وجدنا خلال بحث أجريناهعدة تفسيرات للصعوبات التي يواجهها الناس في العثور على وظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.البعض يدفع ببساطة بعدم وجود وظائف، والبعض الآخر يرى أن الباحثين عن وظائف لا يملكون المؤهلات المطلوبة للوظائف المتاحة، بينما لا يزال آخرون يشعرون أنهم لا يملكون الوسائل أو الأدوات الضرورية للعثور على الوظائف المحتملة – وهو وضع نشير إليه نحن الاقتصاديون بمصطلح "ضعف الوساطة في سوق العمل."
لنلق نظرة عن كثب على كل من هذه التفسيرات لكي نقرر ما إذا كانت التصورات تضاهي الواقع، وما هو النطاق المتاح لواضعي السياسات للتعامل معها.
الوظائف غير موجودة: يشكو البعض من عدم وجود أي وظائف– هذا بالتأكيد هو واقع الحال في قطاعات معينة.ومع هذا، لا يمكن أن يكون هذا هو السبب الوحيد لارتفاع معدلات البطالة في المنطقة. فحسب دراسة حديثة أجريت في تونس (انظر البنك الدولي 2012 في الأسفل)، سجلت وكالة التشغيل الوطني (ANETI)أكثر من 150 ألف وظيفة شاغرة ومتاحة في القطاع الخاص لم يشغل منها إلا 20 ألفا فقط. وهذا أمر محير نظرا لارتفاع معدلات البطالة في تونس إلى نحو 19 في المائة عام 2011.
المؤهلات "غير مناسبة": تعرب الشركات الإقليمية عن خيبة أملها إزاء نقص المهارات الأساسية (المؤهلات الأساسية والإضافية) في الموظفين الجدد. ويذكر أرباب العمل الذين شملهم المسح أن حوالي ثلث الخريجين الجدد فقط مستعدون ومهيأون لبدء العمل، ويضيف أكثر من نصف أرباب العمل أن عليهم أن يعالجوا هذا النقص في التأهيل للعمل من خلال توفير التدريب، وهو ما يستغرق وقتا طويلا ويكلف أموالا طائلة.[1]
الشكل الأول يوضح القيود الرئيسية التي تواجه أرباب العمل في المنطقة (a).
(انقر لتكبير الصورة)
وعلى سبيل الصدفة، اتفق الطلاب مع أرباب العمل بشأن عدم ملاءمة المهارات للوظائف الشاغرة: لم يعرب سوى ثلث من شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم بأنهم مؤهلون بالشكل اللائق للالتحاق بقوة العمل. ومن المدهش أن أكثر من الثلث كانوا على استعداد لتحمل تكاليف التعليم الخاص إذا ضمن لهم ذلك فرصا أفضل في التوظيف.
الوظائف "غير مناسبة":كان أحد التفسيرات التي لم نأخذها بعين الاعتبار أن الوظائف المتاحة ليست تلك التي ينشدها الناس. وهذا بالتأكيد ممكن.ففي الوقت الذي لا يتوفر دليل عملي يؤكد ذلك، لكن الواقع يحتم أن التعليم يصاحبه عادة تطلعات نحو حياة أفضل، حياة تنأى عن مهن معينة، ولذا تظل هناك وظائف معينة شاغرة. فالباحثون عن الوظائف ينشدون الأفضل دائما.
وقد يكون الواقع أن الشباب والمتعلمين يفضلون البقاء بلا عمل على قبول التوظيف في القطاع الخاص، والانتظار بدلا من ذلك في طوابير العمل الحكومي الذي غالباً ما يدفع أفضل ويوفر مزايا أكثر ومكانة اجتماعية أرفع.
الأدوات غير المناسبة - أو افتقار الأدوات اللازمة للباحثين عن عمل: السبب الأخير الذي ينبغي علينا أن ندرسه هو أن الناس لا يجدون عملا لأنهم لا يعرفونكيف أوأين يبحثون عنه.
ويشكو بعض الباحثين عن وظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أن السبل المتاحة لهم للبحث عن وظائف إما محدودة أو مغلقة.وهذا ما أشرنا إليه سلفا باسم "الوساطة في سوق العمل"، وهو مصطلح يشير إلى الآليات والمؤسسات التي تتوسط بين الباحثين عن وظائف وبين أرباب العمل، والتي توفق بين المعروض من الوظائف والمطلوب منها.
وبدون وسيط جيد للتوظيف، سيظل التوفيق بين المهارات والوظائف ضعيفا. ويمكن أن يكون لضعف الوساطة عدة عواقب، منها البطالة و/أو التعطل، ونقص المهارات في مجالات إلى جانب زيادتها في مجالات أخرى، واستنزاف العقول، وفي النهاية بطء النمو. أما الوساطة الجيدة، فيمكن أن تساهم في خلق قوة عمل أكثر إنتاجية، وتؤدي إلى نتائج توظيف أفضل يصاحبها انخفاض في معدلات الفقر، ومن ثم، تسارع معدلات النمو.
وهناك قصة مدهشة ظهرت من خلال العديد من المشاورات التي تم إجراؤها في تونس، وهي توضح المشكلة بشكل جلي. فقد تبين أن موظفي الوكالة الوطنية للتشغيل لا يصنفون الشهادات العلمية (الدبلومات) للعاطلين عن العمل على نحو سليم.ويجرد ذلك أرباب العمل من أحد أهم السبل لتقييم مدى ملاءمة مؤهلات الموظف المرشح.هذا العجز عن التوفيق بين المؤهلات والوظائف المتاحة يمكن أن يقود أرباب العمل إلى تعيين أشخاص غير لائقين ومن ثم يمكن أن يكون مصدرا لإقالة أو استقالة أو تبديل أعداد كبيرة من الموظفين.
يطرح تقرير "حرية الازدهار:الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" تحسين سبل الوساطة كإحدى الحلول للتوفيق بين الوظائف والمهارات. ومن خلال تعزيز سياسات سوقالعملالنشطة ALMPs، يمكن أن تكون الوساطة وسيلة لإعادة تدريب الباحثين عن وظائف على المهارات التي يزداد الطلب عليها وذلك لمنحهم فرصة ثانية.
ومن شأن إسناد دور موجه وأكثر فعالية لخدمات الوساطة المقدمة من القطاع الخاص أو الدولة أن يعمل على تحسين خطوات البحث عن وظيفة، وفي الوقت نفسه التوفيق بين المعروض من الوظائف وبين الطلب عليها. وربما تحتاج بعض البلدان إلى تبني تشريعات من شأنها مساعدة خدمات الوساطة الخاصة وتنظيمها.ومن أجل تحسين أداء الأجهزة والخدمات، يتعين تبني أنظمة لقياس فعاليتها ومتابعتها (على سبيل المثال، تتبع معدل دخول الباحثين عن عمل وآليات الرد والتعليق من قبل كل من المستفيدين والقطاع الخاص).
وستحتاج أغلب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى برامج عمل نشطة لأولئك الذين يترنحون في الانتقال من مرحلة التعليم إلى سوق العمل، ولخدمة العمال الذين يصعب تعيينهم أو من هم أشد حاجة إلى صقل مهاراتهم. وفي الوقت الحالي، تقتصر سياساتسوقالعملالنشطة ALMPsعلى خدمة المناطق الحضرية والعاطلين في المدن (الذين يستطيع بعضهم أن يظل بدون وظيفة).وسيتعين على هذه البرامج أن توسع نطاق خدماتها وأن تصل إلى المناطق الريفية وإلى العمال غير الرسميين.
وليس هناك من حل واحد لمشكلة البطالة.فهي تتطلب مزيجا من العوامل التي تشمل النمو الاقتصادي والإدارة الجيدة، بيد أن الوساطة الجيدة في سوق العمل ستضمن مساعدة الناس على العثور على الوظائف المتاحة. كما أنها ستؤكد على امتلاكهم للمهارات اللائقة بمجرد التقاء الباحث عن الوظيفة بضالته المنشودة.
[1]انظر تقرير e4e(التعليم من أجل العمل): تحقيق غايات الشباب العربي (مؤسسةالتمويلالدولية، واشنطن 2010)
انضم إلى النقاش