وصلت للمرة الأولى إلى جيبوتي في يونيو/حزيران 2012، بعد نحو أسبوع من تعييني ممثلا مقيما للبنك الدولي.
خلال أول اجتماع يضمني مع مسؤول حكومي، سألني عن مساندة البنك لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية والاستكشاف اللازم لتحديد المصادر القابلة للتطوير. يجب أن أعترف إنني في ذلك الوقت لم أكن أعرف الكثير عن هذه التكنولوجيا.مع ذلك، تعلمت بسرعة، نظرا لأنه في كل الاجتماعات التالية كان نظرائي من الحكومة يستفسرون دوما عن وضع مشروع الطاقة الحرارية الأرضية الذي كان قيد الإعداد.
كانت جيبوتي تنتظر توليد الطاقة الحرارية الأرضية طوال 40 عاما تقريبا.كانت هناك عدة محاولات لتسخيرإمكانيات الطاقة الحرارية الأرضيةفي البلدعلى مدى سنوات، تعود بدايتها لسبعينات القرن المنصرم. وأكدت كل محاولة وجود سوائل الحرارة الأرضية، لكن لا الموارد المالية ولا التكنولوجيا المتاحة كانت ملائمة بما يكفي لتأكيد الجدوى الاقتصادية وتنمية هذه إمكانيات الحرارة الأرضية.لكن هذا كله قد تغير الآن.
فالطاقة الحرارية الأرضية طاقة تراعي البيئة:طاقة نظيفة متجددة ومنتظمة وميسورة التكلفة. وعلى عكس الطاقة الشمسية التي لا يمكن توليدها إلا وقت شروق الشمس، أو طاقة الرياح التي لا يمكن توليدها إلا مع هبوب الرياح، فالطاقة الحرارية الأرضية متاحة طوال الوقت.
تستخدم محطات توليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية سوائل يتم تسخينها من خلال باطن الأرض لتوليد البخار الذي يدير توربينات مولدات الكهرباء. ويمكن تطوير الطاقة الحرارية الأرضية عندما يكون مصدر الحرارة قريبا بما يكفي من سطح الأرض بحيث يمكن الوصول إليه عن طريق الحفر.وغالبا ما يكون هذا هو الحال على أطراف الصفائح التكتونية، مثل منطقة الوادي المتصدع في شرق أفريقيا حيث تقع جيبوتي.
وتعد تكلفة الكهرباء حاليا أحد العوائق الرئيسية أمام تطوير القطاع الخاص والنمو الاقتصادي في جيبوتي فالبلد يعتمد اعتمادا كاملا على الواردات لتلبية احتياجاته من الطاقة.وتأتي الطاقة الكهربية حاليا إما من الطاقة الكهرومائية المستوردة من أثيوبيا أو من حرق زيت الوقود الثقيل المستورد في محطات الكهرباء المحلية. ويؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة إنتاج وإمدادات الكهرباء، التي يتم بعد ذلك نقلها إلى المستهلك. ورغم السعرالمرتفع، لا تزال إمدادات الكهرباء غير كافية للنمو السكاني والاقتصادي لجيبوتي.وبينما تتوفر الكهرباء في العاصمة، لا تزال المناطق والقرى النائية تغرق في الظلام.
وأصبح مشروع الطاقة الحرارية الأرضية في جيبوتي جاهزا الآن للانطلاق، وسيكون أول استكشاف من أي نوع يموله البنك الدولي منذ 20 عاما تقريبا.وتعاون الكثير من المانحين أيضا لمساندة التزام جيبوتي، من بينهم المؤسسة الدولية للتنمية، ووكالة التنمية الفرنسية، والبنك الأفريقي للتنمية، بتمويل إضافي من صندوق الطاقة المستدامة لأفريقيا، وبرنامج المساعدة في إدارة قطاع الطاقة، وصندوق البيئة العالمية، وصندوق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) للتنمية الدولية.ولأن مرحلة الاستكشاف في المشروع تتم بمساندة أموال عامة تستخدم منحا خارجية أو قروضا ميسرة فسيؤدي ذلك إلى تقليل التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 52 مليون دولار.كما سيتيح ذلك إنتاج الكهرباء بتكلفة تقل 4 سنتات لكل كيلوواط/ساعة عما لو كان المشروع من تمويل القطاع الخاص.
وفيما يلي بعض الأرقام:في الوقت الراهن، يتم إنتاج الكهرباء محليا بتكلفة 24 سنتا لكل كيلوواط/ساعة.ويسهم المشروع في خفض تكلفة الإنتاج المحلي إلى 10 سنتات لكل كيلوواط/ساعة، وسيجعل إمدادات الطاقة أكثر استقرارا. ويوفر استبدال قدرات توليد الطاقة الحرارية في جيبوتي بالطاقة الحرارية الأرضية لشركة كهرباء جيبوتي الحكومية 57 مليون دولار سنويا.ونظرا لأن شركة كهرباء جيبوتي مملوكة للدولة، ستقلل هذه الوفورات بشدة الأعباء المالية لتوليد الكهرباء عن كاهل الميزانية الوطنية.
وسيعود هذا أيضا بمنافع بيئية.ويقلل المشروع البصمة الكربونية لجيبوتي من خلال المساعدة في موازنة ثمانية ملايين طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال 30 عاما.
ومع ذلك، سيكون المستفيد الرئيسي من المشروع هم سكان جيبوتي.إذ سيستفيدون من انخفاض تكلفة فواتير الكهرباء، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة القدرة الشرائية للأسر المعيشية. كما أن زيادة إمدادات الكهرباء بأسعار أرخص سيتيح المزيد من الفرص للمشروعات الصغيرة، وهو ما سيقود إلى تنمية القطاع الخاص وخلق وظائف جديدة. ويساعد أيضا في جذب الاستثمارات الأجنبية، الضرورية للتنمية الاقتصادية في جيبوتي.
ويتمثل بعد آخر لا يقل أهمية للمشروع في بناء المهارات الفنية والمعارف في المؤسسات الرئيسية والهيئات الحكومية، مثل شركة كهرباء جيبوتي، ووزارة الطاقة، ومركز جيبوتي للدراسات والبحوث.ونتيجة لذلك، ستطور جيبوتي المعارف المطلوبة كي تجري بنفسها الاستكشافات الحرارية الأرضية في مواقع واعدة أخرى في البلاد كما هو الحال في نورد جوبيت.
وسيحل هذا الشهر الذكرى السنوية الأولى لي في جيبوتي، وأنا فخورة برؤية مشروع يمضي قدما وقد تكون له تأثيرات عميقة على بلدي المضيف مستقبلا. ويدير البنك الدولي عددا من المشروعات في جيبوتي تركزت على قضايا تتنوع بين الصحة والتعليم وشبكات الضمان الاجتماعي بهدف خفض أعداد الفقراء في الحضر، وتطوير المجتمعات المحلية، وبناء المرونة في مواجهة تغير المناخ.وأحدثت كل هذه المشروعات أثرا وأسهمت في الجهود الوطنية المبذولة لوضع أسس التنمية المستدامة الشاملة.وفي ضوء قدراته التحويلية الملموسة، يعد هذا المشروع عاملا محتملا في تغيير قواعد اللعبة لجيبوتي ومواطنيها.وكان هناك العديد من التحديات أمام مشروع طاقة الحرارة الأرضية لكن بالجهود المشتركة للحكومة والبنك الدولي وشركاء التنمية تم التغلب على كل منها. وأنا على يقين بأن هذا الالتزام الذي شهدته بإنجاز المشروع سيدفعه قدما إلى النجاح.
انضم إلى النقاش