نشر في أصوات عربية

اليمن: عندما تلتقي الجهود الإنسانية والإنمائية

الصفحة متوفرة باللغة:
خواطر وتأملات لمديرة مكتب البنك الدولي الجديدة في اليمن

Image


يخوض اليمن – وهو أفقر بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى قبل نشوب الصراع - غمار سلسلة من حالات الطوارئ المتشابكة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم." هذه هي أول مدونة لي من سلسلة من ثلاث مدونات تسلط الضوء على استجابة البنك الدولي في اليمن.

في يوليو/تموز من هذا العام، توليت مهام عملي الجديد كمديرة لمكتب البنك الدولي في اليمن وقد حدث لي الكثير خلال الأيام المائة الأولى. لقد أذهلني صمود الشعب اليمني وقوته في مواجهة التحديات الكبيرة وعدم  اليقين لما ستؤول إليه الأمور. وتشجَّعت بفضل فريق العمل والزملاء الملتزمين بالسعي لإيجاد نُهُج جديدة ومبتكرة من شأنها إحداث تغيُّر إلى الأفضل في الظروف المعيشية لليمنيين. 

 وتدخل الأزمة في اليمن عامها الرابع ولاتزال محتدمة دونما هوادة، ويحتاج نحو 75% من اليمنيين – أو 22.2 مليون نسمة- إلى المساعدات الإنسانية أو الحماية، منهم 11.3 مليون في حالة عَوَز شديد. ويعاني قرابة 16 مليونًا في الوقت الحالي من نقص إمدادات المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، و يحتاج قرابة 18 مليونًا أيضاً على خدمات الرعاية الصحية الأساسية. وقد تأكَّدت إصابة أكثر من مليون شخص بالكوليرا منذ تفشّي الوباء في أبريل/نيسان من العام الماضي. وارتفع معدل الإصابة الآن إلى عشرة آلاف حالة جديدة كل أسبوع، أو ضعفي المتوسط المُسجَّل في الأشهر الثمانية الأولى للعام. ويعاني 8.4 مليون شخص نقصاً حاداً في الأمن الغذائي وباتوا على مشارف المجاعة. 

لم تنعقد محادثات السلام التي كان مقررا إجراؤها في سبتمبر/أيلول من هذا العام، واحتدمت المعارك منذ ذلك الحين حول ميناء الحديدة الإستراتيجي، وهو بوابة رئيسية لتدفقات التجارة إلى ومن الأجزاء الشمالية والوسطى لليمن.
يمر اليمن الان بمرحلة صعبة فمع أن آفاق إحلال السلام لاتزال ضئيلة، فإن استمرار المساندة الدولية أمر ضروري للحفاظ على رأس المال البشري ولتمهيد الطريق إلى التعافي في المستقبل.

 نموذج جديد لمساندة الدول المتأثِّرة بالهشاشة والصراع والعنف

 يعمل البنك الدولي في اليمن منذ أكثر من نصف قرن، ومنذ يوليو/تموز 2016، ساندت المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك لتمويل البلدان الأشدّ فقراً، محفظة عمليات تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار لبرنامج التصدِّي للأزمات. ويستند برنامج حالات الطوارئ في جانب منه إلى تحول في النهج المتبع بشأن كيفية توفير البنك الدولي للتمويل اللازم للتنمية في البيئات التي تعاني الهشاشة والصراع. وتستلزم هذه الاستجابة تحديد السبل التي يمكن من خلالها أن تعمل التنمية بجانب التدخلات الإنسانية على تعزيز القدرة على الصمود في وجه الصدمات وفي نهاية المطاف مساندة التعافي والاستقرار. وقد تركَّزت إستراتيجيتنا في اليمن حول تصميم برنامج للمساندة يحافظ على نسيج المجتمع والاقتصاد ويمكنه غرس بذور التحوُّل نحو إعادة الإعمار حينما يحل السلام.

 تلبية الاحتياجات الفورية ضرورة ملحة

تُعد احتياجات التعافي وإعادة الإعمار – الضرورية لمساندة الجهود الإنسانية – هائلة وملحة. وعلى الرغم من العمل في سياق صراع محتدم، حققت مشاريع البنك الدولي نتائج مُشجِّعة إلى حد كبير. ومن بين الأمثلة على ذلك الاستجابة المتكاملة لخطر المجاعة ومساندة التدخلات الصحية. ومن خلال المشروع الطارئ للرعاية الصحية والتغذية، نتصدى حالياً للأسباب الرئيسية للمجاعة عبر تقديم خدمات الرعاية الصحية والتغذية الأساسية لأكثر من 14.6 مليون شخص. ولخلق فرص العمل، وفر برنامج النقد مقابل العمل والاستثمارات المجتمعية (300 مليون دولار) أكثر من 4 ملايين يوم عمل، استفاد منها أكثر من 1.2 مليون شخص. علاوة على ذلك، أسهم ال برنامج الطارئ للتحويلات النقدية (200 مليون دولار) إلى تعزيز قدرة 1.5 مليون من الأسر الفقيرة والأولى بالرعاية على شراء الغذاء من خلال تحويلات نقدية غير مشروطة. وتستهدف الجهود المبذولة كذلك إلى تحسين الممارسات الزراعية المعززة لمعدل الإنتاجية والتغذية لصغار المزارعين من خلال مشروع تعزيز الإنتاجية الزراعية لأصحاب الحيازات الصغيرة.

كما يتصدى البنك الدولي أيضا لوباء الكوليرا على عدة جبهات. بالاشتراك مع اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، حيث ساعد مكون الاستجابة الطارئة لمكافحة الكوليرا الممول من المؤسسة الدولية للتنمية في معالجة أكثر من 664 ألف حالة من بين مليون حالة يشتبه بإصابتها بالكوليرا، مما أدى إلى تقليص معدل وفيات الحالات من 2.3% إلى 0.21%. وبالإضافة إلى ذلك، حصل حوالي 0.7 مليون شخص في المديريات عالية المخاطر على تطعيم بلقاحات الكوليرا عن طريق الفم. ويساند البرنامج المستشفيات والعاملين بقطاع الصحة، وقد وفر التمويل اللازم لنحو 2900 منشأة صحية للحفاظ على القدرة المؤسسية لهذا القطاع. وتمكن 1.43 مليون شخص كذلك من الحصول على مصادر مياه محسنة، و1.79 مليون شخص من الحصول على خدمات مُحسَّنة للصرف الصحي في المناطق المتأثرة بالكوليرا.

كما أن البنك الدولي يعمل على دعم البنية التحتية لتقديم الخدمات الحيوية. وسيساند برنامج تقديم الخدمات الحضرية المتكاملة ما يصل إلى 1.4 مليون يمني عن طريق خلق 1.5 مليون يوم عمل، وإنشاء 400 كيلومتر من الطرق، وتوليد ما يُقدَّر بنحو 600 ألف ميجاوات من الطاقة. وفي سبتمبر/أيلول، قام المشروع بتركيب أنظمة للطاقة الشمسية خارج نطاق الشبكة العامة للكهرباء، وإحلال نحو ستة آلاف مصباح من مصابيح الليد الداخلية في أكبر مستشفى عام في صنعاء، وهو ما أتاح للمستشفى ومركز علاج الأورام المجاور تقديم خدمات مهمى لإنقاذ حياة نحو 4000 يمني يومياً. وسيقوم ال مشروع الطارئ لتوفير الكهرباء بتكلفة قدرها 50 مليون دولار عما قريب بتنفيذ نموذج رائد على أساس تجريبي لتقديم خدمات يديرها القطاع الخاص لتوفير الكهرباء اللازمة لتشغيل منشآت الخدمات الأساسية للعيادات الصحية والمدارس وإمدادات المياه والكهرباء في المناطق الريفية وفي ضواحي المدن.
وتُعد هذه العمليات الطارئة تعاوناً متوازناً بين البنك الدولي والأمم المتحدة، نُقدِّم من خلاله التمويل والخبرة الفنية والعملية، وتقدِّم وكالات الأمم المتحدة المساندة الميدانية. ويجري توجيه الموارد المقدمة من المؤسسة الدولية للتنمية من خلال وكالات الأمم المتحدة، لكن التقديم الفعلي للخدمات تتولاه في معظمه مؤسسات وطنية أُنشئ بعضها على مدى عقدين بدعم من المؤسسة الدولية للتنمية. وتعطي استجابة البنك الدولي الأولوية للحفاظ على قدرات المؤسسات المحلية الرئيسية لتقديم الخدمات ومرونتها في مجابهة الصدمات، ومن هذه المؤسسات الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة.

على الرغم من الغموض الذي يكتنف مستقبل اليمن، يجب علينا مواصلة الاستثمار في اليمن لضمان ألا يخسر اليمنيون ومؤسساتهم المكاسب التي حققوها خلال العقود الأخيرة. من المتوقع لأي بلد استطاع الخروج من صراع طويل أن يكون أكثر عرضه للسقوط في هوة الصراع مرة أخرى. يجب غرس بذور السلام والاستقرار وبناء مؤسسات فاعلة والاسهام في الحفاظ على رأس المال البشري الآن، لا حينما يتوقَّف الصراع. ولقد أسهم تمويل المؤسسة الدولية للتنمية والذي ازداد بدرجة كبيرة خلال مرحلة التمويل الثامنة عشر في دعم البرامج التي تعمل في البلدان التي تواجه مخاطر الهشاشة والصراع، ومنها اليمن، فمن الضروري الاستمرار في العمل للحيلولة دون حدوث المزيد من التآكل في رأس المال البشري، وإعادة بناء مؤسسات اليمن ومرافق بنيته التحتية. ويتيح إطلاق مشروع البنك الدولي لرأس المال البشري مؤخرا زخماً جاء في الوقت المناسب لإعطاء أولوية لنهج يعتمد على رأس المال البشري في مواجهة الصراع. مازال هناك الكثير لتحقيق السلام، والطريق إلى التعافي مازال طويلا، وعملنا بدأ للتو.
 

بقلم

انضم إلى النقاش

محتوى هذا الحقل سيظل خاصاً بك ولن يتم عرضه للعامة
الأحرف المتبقية: 1000