يعمل معظم العمال في البلدان النامية في وظائف غير رسمية، أي وظائف لا توفر مزايا الضمان الاجتماعي، ولا تترك أمامهم سوى إمكانيات محدودة لإدارة المخاطر التي تتعرض لها أسرهم. وتشير أحدث التقديرات إلى أن العمالة غير الرسمية في البلدان النامية تبلغ 63% للرجال و 58.1% للنساء (منظمة العمل الدولية، 2018).
يعمل ما يقرب من اثنين من كل ثلاثة عمال، في وظائف غير رسمية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعد فهم مسألة "الطابع غير الرسمي" ومعالجتها أمرًا بالغ الأهمية مع ابتعاد حكومات المنطقة عن تقديم الدعم الشامل، وتوفير فرص عمل في القطاع العام، وهو ما كان يشكل تاريخيا أساسا للعقد الاجتماعي. وتثير زيادة معدلات الوظائف غير الرسمية العديد من المشكلات، منها:
- محدودية الحماية الاجتماعية: يحد عدم حصول قطاع كبير من العمال والأسر على التأمين الاجتماعي، من كفاءة أنظمة الحماية الاجتماعية، وقدرتها على تحقيق المساواة.
- معوقات الإنتاجية والنمو: تتركز العمالة غير الرسمية بشكل كبير في الشركات الصغيرة، مما قد يعيق وفورات الحجم والإنتاجية والنمو الاقتصادي.
- محدودية المالية العامة: تعد الإيرادات الحكومية التي يتم تحصيلها لتقديم السلع والخدمات العامة غير كبيرة.
- التحديات الهيكلية: يعكس الطابع غير الرسمي تحديات هيكلية أعمق في الاقتصاد، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو وجعله أقل إنصافًا.
لكن لا ينبغي أن يكون هذا الطابع قدرا محتوما. يركز تقريرنا الجديد "القطاع غير الرسمي والنمو الشامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" على مصر والمغرب وتونس، حيث تعد معدلات العمل غير الرسمي فيها، والتي تبلغ على الترتيب 62.5% و 77.3% و 43.9%، أعلى من أغلب بلدان المنطقة. وتختلف طبيعة العمل غير الرسمي في تونس اختلافًا كبيرًا عن مصر، فيما يسلك المغرب سبيلا وسطا بينهما. كما تختلف الأطر القانونية والمؤسسية والاقتصادات فيما بينها اختلافا جذريا، وتساهم عوامل مختلفة في الطابع غير الرسمي. لكنها جميعا تقدم لنا منظورًا جيدًا لوضع العمل غير الرسمي في كافة أنحاء المنطقة.
ويكشف تقريرنا عن أدلة تنبئ عن أن الطابع غير الرسمي ليس أمرا محتوما: بل هو بالأحرى ناجم إلى حد كبير عن مشكلات قانونية وتنظيمية ومؤسسية. فقد تضافرت عوامل عدة لتحديد مستوى الطابع غير الرسمي؛ منها طريقة تصميم التأمين الاجتماعي، والأنظمة والأعباء القانونية والضريبية، وتطبيق القوانين واللوائح، وإجراءات تسجيل الشركات، وتسوية النزاعات التجارية، والحصول على الائتمان، والفساد، والمنافسة غير العادلة.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رصد تقريرنا نقطتين رئيسيتين للضعف المؤسسي:
- قصور أنظمة الحماية الاجتماعية: التصميم الحالي لأنظمة الحماية الاجتماعية في المنطقة يتيح تغطية وإعادة توزيع على نحو محدود، لا سيما فيما يتعلق بالرعاية الصحية وحالات كبار السن. وهذا - إلى جانب عوامل مثل قوانين الحد الأدنى للأجور، وإجراءات التسريح من العمل المعقدة، وضعف تطبيق لوائح وأنظمة العمل - يشجع الطابع غير الرسمي ويعيق نمو الإنتاجية.
- "الأنظمة" الضريبية والإنفاذ: تشير الأنظمة الضريبية إلى مجموعة القوانين واللوائح والمؤسسات التي تحكم ربط الضرائب وتطبيقها. حيث أن الأنظمة الضريبية الخاصة لبعض الشركات، والثغرات، والإعفاءات التي تعطي مزايا لبعض الأنشطة على حساب أنشطة أخرى في المنطقة، تكبل توسع الشركات ونمو الإنتاجية، وتحد من خلق فرص العمل الرسمية، لا سيما في حالة ضعف إنفاذ الضرائب. كما أن الافتقار إلى المزايا المرتبطة بتسجيل الشركات يثني الشركات عن العمل بشكل رسمي، مما يقلص فرص التوظيف الرسمي.
ويجب أن تمضي السياسات قدما نحو معالجة الطابع غير النظامي، وتحقيق الشمول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وللتصدي للطابع غير الرسمي وتحقيق نمو أعلى وأكثر شمولاً، على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الشروع في الانتقال إلى نظام حماية اجتماعية، يتيح لجميع المواطنين الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، وعلى الأقل على حد أدنى من الدخل في سن الشيخوخة. وعلى البلدان التخلص من المعاملة الضريبية غير العادلة لبعض الشركات، مع تشجيع إنشاء ونمو الشركات عالية الإنتاجية. وتحتاج الحكومات إلى رؤية واضحة وعليها وضع حزمة شاملة من السياسات والإصلاحات والمضي قدما نحو التصدي للطابع غير الرسمي للوظائف وتحقيق الشمول.
وتشمل العناصر الرئيسية لخارطة الطريق بشأن التصدي للطابع غير الرسمي ما يلي:
- تنسيق الإصلاحات: إنشاء مجموعات تنفيذية مشتركة بين الوزارات لضمان اتباع نهج شامل ومنسق لتغيير السياسات.
- إصلاحات الحماية الاجتماعية الهادفة: إدخال إصلاحات تدريجية على نظام الحماية الاجتماعية، بما في ذلك توسيع مظلة الرعاية الصحية لجميع المواطنين، وتحويل نظام معاشات التقاعد لتقديم مزايا على أساس المساهمات التي يدفعها الموظفون فقط، واستكمال ذلك بمعاش تقاعد عام لا يستند على الاشتراكات، بالإضافة إلى برنامج تحويلات نقدية موجه للفقراء.
- زيادة الإيرادات الحكومية: تحديث قانون الضرائب على نحو يتسم بالعناية الواجبة بحيث يصبح أكثر تقدما لتحقيق أهداف اجتماعية شاملة للجميع، مثل فرض الضرائب على الأنشطة غير المراعية للبيئة؛ وإلغاء الأنظمة الضريبية الخاصة والإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة؛ وإلغاء الدعم الشامل التنازلي المرتبط بالاستهلاك، لاسيما على منتجات الطاقة التي من المرجح أن يستفيد منها الأثرياء؛ وتعزيز إنفاذ الضرائب.
- تحسين سبل تقديم الخدمات الأساسية: تعزيز الرعاية الصحية والخدمات العامة المقدمة لزيادة الثقة والامتثال لضرائب الدخل، مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات والاستثمارات والحد من التفاوت.
- إصلاحات القطاع الخاص: إضفاء المزيد من المرونة على اللوائح والأنظمة التي تعمل على تحقيق الاستقرار الوظيفي، وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات، وتحسين المزايا المقدمة للشركات المسجلة لتحسين ظروف السوق، وتشجيع التوظيف الرسمي، وزيادة الإنتاجية.
انضم إلى النقاش