نشر في أصوات عربية

وصفة لتحقيق الازدهار ما بعد الثورة ... مهما طال الوقت

الصفحة متوفرة باللغة:
تتجلى مرحلة ما بعد الثورات العربية في عيونِ المواطنين في العالم العربي، وبصفة أخص الشباب العربي على الأرجح، في صورة حمّامٍ بارد، فالعوائقُ مُثبّطةٌ للهمم؛ ولحظات الزخم والاندفاع غدت فاترة؛ بل ربما يتساءل البعضُ هل قامت الثورة أصلا.

ما يمنحُ القوة والتمكين في هذا السياق هو أن نُصغي إلى أصواتٍ مُنبعثة من التاريخ الحديث من أماكن أخرى في العالم، ومن هذه الأصوات الأخاذة صوتُ ديوي فورتونا أنور من مكتب نائب الرئيس الإندونيسي التي دوّنت اسمها في تاريخ بلادها عن الاستقلال والديمقراطية والديكتاتورية.

World Bank | Arne Hoel | 2012

"ليس من المحتم أن يبقى بلدٌ ما بعد تحوّله للديمقراطية ديمقراطيا للأبد"، هذا ما قالتهُ ديوي لجمْعٍ في الرباط من 100 شخصية مصرية وأردنية ولبنانية ومغربية وتونسية وفلسطينية ويمنية تُمثلُ إلى حدٍ كبيرٍ منظماتِ المجتمع المدني التي تناضل لتصنع لنفسها حيزا تُسمعُ فيه أصواتُها وآراؤها في بلدانها بين ثنايا فصْلٍ يُسمّى الآن الربيع العربي وقد بدأت أحواله قبل عام مضى. من المؤكد أن براعمه قد أينعت في الرباط، ولكن الحالة المزاجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشوبها مزيد من الحزن عما كانت عليه قبل عام. وإلى جانب هذه المجموعة حضر في الرباط ممثلو القطاع الخاص ونفرٌ قليل من المسؤولين الحكوميين؛ هدفهم في هذا المؤتمر المنعقد لأربعة أيام هو تعلّم المزيد عن كيفية تحسين مشاركة المواطنين في الدولة وتجسير هوة الانقسام الهائل الذي أفضى في النهاية إلى انهيار العديد من الأنظمة مؤخرا.

كمْ هي رائعة ديوي في إرشاداتها. فدروسها المستخلصةُ توضحُ ثلاثةَ عواملٍ أساسية: "تحتاجون إلى بيئة دولية وإقليمية مُشجعة ومُعاونة؛ تحتاجون إلى إرادة سياسية قوية على الصعيد الوطني وبيئةٍ مواتية؛ تحتاجون إلى مواطنين ديدنهم المشاركة والاستعداد ولديهم المقدرة". ما يُشغل بال مجموعتنا إلى حد كبير هو العامل الأساسي الأخير، كيفَ نبني ونُنمّي ونحقق استنارة المواطنين. تشير ديوي إلى فشل الديمقراطية في إندونيسيا في الخمسينيات، لأنه على الرغم من مشاركة المواطنين آنذاك، فقد أفسح انقسامهم العميق المجال لتغلغل العسكريين. ثم انتقلت إندونيسا من قوةٍ إلى قوة لتصبح أحد النمور الاقتصادية في آسيا. ولكن ركيزتها الاقتصادية القوية لم تُوازنُها قوةٌ اجتماعية وسياسية، فانهارت شرعية الدولة حين عصفت الأزمة المالية في 1997 بالركيزة الاقتصادية.

ولكن الديمقراطية، على حد قول ديوي، ليست مجرد انتخابات حرة ونظام للمساءلة، وتتساءل "نظام مسؤول عن ماذا؟" تصف ديوي طاقة الشباب المحتجين في بلدها أوحركة قوة الشعب في الفلبين بأنها قوة المطرقة التي دكت الأبواب. "ولكن ماذاتفعل وأنتفي الداخل".

World Bank | Arne Hoel | 2012

فالموقف نفسه يتكرر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآن: كثيرون في الداخل، فما هم فاعلون الآن؟ لهذا الهدف اجتمع مواطنون في الرباط في لقاء نظمه البنك الدولي وهيئة كيرــ مصر بوصفهما المُضيف المؤسسي لشبكة المساءلة الاجتماعية في العالم العربي (أنْسا)، ليتدارسوا كيفية إذكاء وهج العمل الشعبي في بلدانهم؛ ومساءلة المسؤولين؛ ومساعدة الناس على فهم أدوار وحقوق المواطنة وكيفية تنظيم الصفوف نحو فهمٍ وطني للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. ليس هذا تجمعٌ من أجل احتجاج آخر، بل هو تجمعٌ من أجل عقد اجتماعي طويل الأمد.

 شارك روبرتو سابا، أستاذ القانون في الأرجنتين والناشط السابق في جماعات الحقوق المدنية، باستعراض عملية طويلة ومُشوّشَة في بلاده لما وجب عمله لبناء المواطن الفعال. يقول روبرتو "تتسم الحكومات العسكرية بالفعالية والكفاءة التامة في تدمير النسيج الاجتماعي." أمضينا عشر سنوات في بناء المجتمع المدني، تتعثر خطانا على الطريق، حتى نفهم الفساد ونشكل ائتلافا من أجل الشفافية. وعندما اندلعت الأزمة في الأرجنتين أوائل الألفية، كانت المنظمات المدنية هي الأكثر تطورا واستعدادا، وعندما انتُخبَ الرئيس نيستور كيرشنر بتأييد ضعيف للغاية، جاء إلى المجتمع المدني وسأل "ماذا تريدون؟"

يُضيفُ روبرتو "لو لم نكن مستعدين، لما أدركنا تلك اللحظة الفارقةّ!" فقد استغرق الأمر أكثر من عشر سنوات من العمل للوصول إليها. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآن، يبدأ هذا العمل ويستمر مهما طال الوقت.


بقلم

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000