كان للصراع الدائر في اليمن، الذي اشتعلت شرارته في مارس/آذار من عام 2015، آثاره السلبية على تحجيم قدرة المؤسسات المحلية على إنفاذ القوانين، بما في ذلك القوانين المتعلقة بحماية البيئة وإدارة مواردها. وحتى القطاع الخاص لم يسلم أيضاً من تبعات هذاالصراع، حيث تأثرت كل الشركات الاستشارية العاملة في مجال البيئة، كما تأثر الاستشاريون الأفراد والجامعات التي توفر الموارد والقدرات المطلوبة لتوفير الحماية اللازمة للعمليات المنضوية تحت ما يجري من مشروعات على أرض اليمن.
وقبل اندلاع هذا الصراع، كان اليمن يقوم بتفعيل الإطار القانوني والإداري لحماية البيئة، لكن أنظمته المعنية بالتقييمات والإدارة البيئية تأثرت أيّما تأثر منذ ذلك الحين. وقد أدى نقص الوظائف المتاحة إلى دفع العديد من الخبراء في القطاعين العام والخاص إلى مغادرة البلاد بحثاً عن المزيد من الفرص وتحسين سبل كسب عيشهم في بقاعٍ أخرى من المعمورة. وفي مكانٍ يكافح فيه الناس من أجل العثور على وظائف كاليمن، لم يتمكن أحد من إيلاء حماية البيئة ما تستحقه من اهتمام ، حتى فيما يتعلق بجوانبها التي تؤثر على صحة العامل والمجتمع المحلي.
وعلى الرغم من احتدام هذا الصراع، واصل البنك الدولي دعم اليمن ونجح في الحفاظ على المعايير البيئية للمشروعات التي يمولها داخل هذا البلد. واسترشاداً بإطاره الخاص بالسياسات والمعايير البيئية والاجتماعية، دخل البنك الدولي في شراكات مع منظمات دولية أخرى للعمل عن كثب مع المؤسسات اليمنية المحلية على إنشاء أنظمة على المستويين الوطني والإقليمي من أجل تطبيق الإجراءات الوقائية المعنية بحماية البيئة.
ومنذ عام 2016، تعمل فرق العمل التابعة للبنك الدولي والوكالات التابعة للأمم المتحدة معاً في اليمن من خلال هيئتين محليتين هما الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة. وقد بدأت هاتان الهيئتان في بناء قدراتهما المؤسسية لتحسين تدابيرهما البيئية والاجتماعية، بما في ذلك التدابير والإجراءات المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية. وقام الصندوق الاجتماعي للتنمية بتدريب أكثر من 2301 مهندس فني واستشاري، و 1094 مقاولاً، و524 مسؤولاً عن المشروعات، و39 ألف عاملٍ من عمال المواقع، على إدارة المعايير البيئية والاجتماعية وتنفيذها ومتابعتها أثناء تنفيذ عمليات المشروع.
أما مشروع الأشغال العامة فقد بدأ في الارتقاء بالمعايير عن طريق إنشاء وحدة مستقلة للإجراءات الوقائية البيئية والاجتماعية في عام 2018، من أجل تغطية القضايا البيئية والاجتماعية وقضايا المساواة بين الجنسين والصحة والسلامة المهنية؛ ثم عن طريق وضع الأفراد كعناصر تنسيق لهذه القضايا في كل فرع من فروعه العشرة. وإجمالاً، تم تدريب أكثر من 163 موظفاً، و953 مهندس موقع، و246 فني موقع، و345 مقاولاً، و64 لجنة مجتمعية، ونحو 10 آلاف عامل، على إدارة الجوانب البيئية والاجتماعية للمشروع وتطبيق إرشاداتها.
يقول "عبد الحميد جابر"، وهو مقاول يمني: "كان لهذه التدابير والإجراءات عظيم الأثر، بعد أن كانت الصحة والسلامة المهنية لا تحظى باهتمام كافٍ من جانب معظم المقاولين. أما الآن فقد غيرت دورات التدريب والتوعية التي أقامها مشروع الأشغال العامة هذا الواقع، إذ تستطيع أن تلمس حالياً هذه الأهمية في مواقع العمل، حيث أصبح العمال حريصين على ارتداء معدات الحماية، وهو الأمر الذي لم يكن على هذا الحال من قبل".
وقال "الوادعي"، وهو مقاول آخر: "خلق مشروع الأشغال العامة وضعاً يتفاعل فيه المقاولون الآن ويتنافسون مع نظرائهم في الالتزام بتطبيق معايير الصحة والسلامة المهنية. ولم يكن هذا الأمر قائماً في الماضي، لكنه أصبح بمرور الوقت جزءاً من طريقة المقاول في ممارسة أنشطة أعماله، ومن ثم اكتساب ميزة تنافسية".
يُعدّ المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن من بين المشروعات المُدرجة في برنامج التنمية الشامل الذي يسانده البنك الدولي والذي ساعد على بناء قدرات الإجراءات الوقائية لدى المؤسسات المحلية. و يوفر هذا المشروع فرص عمل ووظائف قصيرة الأجل، فضلاً عن إمكانية الاستفادة من الخدمات للفئات الأشد احتياجاً والأولى بالرعاية، كما يعمل على تحقيق دخل على الأجل القصير، وتحسين مهارات الشباب، وتوفير فرص العمل؛ وكذا على استعادة أصول المجتمعات المحلية التي تحقق منافع اجتماعية واقتصادية، والحفاظ على عمليات أنشطة الأعمال التي ينفذها مقدمو الخدمات المالية ومنشآت الأعمال الصغرى والصغيرة والمتوسطة وتوسيع نطاقها، وضمان الإشراف على المشروعات وإعداد التقارير بشأنها وكفالة جودتها.
قام المشروع الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن بتوظيف العمال المحليين من خلال برامج النقد مقابل العمل في أكثر من 22 محافظة من محافظات اليمن. ويمكن أن يعود بناء القدرات المحلية بالنفع على المزيد من الهيئات في القطاعات الحيوية الأخرى. ومن شأن الحفاظ على هذه القطاعات وتدعيمها أن يُهيئ اليمن للتعافي وإعادة الإعمار التي ستتم يوماً ما بعد انتهاء الصراع الدائر هناك، والتأكد من أن المشروعات الإنمائية والإجراءات التدخلية التي يساندها البنك الدولي، حالياً وفي المستقبل، ستكون مستدامة ومُراعية للاعتبارات البيئية.
مشروعات ذات صلة:
انضم إلى النقاش