في هذا الوقت من العام الماضي، أعدت مفاتيح شقتي التي تم تجديدها مؤخرًا إلى المالك. بعد أن عشت في الولايات المتحدة لأكثر من 12 عامًا، قررت العودة إلى موطني، إلى القدس. حزمت متعلقاتي على عجل، خوفا من أنه كلما بقيت أكثر، طال الوقت الذي يجب أن أفكر في الأمر ولا أغادر أبدا.
بعد كل هذه السنين، تحوّل عشقي للوطن إلى حالة رومانسية: رائحة القهوة في الصباح، المدينة القديمة ودفئها في الشتاء، طعام أمي، وكل ذكريات طفولتي. ظننت أنه حين أعود إلى الوطن، ستكون الحياة هي نفسها كما تركتها في الماضي. لكن منذ الأسابيع الأولى، أدركت أن الأمور قد تغيرت، وأن وطني لم يعد هو المكان نفسه الذي كنت أعرفه في السابق. فخلال هذه الأيام، وبينما كنت أكتشف مشاعري الداخلية، كان عليّ أن أواجه واقع كوني فلسطينية مقدسية مع ظهور إجراءات إضافية من التعقيد الذي يضيفه ذلك، شاملا زيارات لا تنتهي لوكالات إسرائيلية كي أثبت إقامتي وأحتفظ بتأميني الصحي. وحين كنت أبحث في أوراقي عن إثبات أقدمه للحكومة بأنني أنتمي إلى هذه الأرض، مما جعلني اتساءل: هل كانت المسافة التي جعلت كل شيء يبدو جميلاً عن بعد؟
في هذه الأيام، بدأت عملي في مكتب البنك الدولي للضفة الغربية وغزة. يعود تاريخ مشاركة البنك الدولي في الأراضي الفلسطينية إلى عام 1992 عندما قدم خطة لمشاركة المانحين اللاحقة في الضفة والقطاع. ولأن الأراضي الفلسطينية ليست عضوا في صندوق النقد الدولي ولا في البنك الدولي، فهي غير مؤهلة للحصول على مصادر التمويل العادية. ولذلك أنشئ الصندوق الاستئماني لقطاع غزة والضفة الغربية لتوجيه مساعدة البنك المالية المتاحة عادة للبلدان الأعضاء، ويتم تجديد موارده على أساس سنوي. لقد كنت متحمسة للانضمام إلى البنك الدولي في بلد ميلادي وأسهم في تنميته. وإلى أن تعرضت لبعض الحوادث "العادية" التي يواجهها السكان المحليون هنا، أدركت التميز الحقيقي للعمل هنا وجميع تحدياته.
حدث ذلك مساء أحد أيام الجمعة حين كنت أقود السيارة مع والدتي عائدين إلى منزل عائلتي. وحين مررنا بالمستوطنة القريبة من المنزل، سمعت ضجة هائلة تبدو كانفجار. أدركت أن احجار أُلقيت على سيارتنا وكسرت الزجاج الخلفي بأكمله؛ لحسن الحظ، لم نتعرض لإصابات جسدية. لعل أكثر ما أدهشني ليس الهجوم بحد ذاته، بل الطريقة الروتينية الغير مبالية التي تلقى بها الناس الخبر. "هل هذه هي المرة الأولى التي يهاجمك فيها المستوطنون؟" كان هذا هو السؤال الذي يطرحه بعض الفلسطينيون حين يسمعون بما حدث. وحين أصررت على رغبتي في الإبلاغ عن الحادث، ضحك الناس. قالت لي صديقتي "أين تظنين نفسك تعيش... مرحباً بك في فلسطين!"
كنت أعرف كل هذا قبل مجيئي إلى هنا، لكني كنت أظن أن هذه الأمور بعيدة عني إلى أن أصابتني. شعرت بالعجز لأنني لا استطع حتى عن الحديث عن قصتي. في ذلك المساء ، أدركت إلى أن مدى أنا "فلسطينية - مقدسية": فليس من المهم أين عملت أو درست، فأنا لست محصّنة من هشاشة هذا المكان.
ولكن على الرغم من كل هذا، كل صباح وأنا أقود سيارتي إلى العمل، أزداد ثقةً بأنني اتخذت القرار الصحيح. فأنا أرى نتائج العمل الذي أقوم به مباشرةً، كما أني جزءا من شيء يساعد في تحقيق مستقبل أفضل لمن يهمني أمرهم. كل صباح ، أكون ممتلئة بطاقة إيجابية. فربما حين تكون عاجزًا للغاية عن إحداث تغيير في محيطك، توجّه كل ما لديك من قوة إلى ما يمكنك التأثير عليه، آملاً في إحداث بعض الاختلاف. قد يكون العمل في البلدان الهشة صعباً - وقد يكون أكثر صعوبة حين يكون البلد بلدك وليس خياراً - ولكنه حتى الآن أفضل شيء قمت به على الإطلاق.
انضم إلى النقاش