في
فبراير/شباط 2015، حاولت في تدوينة نشرت في هذه الصفحة لفت الانتباه إلى محنة اللاجئين السوريين في الأردن. كان هذا قبل
الانخفاض الشديد للمساعدات على مدى عام 2015 من قبل الوكالات الإنسانية التي عانت من نقص حاد في التمويل وقبل تدفق اللاجئين بأعداد هائلة على أوروبا. كانت "أزمة اللاجئين" في أوروبا بالنسبة للبلدان المجاورة لسوريا هي أحدث مرحلة من أزمة أكبر كثيرا ظلوا يعانون من وطأتها منذ عام 2011. ودعت المدونة إلى المزيد من الدعم الخارجي للأردن ومجتمعاته المحلية التي استضافت هؤلاء اللاجئين- وأيضا إلى مزيد من الدعم للاجئين- وثمة بشائر تلوح على الجبهتين، حتى مع اشتداد وطيس الأزمة.
بالفعل، أصبح وضع اللاجئين السوريين في الأردن اليوم أكثر خطورة من ذي قبل. فمع تقلص مدخراتهم والمساعدات الإنسانية المقدمة إليهم، بدأت أعداد صغيرة من اللاجئين اليائسين تخرج عائدة إلى سوريا. وبالكاد تم تدبير ثلث مبلغ الثلاثة مليارات دولار التي يحتاجها الأردن للتعامل مع اللاجئين السوريين.
والآن، بدأت تركيا تطلب من السوريين الذين يتوجهون إليها جوا أو بحرا عبر بلد ثالث الحصول على تأشيرة دخول، ومن ثم فإن السبيل الوحيد لدخول تركيا والانتقال منها إلى أوروبا يمر بالمعابر البرية الخطيرة في شمال سورية حيث يمكن الدخول إلى تركيا بدون تأشيرة. ويرتبط هذا التغيير الذي طرأ على السياسة التركية بالاتفاق الذي أبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني بشأن الحد من دخول المهاجرين إلى أوروبا والذي يقضي بأن تمنح تركيا تصاريح عمل للسوريين، وهو الأمر الذي وعد الأوروبيون بتقديم أكثر من ثلاثة مليارات دولار لدعمه.
ومع عدم ظهور أي علامات في الأفق تنبئ بقرب نهاية الحرب في سوريا، وعدم وجود مخرج حقيقي لما يبلغ 1.4 مليون لاجئ سوري في الأردن، يعيش 15% منهم في المخيمات ويتضاءل عددهم، يواجه الأردن وضعا طويل الأجل يتطلب حلا شاملا لتلبية الاحتياجات إلى التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى، فضلا عن مسألة حصول اللاجئين على فرص عمل قانونية.
ويتسم الاقتصاد الأردني بخصائص ساعدت على تيسير استيعاب اللاجئين السوريين في البداية. ولدى الأردن عدد كبير من العاملين الأجانب قد يتجاوز المليون، وأغلب هذه العمالة تعمل حاليا بشكل غير قانوني، وتضم ما يتراوح بين 160 ألف و 200 ألف سوري. وتنوه منظمة العمل الدولية إلى أن " لدى الأردن عددا كبيرا من السكان غير المواطنين، فيما تشير التقارير إلى أن أكثر من نصف الوظائف التي تستجد سنويا يشغلها عمال أجانب. ويعمل العمال المغتربون...الذين يأتون على الأرجح من مصر وسري لانكا وبنغلاديش والفلبين وإندونيسيا، بشكل أساسي في الزراعة والإنشاءات وصناعة الملابس والسياحة والفندقة والخدمات المنزلية." ويحل السوريون في أغلب الأحيان محل العمال المغتربين- وغالبا محل المصريين الذين عادة ما يؤدون تقريبا الأعمال نفسها- فيما عدا فئة 14% من الأردنيين الأشد فقرا الذين يعتمدون على الأجور التي تمثل نصف دخلهم والذين غالبا ما يحصلون أيضا على أقل من الحد الأدنى للأجور مقابل أداء هذه الأعمال غير الرسمية. ويعمل مئات الآلاف من الآسيويين، الكثير من النساء، في وظائف منزلية، و يشكلون 75% من عمال صناعة الملابس البالغ عددهم 55 ألفا- مع حصولهم على أجور تقترب من الحد الأدنى للأجور في الأردن.
ويعتمد الاقتصاد اعتمادا كبيرا على هذه العمالة متدنية الأجور والمهارات فيما تتصدى جماعات ضغط قوية في الأردن لحماية مصالح الشركات التي توظفهم. ويشي هذا بالطبيعة المزدوجة للسياسات الأردنية التي تنعكس في الدعوة إلى "أردنة" سوق العمل في الوقت الذي تتقاعس فيه عن تطبيق قوانين العمل على الأجانب. يتضمن القانون بنودا خاصة بالعمال العرب ويسمح للأجانب بالعمل في قطاعات معينة (والمناطق الصناعية) مع تخصيص حصص افتراضية لهم. وفي الوقت الحالي، لم يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين حصلوا على تصاريح بالعمل في الأردن الستة آلاف- علما بأن هذه التصاريح تظل مكلفة لأرباب العمل وبعيدة المنال بالنسبة لأغلب اللاجئين.
ويتواصل الجدل حول تأثير اللاجئين السوريين على الاقتصاد الأردني، مع إشارة بعض الدراسات إلى العبء الذي يشكلوه على البلاد، بينما تنوه أخرى إلى التأثير الإيجابي لهم على النمو الاقتصادي من خلال تخفيض الأجور الذي يعمل بمثابة محفز لمؤسسات الأعمال، فضلا عن شراء السلع الإنسانية في الأردن، وإنفاق المعونات النقدية فيه، و الاستثمارات السورية. ورغم حرص الحكومة على إبراز التحليلات التي تبين فوائد الأزمة الحالية على النمو الكلي، فإن الواقع هو أن هذا النمو لا يترجم تلقائيا إلى تحسن في مستوى معيشة اللاجئين السوريين أو الأردنيين الأشد فقرا، كما أنه لا يخفف من استنزاف الموارد المائية الشحيحة ولا من الأعباء على قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الأخرى.
وثمة توافق متنام أوسع نطاقا على الحاجة إلى المساهمات التي تركز على التنمية. وقد تعهدت الأمم المتحدة والمملكة المتحدة والكويت والنرويج التي دعت إلى عقد مؤتمر المانحين لدعم سورية في لندن في الرابع من فبراير/شباط " بتلبية الاحتياجات الأطول أمدا للمتضررين من الأزمة من خلال تحديد سبل لخلق الوظائف وتوفير خدمات التعليم، مما يمنح كل من أجبروا على الفرار من بيوتهم أملا أكبر في المستقبل." وتناشد البلدان المستضيفة للاجئين التقدم بمساهمات تكون بمثابة مكسب لكل من اللاجئين والمجتمعات المحلية التي تأويهم. وسيتطلب ذلك مبالغ كبيرة بتمويل ميسر. ويعمل المانحون من خلال مختلف الآليات، بما فيها مبادرة طرحها البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية، على المزج بين المنح والقروض، لتخفيض أسعار الفائدة وتقديم التمويل الميسر لبلدان المنطقة متوسطة الدخل والتي تستضيف الجانب الأعظم من اللاجئين السوريين. وثمة خطط أخرى تشتمل على خلق فرص العمل لللاجئين والمجتمعات المحلية المستضيفة في "مناطق عمل" تتمتع بحوافز واستثمارات من الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى. وفي إشارة إلى تنامي ترابط أجندة التنمية والمساعدات الإنسانية، يشير تقرير مشترك للبنك الدولي ومفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين إلى أن المطلوب هو وضع إستراتيجية للبلدان والمجتمعات المحلية المضيفة للاجئين من أجل تحقيق النمو والتنمية على المدى المتوسط، بما في ذلك توسيع نطاق الخدمات الأساسية، وتوفير البيئة المواتية لممارسة الأعمال، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإقامة مناطق اقتصادية خاصة.
بالفعل، أصبح وضع اللاجئين السوريين في الأردن اليوم أكثر خطورة من ذي قبل. فمع تقلص مدخراتهم والمساعدات الإنسانية المقدمة إليهم، بدأت أعداد صغيرة من اللاجئين اليائسين تخرج عائدة إلى سوريا. وبالكاد تم تدبير ثلث مبلغ الثلاثة مليارات دولار التي يحتاجها الأردن للتعامل مع اللاجئين السوريين.
ولم يؤد الخروج إلى أوروبا إلى تخفيف الكثير من الضغوط التي يتحملها اللاجئون والمجتمعات المحلية المضيفة لهم.
وقد بلغ إجمالي عدد السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا عام 2015 عند أقل قليلا من 500 ألف لاجئ، جاءوا من بلدان مجاورة استضافتهم وكذا من سوريا ومصر وغيرهما. . ورغم ضخامة هذه الأعداد، فإنها لا تنطوي على أي تغيير للواقع بالنسبة للبنان والأردن وتركيا التي بلغت أعداد اللاجئين المسجلين لديها 1.07 مليون، و632 ألفا، و 2.3 مليون لاجئ على الترتيب. وتزيد الأعداد الحقيقية في كل من لبنان والأردن عن ذلك. وقد كان التأثير على اللاجئين الضعفاء أقل. فاللاجئون
الذين يتوجهون إلى أوروبا هم أولئك الموسرون الذين يملكون آلاف الدولارات المطلوبة للرحلة، بينما
90% من اللاجئين في لبنان والأردن هم من الفقراء.
والآن، بدأت تركيا تطلب من السوريين الذين يتوجهون إليها جوا أو بحرا عبر بلد ثالث الحصول على تأشيرة دخول، ومن ثم فإن السبيل الوحيد لدخول تركيا والانتقال منها إلى أوروبا يمر بالمعابر البرية الخطيرة في شمال سورية حيث يمكن الدخول إلى تركيا بدون تأشيرة. ويرتبط هذا التغيير الذي طرأ على السياسة التركية بالاتفاق الذي أبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني بشأن الحد من دخول المهاجرين إلى أوروبا والذي يقضي بأن تمنح تركيا تصاريح عمل للسوريين، وهو الأمر الذي وعد الأوروبيون بتقديم أكثر من ثلاثة مليارات دولار لدعمه.
ومع عدم ظهور أي علامات في الأفق تنبئ بقرب نهاية الحرب في سوريا، وعدم وجود مخرج حقيقي لما يبلغ 1.4 مليون لاجئ سوري في الأردن، يعيش 15% منهم في المخيمات ويتضاءل عددهم، يواجه الأردن وضعا طويل الأجل يتطلب حلا شاملا لتلبية الاحتياجات إلى التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى، فضلا عن مسألة حصول اللاجئين على فرص عمل قانونية.
ويتسم الاقتصاد الأردني بخصائص ساعدت على تيسير استيعاب اللاجئين السوريين في البداية. ولدى الأردن عدد كبير من العاملين الأجانب قد يتجاوز المليون، وأغلب هذه العمالة تعمل حاليا بشكل غير قانوني، وتضم ما يتراوح بين 160 ألف و 200 ألف سوري. وتنوه منظمة العمل الدولية إلى أن " لدى الأردن عددا كبيرا من السكان غير المواطنين، فيما تشير التقارير إلى أن أكثر من نصف الوظائف التي تستجد سنويا يشغلها عمال أجانب. ويعمل العمال المغتربون...الذين يأتون على الأرجح من مصر وسري لانكا وبنغلاديش والفلبين وإندونيسيا، بشكل أساسي في الزراعة والإنشاءات وصناعة الملابس والسياحة والفندقة والخدمات المنزلية." ويحل السوريون في أغلب الأحيان محل العمال المغتربين- وغالبا محل المصريين الذين عادة ما يؤدون تقريبا الأعمال نفسها- فيما عدا فئة 14% من الأردنيين الأشد فقرا الذين يعتمدون على الأجور التي تمثل نصف دخلهم والذين غالبا ما يحصلون أيضا على أقل من الحد الأدنى للأجور مقابل أداء هذه الأعمال غير الرسمية. ويعمل مئات الآلاف من الآسيويين، الكثير من النساء، في وظائف منزلية، و يشكلون 75% من عمال صناعة الملابس البالغ عددهم 55 ألفا- مع حصولهم على أجور تقترب من الحد الأدنى للأجور في الأردن.
ويعتمد الاقتصاد اعتمادا كبيرا على هذه العمالة متدنية الأجور والمهارات فيما تتصدى جماعات ضغط قوية في الأردن لحماية مصالح الشركات التي توظفهم. ويشي هذا بالطبيعة المزدوجة للسياسات الأردنية التي تنعكس في الدعوة إلى "أردنة" سوق العمل في الوقت الذي تتقاعس فيه عن تطبيق قوانين العمل على الأجانب. يتضمن القانون بنودا خاصة بالعمال العرب ويسمح للأجانب بالعمل في قطاعات معينة (والمناطق الصناعية) مع تخصيص حصص افتراضية لهم. وفي الوقت الحالي، لم يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين حصلوا على تصاريح بالعمل في الأردن الستة آلاف- علما بأن هذه التصاريح تظل مكلفة لأرباب العمل وبعيدة المنال بالنسبة لأغلب اللاجئين.
ويتواصل الجدل حول تأثير اللاجئين السوريين على الاقتصاد الأردني، مع إشارة بعض الدراسات إلى العبء الذي يشكلوه على البلاد، بينما تنوه أخرى إلى التأثير الإيجابي لهم على النمو الاقتصادي من خلال تخفيض الأجور الذي يعمل بمثابة محفز لمؤسسات الأعمال، فضلا عن شراء السلع الإنسانية في الأردن، وإنفاق المعونات النقدية فيه، و الاستثمارات السورية. ورغم حرص الحكومة على إبراز التحليلات التي تبين فوائد الأزمة الحالية على النمو الكلي، فإن الواقع هو أن هذا النمو لا يترجم تلقائيا إلى تحسن في مستوى معيشة اللاجئين السوريين أو الأردنيين الأشد فقرا، كما أنه لا يخفف من استنزاف الموارد المائية الشحيحة ولا من الأعباء على قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الأخرى.
وثمة توافق متنام أوسع نطاقا على الحاجة إلى المساهمات التي تركز على التنمية. وقد تعهدت الأمم المتحدة والمملكة المتحدة والكويت والنرويج التي دعت إلى عقد مؤتمر المانحين لدعم سورية في لندن في الرابع من فبراير/شباط " بتلبية الاحتياجات الأطول أمدا للمتضررين من الأزمة من خلال تحديد سبل لخلق الوظائف وتوفير خدمات التعليم، مما يمنح كل من أجبروا على الفرار من بيوتهم أملا أكبر في المستقبل." وتناشد البلدان المستضيفة للاجئين التقدم بمساهمات تكون بمثابة مكسب لكل من اللاجئين والمجتمعات المحلية التي تأويهم. وسيتطلب ذلك مبالغ كبيرة بتمويل ميسر. ويعمل المانحون من خلال مختلف الآليات، بما فيها مبادرة طرحها البنك الدولي والأمم المتحدة والبنك الإسلامي للتنمية، على المزج بين المنح والقروض، لتخفيض أسعار الفائدة وتقديم التمويل الميسر لبلدان المنطقة متوسطة الدخل والتي تستضيف الجانب الأعظم من اللاجئين السوريين. وثمة خطط أخرى تشتمل على خلق فرص العمل لللاجئين والمجتمعات المحلية المستضيفة في "مناطق عمل" تتمتع بحوافز واستثمارات من الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى. وفي إشارة إلى تنامي ترابط أجندة التنمية والمساعدات الإنسانية، يشير تقرير مشترك للبنك الدولي ومفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين إلى أن المطلوب هو وضع إستراتيجية للبلدان والمجتمعات المحلية المضيفة للاجئين من أجل تحقيق النمو والتنمية على المدى المتوسط، بما في ذلك توسيع نطاق الخدمات الأساسية، وتوفير البيئة المواتية لممارسة الأعمال، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإقامة مناطق اقتصادية خاصة.
انضم إلى النقاش