف تؤدي الديمقراطية – وهو ما وُعدنا به بعد الثورة - إلى نتائج يخسر معها نصف سكان مصر – النساء - الكثير؟ عفوا لقد نسيت، فقد كان رد الرجل المتشدد خلال لقائه التلفزيوني المباشر بأن الديمقراطية حرام عندما وُجه له سؤال حولها.هذا متطرف للغاية، لكن أتمنى أن يكون أكثر اعتدالا حينما يشجع فريقه المفضل في كرة القدم المصرية حتى لو كان الشيء الوحيد الذي يفعله ذاك الفريق هو أن يحطم قلبك.
انضم إلى النقاش