نشر في أصوات عربية

لا عيب في الفقر بل في الاستسلام له

الصفحة متوفرة باللغة:

فاجأتني قصة الست غالية المنشورة في صحيفة الواشنطن بوست في السابع عشر من شهر آب أغسطس... لم ينته هذا المقال بانتهائي من قراءته، إذ بقي يدور في ذهني ويعصر قلبي.. أترى لأن غالية محمود انتقلت من كونها خادمة إلى كونها مذيعة تلفزيونية؟  أترى لأن الصحيفة توقفت عند قصة كهذه ورأتها تستحق النشر؟ أترى لأني عرفت قليلا عن محتوياتتقرير مراقبة أسعار الغذاء لمجموعة البنك الدولي الذي صدر قبل أيام والذي يشير إلى أن أسعار الغذاء العالمية وصلت مستويات عالية، وأن من شأن ذلك أن يعرض الفئات الأشدّ فقراً في بلدان العالم النامية لمخاطر مستمرة عند اقترانه باستمرار اضطراب الأسعار؟

ألخص ما أوردته الواشنطن بوست على صفحاتها.  غالية محمود، مصرية عمرها 33 سنة، كانت تعمل خادمة، حتى أعطاها مؤسس محطة تلفزيونية جديدة حملت اسم القناة 25، وهو اليوم الذي بدأت فيه الثورة المصرية في ميدان التحرير، فرصة أن تقدم برنامجا تلفزيونيا يعلم المصريين تحضير وجبات في مقدورهم شراء موادها الغذائية، حيث لا تتجاوز كلفة الوجبة 4 دولارات. صارت الست غالية رمزا يحاكي واقع معظم المصريين الذين لم يعودوا محجوبين عن الأنظار، يتفرجون على برامج لا تمثلهم ولا تتناول همومهم ولا تحمل لهم حلما.

هذه السيدة التي كان همها الأول إعداد الطعام لعائلتها وأقربائها البالغ عددهم خمسة عشر شخصا ويعيشون على دخل لا يتعدى 200 دولار شهريا، صارت تساعد المجتمع كله كي لا يجوع...

قصص الناس العاديين لا تنشر عادة، أما قصة هذه السيدة المصرية، فقد نشرت في الصحافة العالمية.. ليس لأنها قصة غريبة، بل لأنها تعلمنا دروسا في الحياة لا تتناولها الدراسات والإحصاءات وتعصى على التحليل...

من جهة، تمكنت الست غالية من مدّ ملايين المشاهدين بالأمل بأن الإنسان قادر على تغيير مصيره وتحسين مستوى عيشه، وقدمت حلولا عملية للتعامل مع مشاكل كضيق ذات اليد.  كما أنها تمكنت من الوصول إلى شريحة كبرى من المجتمع، والاستماع إلى أسئلتهم واقتراحاتهم وإخراجهم من حالة العجز وتمكينهم وإشراكهم في عملية التغيير.  فهي تمكنت من محاكاتهم من خلال برنامجها لتعليم تحضير الوجبات البسيطة غير المكلفة، إنها منهم، وتعاني ما يعانون.  هي مثلهم، تريد تأمين الطعام لعائلتها ولا تترك أطفالها يجوعون، ولا عيب في الفقر، ولكن العيب أن يستسلم المرء لفقره وكأنه مرض مستعص على العلاج.  قالت لهم إن تعلم المهارات أو تطويرها أمر بحوزتهم ليقيهم شر العوز وقالت لهم إنهم ربما لن يأكلوا اللحم كل يوم، ولكنهم سيأكلون كل يوم حتما.

فالست غالية تمثل شريحة كبرى من النساء اللواتي قد يكنّ المعيل الوحيد للعائلة، ومع هذا فان التمييز ضد النساء ما زال سائدا ومجالات العمل محدودة. وعلى الرغم من الظروف، فإنها حملت رسالة مفادها بأن بمقدور النساء أن يزدن من قدراتهن الإنتاجية وتعزيز مكانتهن في المجتمع وجني المدخول.

ربما لن يتأتى هذا من برنامج تلفزيوني يعلّم إعداد وجبات رخيصة الثمن، ولكن رسالة البرنامج هي أن التغيير ممكن، والمستقبل سيحفل بالأمل ما دام الفرد يشعر بأنه من صانعي القرار.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000