يتطلب اتباع نهج "المجتمع بأكمله" تضافر الجهود من جميع الأطراف. ومن أجل التكيف مع الآثار الناشئة عن تغير المناخ والتخفيف من حدتها، بدأت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اتخاذ إجراءات على صعيد السياسات للتركيز على إدارة المياه والطاقة المتجددة ومبادرات التنمية المستدامة. وفي الوقت نفسه، ومن أجل تعزيز نهج أكثر تماسكاً وتأثيراً وتركيزاً على مصالح الناس في هذه القضية متعددة الأوجه، تحتاج المنطقة وبشكل عاجل لأن تجعل من تغير المناخ مسؤوليةً يتحملها الجميع. ولا يقتصر نهج المجتمع بكامله على الإجراءات التي تتخذها الحكومات وشركات القطاع الخاص، بل يتعداها ليشمل أيضاً جميع مكونات المجتمع المدني وإمكانياته. ويمكن للمرء أن يتصور هذا النهج على أنه مجموعة من الدوائر المتوسعة ومتحدة المركز من الجهات الفاعلة الفردية والجماعية - جميعها تتخذ إجراءات في حياتها ومهامها وظائفها اليومية.
في الواقع، وفي مؤتمر الأطراف السادس والعشرون (COP26) الذي عُقد في عام 2021، أكد ميثاق غلاسكو للمناخ التابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على أن تحقيق الأهداف المناخية يعني وضع نهج "المجتمع بأكمله" الذي يحشد جميع الجهات الفاعلة والموارد على مستوى الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، في الاستجابة العالمية لتغير المناخ. وقد تناول البنك الدولي هذه القضية من خلال تحديد وتنظيم جميع الإجراءات التي يحتاجها الأفراد والمجتمعات المحلية والمجتمع المدني. ويقَسِّم إطار المجتمع بأكمله الذي وضعه البنك الدولي، المبادرات المتنوعة إلى ثلاثة مجموعات من الإجراءات. تركز المجموعة الأولى من الإجراءات على تعزيز "التعاون" من خلال تشجيع حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إشراك جميع الجهات الفاعلة، على الصعيد القطري والمحلي، في المجتمع المدني، ،مثل الأكاديميين وجمعيات المزارعين ومراكز الفكر، في وضع السياسات المناخية وأنشطة التخطيط والرصد والمتابعة. ويمكن لهذه الإجراءات أن تشمل جمعيات المواطنين المعنية بالمناخ، ومجالس الشباب التي تدعم صياغة المساهمات المحددة وطنياً الراسخة في أماكن أخرى.
وتؤكد المجموعة الثانية من الإجراءات على "الإجراءات المستقلة" التي تسعى الحكومات من خلالها إلى تمكين الأفراد والمجتمعات والمنظمات المحلية ذات الدوافع الذاتية من القيام بالمزيد والأفضل. ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات بناءَ الوعي والمعرفة، وإنشاء أنظمة إنذار مبكر بقيادة المجتمعات المحلية والتكيف مع الفيضانات وموجات الجفاف على المستوى المحلي، واحتضان المؤسسات الاجتماعية الخضراء التي تعمل على ابتكار ما يساعد على مواجهة التغيرات المستقبلية في مجالات الطاقة والمياه والزراعة، أو تغيير مجتمعات بأكملها لسلوكياتها وممارساتها النمطية لضمان حصولها على المياه المأمونة والطاقة المستدامة.
وتتعلق المجموعة الثالثة من الإجراءات بقضية "المساءلة" فيما يخص تنمية بيئة خاضعة للمساءلة المناخية، حيث يتم فيها استغلال قدرات الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية الميدانية، لمساءلة الحكومات والشركات الخاصة والمؤسسات العالمية عن الالتزامات والتمويل والاستثمارات المرتبطة بالمناخ. فعلى سبيل المثال، اتخذت العديد من منظمات المجتمع المدني خطوات هائلة في بناء قواعد بيانات تتعقب التقدم المناخي وتنشر بياناته على المستوى القُطري، بينما تعمل منظمات أخرى على المستوى المحلي لتحسين جمع البيانات المناخية وتوفير إمكانية الحصول على المعلومات.
في العراق، على سبيل المثال، أعطت الأنشطة التي تنفذها وزارة البيئة على مستوى المجتمع بأكمله الأولويةَ لبناء المعرفة وتغيير السلوكيات بين الشباب والعمال الزراعيين ومسؤولي أجهزة الحكم المحلي. كما أقرت الوزارة بالحاجة إلى تحالف يشمل المجتمع بأكمله، فضلاً عن أنها تسعى إلى تعزيز الالتزام الحكومي تجاه الإجراءات التي تتخذها قيادات العمل المحلي بشأن التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
وفي نيبال، تم إطلاق مجموعة من الأنشطة التي تستهدف إشراك جميع مكونات المجتمع في العمل المناخي الذي تقوم به الحكومة. فعلى الصعيد الوطني، وعقب تحديد الحكومة للموازنة الخاصة بالعمل المناخي، تم تحديد موازنة العمل المناخي الخاصة بالمواطنين والتي تستهدف زيادة الوعي العام بالإنفاق الحكومي على العمل المناخي. كما دعم البنك الدولي وغيره من المانحين وضعَ الإطار الوطني لخطط العمل الخاصة بالتكيف مع تغير المناخ محلياً - والذي يتضمن الإجراءات الخاصة بتخطيط أنشطة التكيف مع تغير المناخ وإعداد الموازنات المحلية بالتعاون مع قيادات المجتمعات المحلية، وأصحاب المصلحة المتعددين، لمساعدة أجهزة الحكم المحلي على إشراك المجتمعات المحلية في العمل المناخي وتطويره.
وفي كينيا، لا يقتصر الدعم الذي قدمه البنك الدولي في مشروع تمويل العمل المناخي بقيادة المجتمعات المحلية على تسهيل تخطيط أنشطة التكيف على المستوى المحلي فحسب، بل أيضاً المساعدة على وضع نموذج لتوجيه المزيد من التمويل إلى أجهزة الحكم والمجتمعات المحلية لتمويل الاستثمارات ذات الأولوية، مما يجعل أنشطة التكيف ذات الصلة بالبيئة المحلية واقعاً ملموساً. ويعتمد المشروع أيضاً نهج المجتمع بأكمله، من خلال ضمان التعاون بين الحكومة ودوائر اتخاذ القرار، على مستوى المجتمع المحلي، والتركيز على الفئات الأكثر احتياجاً، فضلاً عن تطبيق نُهُج محلية على المستوى القطري.
ويعتبر فهم الجوانب المختلفة لنهج المجتمع بأكمله تجاه العمل المناخي مفيداً للحكومات، من حيث أنه يجمع تحت مظلة واحدة مجموعةً من المبادرات المراعية لمصالح الناس، والتي تركز على الحوكمة التي تضيع بين الأولويات المتنافسة - مثل المساءلة الخضراء، والتكيف بقيادة المجتمعات المحلية، والتحول العادل وبرامج التغيير السلوكي.
وما من شك في أن المزيد من الفهم والمستوى الأرقى من العمل من طرف عدد أكبر من الجهات الفاعلة، سيعزز مسار العمل الحكومي ويقويه ويسرع من وتيرته، نحو الوصول بالانبعاثات إلى الصفر، وتحقيق القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ. وفي إطار الجهود التي تبذلها الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتحديد ما يستلزمه هذا التحول بالضبط، يمكنها اعتماد هذه المسارات الثلاثة للعمل.
لقد مرت سنوات منذ ظهور مفهوم المجتمع بأكمله لأول مرة. وحان الوقت للمضي قدماً بشكل أكثر حسماً وبطريقة أكثر شمولاً وتنظيماً للانتقال من النظرية إلى التطبيق، ونظراً لأن حجم التحول السريع المطلوب للوصول إلى أهداف عام 2030 كبير جداً، فمن غير البديهي لجميع جهودنا المناخية أن نترك مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة خارج ميدان العمل المناخي.
انضم إلى النقاش