العراق بلد غني بثرواته. وهو من البلدان القليلة في الشرق الأوسط التي تتميز بوفرة الثروات المعدنية من النفط والغاز، ووفرة
الموارد المائية، حيث يتدفق فيه نهران عظيمان هما دجلة والفرات في سهول مهد الحضارة. وعلاوةً على هذا، تأتي ضخامة رأس المال البشري الذي تكوَّن على مر القرون منذ إنشاء بغداد. وقالوا قديما "إن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ."
لكن التاريخ الحديث لم يكن رحيما بالعراق، إذ ينوء كاهله الآن تحت وطأة تركة مُثقلة بعقود من سوء الإدارة والصراع والعنف. وانزلق العراق في غمرات التمزُّق والانقسام على أسس سياسية وعرقية وطائفية. وثرواته تُنهَب وتُبدَّد، وباتت وحدته معرضةً للخطر.
ومع ذلك، فحينما أزور بغداد وإربيل والمدن العراقية الأخرى لا يسعني إلا أن أشعر بتفاؤل شديد بمستقبل العراق على الرغم مما يلقاه حاليا من تحديات جسام. فأنا أرى أُناسا يعملون بجد واجتهاد أينما أذهب، أُناسا ينظرون إلى العراق كأمة لا كمجموعة من المنازل. ولكن حتى يخرج العراق من هذه الأزمات وقد زادت قوته وتبوَّأ مرة أخرى مكانته كلاعب إستراتيجي على الساحة السياسية الإقليمية والعالمية، يجب على العراقيين أن يتحدوا تحت مظلة مصالحة شاملة وعملية لبناء السلام ترتكز على عقد اجتماعي جديد يتيح بناء ثقة المواطنين في دولتهم.
لقد كان البنك الدولي شريكا نشطا وجديرا بالثقة في العراق، إذ قدَّم التمويل والمساعدات الفنية في كل قطاع من قطاعاته الاقتصادية، وساند أيضا الجهود المبذولة على المستوى دون الوطني في إقليم كردستان العراق، وساند الإصلاحات التي تضطلع بها الحكومة من أجل إرساء الحكم الرشيد وبسط اللامركزية. ونعكف الآن على إعداد إستراتيجيتنا الخاصة بأفضل السبل لمساندة العراق خلال السنوات الخمس القادمة، وأحد مجالات التركيز المهمة هي مساندة السعي من أجل تنمية تتسم بقدر أكبر من مراعاة الظروف المحلية واللامركزية. وهذا هو المجال الذي يتدخَّل فيه الصندوق الاجتماعي للتنمية المقترح في العراق لمساندة جهود التعافي، وتوفير الزخم من أجل استعادة الثقة بين المواطن والدولة.
ما الغرض من الصندوق الاجتماعي الآن؟
إن تكافؤ الفرص في الحصول على خدمات أساسية ووظائف ذات جودة هو الأساس لتحقيق نمو مستدام يشمل الجميع بثماره والسلام والاستقرار في العراق. ولكن الكثير من مناطق العراق اليوم تعاني من تدهور مرافق البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، ومن قلة فرص العمل، لاسيما في المناطق التي يعصف بها الصراع والمُحرَّرة حديثا. ويُضعِف نقص الثقة في الدولة أو غيابها من جهود الحكومة للتصدي لهذه التحديات. وإذا استمرت هذه الأوضاع دون معالجة، فإنها قد تصبح مصدرا لمزيد من الصراع وعدم الاستقرار.
وتُظهِر التجارب الدولية أن انتهاج برنامج على غرار الصندوق الاجتماعي قد يساعد على التصدي لهذه التحديات الفورية من خلال تقديم المساعدات إلى الفئات المحرومة والمتأثِّرة بالصراع للمساعدة على إعادة بناء مرافق البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية الأساسية وخلق فرص عمل مؤقتة. وبجعل المجتمعات المحلية في صميم عمليات التخطيط وتقديم الخدمات، سيُشجِّع هذا النوع من البرامج أيضا على العمل الجماعي ومشاركة المواطنين، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الثقة في الدولة. وسيُقدم المساندة إلى المجتمعات المحرومة ويعالج الفقر ويبني رأس المال الاجتماعي ويساعد على بناء نظام لامركزي فعال لتقديم الخدمات.
يعيش العراق الآن لحظة فارقة أخرى في تاريخه. فقد أصبح تحرير الموصل من تنظيم داعش وشيكا، ويقف العراق الآن بثبات على الطريق نحو النصر في هذه الحرب، ويحتاج أيضا إلى تثبيت خطاه على الطريق إلى الفوز بالسلام. إنَّ الفوز بالسلام أمر ممكن، ولكنه يتطلَّب جهدا جماعيا تدعمه إجراءات مثل الصندوق الاجتماعي الذي سيُقرِّب وجه الدولة كثيرا من المواطن، ويُظهر أن الدولة حاضرة وقادرة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لكل العراقيين، وعلى أن تفعل ذلك بطريقة قوامها التشاور على أساس مبادئ المساءلة والاحتواء الاجتماعي.
إنَّني متفائل ويحدوني الأمل بأن العراق قادر على أن يفعل هذا، ويمكنه التعويل على البنك الدولي لمساندته في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه.
انضم إلى النقاش