يُعد المغرب، الذي استضاف المؤتمر الثاني والعشرين بشأن المناخ (COP22) في مراكش مؤخراً، نموذجا لبلد يعمل بصورة وثيقة مع البنك الدولي ومنظمات أخرى لتحويل اقتصاده إلى مسار للتنمية منخفضة الكربون.
وقد تقدم المغرب لتوه بخطته الرسمية لمكافحة تغير المناخ، أو ما يسمى بالمساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ، والتي تعهد فيها بتخفيض الانبعاثات الغازية بنسبة 42% عن مستواها المعتاد بحلول عام 2030. ويزيد هذا الطموح بنسبة 10 نقاط مئوية عما طرحه المغرب في السابق قبل قمة باريس، ونحن نرى أن الخطة تؤثر على عدد متزايد من القطاعات الاقتصادية. ويخطط المغرب لزيادة توليد الطاقة الشمسية والكهرومائية وطاقة الرياح وما يصاحبها من بنية أساسية بتكلفة 13 مليار دولار يفضي إلى توفير 42% من احتياجات البلاد من الكهرباء المولدة من مصادر متجددة بحلول عام 2020، لتزداد إلى 52% بحلول عام 2030.
ويشتهر المغرب باستثماراته في الطاقة الشمسية: فالحكومة تقيم محطة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء المغربية. وقد أطلقت في وقت سابق من هذا العام نور 1، وهي المرحلة الأولى من المحطة البالغ إجمالي إنتاجها من الطاقة 510 ميغاواط والتي ستمد أكثر من مليون مغربي في نهاية المطاف بالطاقة النظيفة. وهي بالفعل واحدة من أكبر محطات توليد الطاقة الشمسية في العالم.
ولعل الأمر الذي لا يقل إثارة للإعجاب عن ذلك هو أن المغرب قد أولى إصلاح دعمه للوقود الأحفوري أولوية خاصة، فقد ألغى تقريبا كافة الدعم المقدم له. وتشير التقديرات الأولية إلى أن ثمة انخفاضا هائلا في الانبعاثات الغازية بفضل هذه الإصلاحات- قدرت بأكثر من مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا- ويمكن أن تزيد عن ضعف ذلك إذا استثمر المغرب في الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة بما توفر من موارد للخزانة العامة بفضل إلغاء الدعم.
وهذا هو السبب في أننا نصبو إلى تجريب نهج جديد لتمويل الأنشطة المناخية، بالبناء على سياسات تشمل جميع جوانب الاقتصاد، بهدف زيادة إجراءات تخفيف آثار التغيرات المناخية بدرجة كبيرة. وإذا نجح هذا النموذج فستتم محاكاته في بلدان أخرى مهتمة بمثل هذه الإصلاحات، وبأدوات تسعير الكربون، وبسياسات أخرى مواتية للبيئة.
ومن خلال صندوق الشراكة للحد من انبعاثات الكربون، يتطلع البنك الدولي إلى تجريب أول نظام للرقابة والإبلاغ والتحقق على صعيد السياسات في العالم، وهي أول خطوة في اتجاه تحقيق هدفنا النهائي المتمثل في وضع برنامج لتمويل مساعي تخفيض الكربون يكافئ السياسات في المغرب وذلك في إطار مبادرة جديدة للبنك الدولي تسمى الصندوق التحويلي لأصول الحد من انبعاثات الكربون . وسيغطي البرنامج إصلاح عملية تسعير الطاقة، وكفاءة استخدامها، وسياسات الطاقة المتجددة في نطاق الاستراتيجية الوطنية للطاقة في المغرب.
يقوم هذا النهج الجديد على أساس الدفع بناء على النتائج، وسيتم الدفع إذا تمكن المغرب من إظهار تقلص انبعاثات غازات الدفيئة نتيجة لسياسات محددة أثمرت أصولا تحد من انبعاثات الكربون.
تلعب السياسات- على مستوى الاقتصاد كله وأيضا على مستوى قطاعات بعينها- دورا رئيسيا في استراتيجيات تخفيف آثار تغير المناخ والخطط المناخية الوطنية، ومن ثم فإن وضع منهجية قوية لمراقبة السياسات والإبلاغ عنها والتحقق منها سيشكل جزءا أساسيا من الأنظمة الوطنية للرقابة والإبلاغ والتحقق، ومن عمليات تنفيذ المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ، ومطابقة النتائج باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC). ومن شأن وجود تقييم لاحق للسياسات أن يحدث تحسنا في تصميم السياسات، وبالنظر إلى الأمام، سيعزز كفاءتها البيئية.
ورغم أننا عملنا في الكثير من المشاريع التي أعطيت رصيداً كلما خفضت الإنبعاثات الكربونية ، فإن هذا النموذج جديد ومبتكر لأن الدفع يعتمد على تغيير السياسات المؤدية إلى تخفيض الانبعاثات مما يتيح الانتقال إلى نمو منخفض الكربون على نطاق أكبر بكثير.
ونحن نتطلع إلى مواصلة النقاش هذا الأسبوع مع مضيفينا في المغرب حول البرنامج الجديد لمكافأة السياسات، ونأمل في أن يمثل التوجه الجديد نحو إصلاحات واسعة للسياسات نموذجا يحتذى من قبل البلدان الأخرى التي تعكف على تنفيذ خططها المناخية الطموحة.
انضم إلى النقاش