احتلت الدعوات إلى تشكيل حكومات أكثر شفافية وإنصافاً وخضوعاً للمساءلة قلب الثورات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط خلال الربيع العربي. وفي أعقاب هذه الانتفاضات، راح المتخصصون يتصدون لقضية الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. وللقيام بذلك، لا بد عليهم الإجابة على الأسئلة التالية: كيف يمكن أن نمنهج ثقافة المساءلة والحكم الديمقراطي؟[1] كيف يمكن أن نحول الطاقة الشعبية المتمثلة في الحشد بالشارع إلى مؤسسة قوية تضع المسؤولين تحت المجهر؟
تكمن الإجابة في إشراك المواطنين والمجتمع المدني في مراقبة ممثلي الشعب. قد يكون بناء قدرات المواطنين في مراقبة مقدمي الخدمات العامة هو المفتاح لمواصلة التقدم الذي تحقق بفضل ضغوط احتجاجات الشارع. ونظراً لأن الإصلاح الاقتصادي والسياسي يرتبط بشكل تقليدي بالدولة، فإن نظم الحكم الناجحة تقتضي إشراك المواطنين والمجالس المحلية بشكل أعمق من خلال الانخراط المباشر مع المسؤولين المنتخبين من أجل الدفع في اتجاه تقديم الخدمات العامة بشفافية.[2]
في العالم العربي، تتجلى جدوى المساءلة بشكل خاص في مجال واحد، ألا وهو إصلاح نظام الدعم. وقد أصدر البنك الدولي مؤخراً تقريراً يوصي بإصلاح نظام الدعم في الدول العربية، حيث تتسم هذه الأنظمة بتحيزها الاجتماعي الشديد وليس بالفعالية من حيث التكلفة. [3]
ويشكل دعم الطاقة، السائد في المنطقة، نحو 4.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن أكثر المستفيدين منه هي الفئات الأعلى دخلاً. في المقابل، لا يذهب سوى 0.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي إلى برامج المساعدة الاجتماعية غير المدعومة [4]، وهذا الأمر يحرم الفئات الأشد احتياجاً من سبيل خلاص، لا سيما الأطفال وسكان الريف.
وفي الوقت الذي تعتبر معظم الحكومات أن الدعم الذي تقدمه لأسعار المواد الغذائية يتسم بالحساسية الشديدة من الناحية السياسية التي تحول دون خفضه، قد يكون الإصلاح التدريجي لدعم الطاقة المقترن بإجراءات تخفف من تأثير ذلك على الفئات الأشد احتياجاً أمراً واقعياً.
في الماضي، كانت تفرض الحكومات خفض الدعم، وغالباً ما كان يؤدي ذلك إلى عداء شرائح كبيرة من المجتمع الذي يعتمد عليه. وسبب لذلك يعود لأن إلغاء الدعم لم يكن يصاحبه أي تعويض يساعد من هم أشد فقراً. [5]
وما زال الدعم يشكل شبكة أمان مهمة للعديد من الأسر في مختلف أنحاء العالم العربي. ومع هذا، فقد وجد استطلاع للرأي أجراه البنك الدولي بالاشتراك مع مؤسسة غالوب أن أغلب الأفراد الذين استطلعت آراؤهم في مصر والأردن ولبنان وتونس يعتقدون أن برامج المساعدة الاجتماعية يجب "أن تستهدف الفقراء في الأساس ... من خلال تقديم التحويلات النقدية المباشرة،" ليستفيد منها الفقراء وليس السكان جميعاً.
هذه المفارقة بين المقاومة العنيدة لإصلاح أنظمة الدعم من قبل الحكومات من جهة، والإرادة الشعبية الواضحة لتطويع برامج المساعدة الاجتماعية كي يستفيد منها الفقراء من جهة أخرى، قد يفسره انعدام الثقة وسوء التواصل بين واضعي السياسات والمواطنين. [6] وقد يتم تجاوز ذلك من خلال زيادة انخراط المواطنين في برامج المساعدة الاجتماعية.
ويعكس هذا الاستطلاع ضرورة أن يضطلع المواطن بدور أكثر نشاطاً في اتخاذ القرار الخاص ببرامج تخفيف وطأة الفقر في بلدانهم. وللحصول على آراء الناس حول إصلاح أنظمة الدعم، فثمة برنامج للمتابعة الاجتماعية يمكن أن يخفف جانباً من التوترات الاجتماعية التي عادة ما تصاحب إلغاء الدعم الحكومي للمواد الغذائية والخدمات الأساسية. وقد يساعد هذا البرنامج أيضاً على تحسين تقديم الخدمات العامة للفئات الأشد احتياجاً، وعلى بناء ثقافة المساءلة العامة التي يمكن أن يتجاوز عمرها عملية الإصلاح.
وسيكون رأي المواطنين في إصلاح نظم الدعم بمثابة خطوة أولى. ويمكن أن تتحقق الرقابة العامة على الحكومة بشكل عام، وإصلاح الدعم بشكل خاص من خلال:
- تشكيل مجالس تتألف من منظمات المجتمع المدني المحلي والمواطنين لمراقبة الإنفاق العام للبلديات في بداية ونهاية السنة المالية.
- استطلاع آراء السكان المحليين بشأن جودة تقديم الخدمات العامة.
- الرقابة الميدانية من قبل أعضاء المجالس الشعبية على جودة تقديم الخدمات العامة.
- عقد جلسات اجتماع عامة مع الجهات الحكومية ومقدمي الخدمات العامة والمجتمع المدني من أجل التصدي للقضايا المتعلقة بضعف أداء القطاع العام.
وستكون فوائد الرقابة الاجتماعية الفعالة جمة، من بينها: إمكانية تحسين عملية تقديم الخدمات العامة لمن هم أشد احتياجاً؛ وكسب الحكومات لثقة الشعب؛ وتشجيع التعاون بين الدولة وقطاعات المجتمع المدني لسد الفجوات القائمة في تقديم الخدمات العامة.
بعبارة أخرى، يمكن لتطبيق آليات الرقابة الاجتماعية على برامج المساعدة الاجتماعية تمكين المواطنين العرب من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
انضم إلى النقاش