في منطقة معروفة بتوجهاتها التي لا تتسم بالإنصاف للمرأة، يظهر الشرق الأوسط نتائج مفاجئة فيما يتعلق بوضع الفتيات في المدارس والذي يبدو أنه أفضل في عدة جوانب من باقي مناطق العالم. ومع هذا، فليس من الضروري أن يترجم هذا الإنجاز الأكاديمي حاليا إلى تقدم للمرأة في مجال التعليم العالي أو سوق العمل.
وقد أظهرت ورقة عمل أصدرها حديثا المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية للخبيرين فراير وليفيت دليلا على وجود فجوة بين الجنسين في مادة الرياضيات بالمستوى الابتدائي في الولايات المتحدة. ووسع الباحثان نطاق تحليلهما ليشمل طلاب المدارس الثانوية أيضا، ليتبين أن هذه الفجوة قائمة في مختلف أنحاء العالم، فيما عدا منطقة الشرق الأوسط.وكتب المؤلفان: "من المثير للدهشة أنه على الرغم من اتساع الفجوة بين الجنسين إلى حد كبير في بلدان الشرق الأوسط، فإن هذه الفجوة تتلاشى في متوسطات الرياضيات في هذه البلدان". وفي الواقع، هناك فجوة عكسية بين الجنسين حيث تتفوق الفتيات على الأولاد في نتائج الصف الرابع، وهو منحى يستمر حتى الصف الثامن، وحتى نكون منصفين، مع بعض الاستثناءات.
بناء على البيانات المستقاة من دراسة مستعرضة للطفولة المبكرة-فئة رياض الأطفال (ECLS-K)، وجدت الدراسة أن كلا من الفتيات والأولاد الذين يلتحقون برياض الأطفال في الولايات المتحدة متساوون في مادتي الرياضيات والقراءة. وبنهاية الصف الخامس، تكون الفتيات، مع هذا، قد تراجعن في الرياضيات عن نظرائهن من الأولاد 0.2 على الانحراف المعياري، وهي فجوة تعادل شهرين ونصف الشهر من الدراسة.
وعندما حول كل من فراير وليفيت انتباههما إلى النتائج العالمية، بفحص البيانات المستمدة من نتائج اختبارات التقييم الدولي للطلاب ومن دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم، ومقارنة دراستين قياسيتين عالميتين لطلاب الصفين الثامن والرابع على الترتيب، وجدا أن النتائج التي خلصا إليها هناك تؤكد ما شهداه في الولايات المتحدة. ومع هذا، يظل الشرق الأوسط استثناءً من ذلك: ففي كل البلدان المشاركة في الدراسة، عدا بلد واحد، تتفوق فتيات الصف الرابع على الأولاد حسب تقييم دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم، في حين يواصلن التفوق على الأولاد في الصف الثامن حسب دراسة الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم، وإن كان هناك بعض الاستثناءات حاليا.
وتتناول الفرضية التي قدمت لشرح ذلك فصولا دراسية غير مختلطة. في بلدان الشرق الأوسط، مثل البحرين والأردن وفلسطين وسوريا والسعودية، حيث يتم الفصل بين الجنسين في المرحلة الثانوية، تتفوق البنات على البنين في حين يتفوق البنون على البنات في اختبارات الصف الثامن في البلدان التي تسمح بالفصول المختلطة، مثل المغرب والجزائر وتونس ولبنان. ويقود هذا المؤلفين إلى الدفع بأن "الفصول الدراسية المختلطة هي مكون ضروري من مكونات انعدام المساواة بين الجنسين والتي تترجم إلى سوء أداء الفتيات في الرياضيات."(Fryer and Levitt, 2009, p.21). وفي هذا السياق، كان من الضروري معرفة ما إذا كانت درجات الرياضيات المأخوذة من بيانات الدراسة المستعرضة للطفولة المبكرة-فئة رياض الأطفال (ECLS-K) للبنات والبنين الذين تعلموا في الولايات المتحدة في فصول دراسية غير مختلطة ستعزز هذه الفرضية أم لا، إلا أن هذا لم يكن هو السؤال الأساسي للبحث.
ومع هذا، لا يتم الفصل بين الجنسين في كل المدارس الابتدائية بالعالم العربي. بل إنه من النادرالفصل بين البنات والبنين في فصول الدراسة بالمدارس الابتدائية. وحينما يتم اختبار طلاب الصف الرابع في الرياضيات حسب دراسات الاتجاهات الدولية لمادتي الرياضيات والعلوم، يبرز بالفعل الانعكاس في الفجوة بين الجنسين. على سبيل المثال في تونس، حيث الفصول الدراسية المختلطة، تثبت هذه النتائج على نحوٍ واضح وجود فروق مهمة من الناحية الإحصائية تميل لصالح الفتيات اللائي حصلن على 337 درجة، أي بمتوسط يزيد على 18 نقطة عن الأولاد الذين أحرزوا 319 درجة.
أما في اختبارات الصف الثامن حسب دراسة الاتجاهات الدولية لمادتي الرياضيات والعلوم، تبين أن الاتجاه الذي يفرض نفسه هو أن البلدان الأكثر علمانية في المنطقة حيث الفصول الدراسية المختلطة، تشهد انقلابا في الاتجاهات التي سلكها الصف الرابع، أي تفوق البنين على البنات- مثلها في ذلك مثل باقي دول العالم- في حين أنه في البلدان الأكثر تحفظا حيث لا اختلاط في الفصول الدراسية، تواصل البنات التفوق على البنين. لكن تظل هناك استثناءات أيضا في هذا التقسيم بين العلماني والمتحفظ: فعلي سبيل المثال، مازالت البنات يتفوقن على البنين في الأردن.
ويبقى التوصل إلى تفسير مقنع لكل هذه النتائج المتباينة أمرا صعبا-- لكن ربما تساعد النتائج المستخلصة من اختبارات دراسة الاتجاهات الدولية لمادتي الرياضيات والعلوم لعام 2011 على تحديد الأسباب الجذرية لهذه الفجوة بين الجنسين.وبالطبع هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث.في الوقت نفسه، تتفوق البنات على البنين في المنطقة حاليا في جميع المواد، ويواصلن تلك النتائج حتى يصل المزيد منهن إلى التعليم العالي. وحسب الأرقام الصادرة عن اليونسكو، فإن المعدل الإجمالي لالتحاق الفتيات بالتعليم العالي يتزايد سريعا، حتى إن معدل التحاق البنات بالتعليم العالي أصبح يعادل أو ربما يفوق نظيره بين البنين في 15 من بين 22 بلدا عربيا. وهذا في حد ذاته يقود إلى مجموعة من التعقيدات؛ففي مجال الرياضيات والعلوم، تبرز بعض الاختلالات الصارخة.
ففي الكويت يتعين على الفتيات اللائي ينشدن دراسة مجالات جرى العرف بأنها مقصورة على البنين، مثل الهندسة، أن يحصلن على متوسط درجات أعلى من البنين حتى يلتحقن بها. وفي عُمان، غالبا مايتعين على الطالبات تأجيل دراستهن الجامعية لمدة عام، وهو ما لا يطبق على البنين (حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- بيت الحرية).
مشاركة المرأة في سوق العمل ضئيلة بالمعايير الدولية لكنها تزداد ببطء.وحسب منظمة العمل الدولية، كانت هذه النسبة 22.6 في المائة عام 2000، ما لبثت أن ارتفعت إلى 24.8 في المائة عام 2009 (بالمقارنة بالمعدلات العالمية التي كانت 52.1 و 52.7 في المائة لهذين العامين على التوالي).ومع زيادة تحقيق المرأة أهدافها التعليمية، تحاول نساء كثيرات الانضمام إلى سوق العمل،لكن فرص التوظيف هناك تبدو ضئيلة.وتشير أرقام البنك الدولي عن التوظيف إلى أن المتعلمات هن أصحاب أعلى معدلات البطالة في المنطقة.فعلى سبيل المثال، تعاني 29.1 في المائة من خريجات الجامعة في مصر من البطالة، وهو ما يعادل ثلاثة أمثال نظرائهن من الذكور.
وقد دفع البعض بأن أحد أسباب انتفاضات الربيع العربي هو أن الفئات المتعلمة في مصر وتونس قد طال أمد إهمالها.ومع تقدم المرأة في التعليم بالمنطقة، يتساءل المرء إلى متى ستظل مهملة هي الأخرى؟
انضم إلى النقاش