نشر في أصوات عربية

نظام الإدارة والتوظيف في القطاع العام بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا

الصفحة متوفرة باللغة:
ليدا بتيديني وغونتر هايدنهوف

أكدت الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الحاجة الملحة لخلق الوظائف وتوفير بيئة مواتية لقوة عمل من الشباب الذين يتمتعون بتعليم أفضل ومهارات أعلى.وأدت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى تفاقم المشكلة في منطقة تعاني أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم وأقل نسبة لمشاركة المرأة في قوة العمل.ويمضي هذا بالتوازي مع معدلات هائلة من التوظيف الذي يتسم بتدني القيمة المضافة، ومع قطاع عام مازال في معظم البلدان مصدرا لأغلب الوظائف في القطاع الرسمي.وأصبح التعامل مع هذه المشاكل والتحديات أولوية رئيسية للسياسات أمام كل حكومات المنطقة تقريبا.

وفي العديد من بلدان المنطقة، يظل القطاع العام هو المصدر الأول للتوظيف حيث يضطلع بتعيين بين 14 و40 في المائة من إجمالي العمالة.[1] وقد تكدست العديد من المؤسسات الحكومية بالموظفين، وغالبا ما يحصل موظفو الحكومة على أجور أعلى من القطاع الخاص. (انظر الجدول)  وتشكل الأجور الحكومية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 9.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهي أعلى نسبة في العالم.  في الوقت نفسه نعلم من التجربة أن الوسيلة الرئيسية لخلق الوظائف هي النمو الذي يقوده القطاع الخاص.كما نعلم أن ارتفاع معدلات التوظيف الحكومي يعوق الاستثمار في القطاع الخاص.  

Imageما هي أسباب جاذبية العمل في القطاع العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟  في الحقيقة هي الغاية المنشودة للساعين إلى العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لاسيما من الشباب والنساء.وأشار المسح الذي أجري عام 2009 إلى أن 80 في المائة من الخريجين في سوريا يفضلون العمل في القطاع العام، ونحو 60 في المائة لا يقبلون إلا العمل في القطاع العام.[2] وأسباب جاذبية وظائف القطاع العام واضحة للغاية:أن القطاع العام يقدم مزايا وظيفية مثل الأجور المتميزة والحوافز.  العمل في القطاع العام يكفي المرء مؤونة القلق من مخاطر الفصل ويوفر له الأمان الوظيفي - ويقترن هذا في الغالب مع انخفاض نسبي في المطالب المتعلقة بالإنتاجية. في الوقت نفسه، تقل الوظائف في القطاع الخاص الرسمي بالمقارنة ببلدان على نفس المستوى من التنمية الاقتصادية. فأغلب وظائف القطاع الخاص يمكن العثور عليها في القطاع غير الرسمي، فضلا عن أنها غير جذابة لأسباب عدة تشمل تدني الأجور وأنظمة الحوافز.       

وثمة بعد آخر لمشكلة التوظيف:فالعديد من المنضمين الجدد إلى سوق العمل لا يملكون ما تتطلبه السوق من مهارات - ففي حين أصبحت القوى العاملة ككل أكثر تعليما ومهارة مع مرور السنين، فإن سوق العمل لم تتمكن من بناء القدرة الكافية لاستيعاب هؤلاء القادمين الأكثر كفاءة.ولا ينمو القطاع الخاص بالسرعة الكافية لاستيعاب العدد الكبير من الباحثين عن فرصة عمل لأول مرة. وهناك عدد كبير من الأفراد ممن يختارون البطالة طوعا لعدم رغبتهم في العمل في وظائف متدنية المهارات أو الأجور. وتحظى وظائف القطاع العام في جميع أنحاء المنطقة باحترام أكبر وتتميز بمستوى أعلى من الأمان، كما أنها توفر "فرصا" أكبر مما توفره وظائف القطاع الخاص.مثال واحد:يمثل "الحصول على معاش تقاعدي وراتب من الحكومة في الوقت ذاته" مشكلة تنتشر في كل أنحاء المنطقة - ففي مصر، على سبيل المثال، يتغيب ربع العاملين في منشآت الصحة العامة يوميا تقريبا، وذلك حسب التقديرات الحديثة [3].  

وفي حين تعرض الشرق الأوسط لموجة واسعة من الخصخصة على مدى العقدين الماضيين، تظل العديد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية تحت السيطرة المباشرة للدولة أو - كما هو الحال في أغلب الأحيان - تحت سيطرة النخبة الاجتماعية.  ومازال القطاع الخاص عرضة للعديد من القيود والتشوهات - يصدق هذا بشكل خاص على القطاع الخاص غير الرسمي الذي يتعرض عادة لمضايقات كبيرة وتدخلات من قبل القطاع العام.    

Photo: Arne Hoel / World Bank 2011

وبمواجهة بيروقراطيات مترهلة - وفي الغالب عاجزة - فضلا عن تضخم فواتير الأجور، وصلت الاستراتيجيات التقليدية لاستغلال التوظيف بالقطاع العام كوسيلة لامتصاص الطلب الفائض على العمل إلى أعلى نقطة.ويزيد هذا من أهمية المساندة الفعالة والحاسمة لدور القطاع الخاص باعتباره المحرك لخلق الوظائف مستقبلا.  وسيقتضي "إعادة التوازن" في التوظيف بين القطاعين العام والخاص إحداث تغييرات كبيرة في السياسات وكذا في القطاع العام. ومن القضايا الرئيسية التي يمكن النظر إليها نظام التوظيف في القطاع العام والذي أصبح عقبة أمام النمو الاقتصادي. ويدفع العديد من الخبراء بأن التكاليف المقترنة بالتركيز العالي للوظائف في القطاع العام سيؤدي على الأجل الطويل إلى تدني النموالكليلعواملالإنتاج ومن ثم يكون له تأثير سلبي على جهود الحد من الفقر. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك هو الشباب المتعلم الذين يواصلون انتظار وظائف "مريحة" في القطاع العام بدلا من تعريض أنفسهم لآليات العرض والطلب المدفوعة باعتبارات السوق.  

ويبرز تقرير الخبز،الحرية، الكرامة: خلق الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الصادر حديثا عن البنكالدولي، العديد من التحديات التي تواجه أجندة نمو الوظائف في المنطقة بالإضافة إلى تسليط الضوء على الدور المدمر الذي تلعبه العقبات أمام دخول الشركات في السوق في غياب المنافسة السليمة بالعديد من البلدان.وتعود بعض هذه المشاكل إلى السياسات الحكومية، فيما يعود بعضها الآخر إلى التمييز في تطبيق هذه السياسات. وفي حين يتجنب التقرير الرئيسي الصادر عن البنك الدولي الحلول الجاهزة، فإنه يبرز عددا من الإجراءات التي ستمثل عناصر أساسية للنمو السريع والمستدام للقطاع الخاص في المنطقة. إن التصدي لتحديات التوظيف، سيتطلب أن تركز المنطقة على كل من الكم والكيف للوظائف التي تم توفيرها حديثا.

وستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى جهود مستدامة للمضي قدما صوب النمو الاقتصادي الدائم الذي تقوده قاطرة القطاع الخاص –ويجب أن تضع استراتيجيات مخلصة طويلة الأجل وقيادات تلتزم بتنفيذها. ومع تقديم الحوافز المناسبة وتوفير الإدارة الفعالة، ستعمل الاستثمارات العامة على جذب الاستثمارات الخاصة من خلال توفير الطاقة والطرق والمستلزمات اللوجستية والاتصالات الضرورية لتعمل الشركات بشكل منتج. لكن للأسف، اتسمت المنطقة إلى حد كبير بضعف أنظمة الإدارة التي أدت إلى نتائج عكسية- مزاحمة استثمارات القطاع الخاص من خلال استخدام موارد كان ينبغي بالأحرى أن يستخدمها القطاع الخاص.وبالفعل، أدى ضعف الإدارة إلى تدني كفاءة استخدام الموارد العامة التي أصبحت تنفق على أصول عقيمة تلبية لمصالح جماعات صغيرة ومختارة. وستحتاج الحكومات في مختلف أنحاء المنطقة إلى تعزيز أطر الإدارة العامة وتقليص فرص الاحتكار والرشوة من أجل تدعيم المنافسة.كما ينبغي على الحكومات أيضا أن تعزز الشفافية وأن تبني تلك الأنماط من المؤسسات التي تسمح بازدهار اقتصاد السوق مع جمع كل أصحاب المصلحة ذوي الصلة حول استراتيجية للنمو طويل الأجل.  

المدونة هي جزء من سلسلة أسبوعية نأمل أن تقدم بعض الغذاء الفكري من واقع ما لدينا من أحدث البيانات والأبحاث. والغاية والقاسم المشترك لهذه المدونات هو التحفيز على إجراء نقاش حول "ما ينبغي أن تقوله لوزير مالية بلدك" استعدادا للاجتماعات السنوية للبنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2012. ونود أن نعرف ما الذي تعتقد أنه يجعل الناس تحجم عن المشاركة، وما الذي يمكن فعله لخلق وظائف أكثر وأفضل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نرجو أن توافينا بأفكارك وأن تنضم إلينا في الحوارالمباشر في 17 سبتمبر/أيلول حول الوظائف.



[1] World Bank Flagship report, Bread, Freedom, and Dignity: Job Creation in the Middle East and North Africa, World Bank, 2012World Bank Flagship report, Bread, Freedom, and Dignity: Job Creation in the Middle East and North Africa, World Bank, 2012.

[2] Dhillon, Navtej and Tarik Yousef (eds.), Generation in Waiting: The Unfulfilled Promise of Young People in the Middle East, Brookings Institution Press, 2009.

[3] Grun, R., L. Etter, and I. Jillson. Arab Republic of Egypt: Management and Service Quality in Primary Health Care Facilities in the Alexandria and Menoufia Governorates. Mimeo. World Bank, Washington, DC, 2010.


انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000